إجراءات تعقّب الإرهابيين في فرنسا تزيد الضغوط على الجالية المسلمة

إجراءات تعقّب الإرهابيين في فرنسا تزيد الضغوط على الجالية المسلمة

باريس – سرّعت فرنسا ودول أوروبية أخرى وتيرةَ مواجهة النشطاء المتشددين من ذوي الخلفيات الإسلامية، وكذلك الجمعيات والجهات التي تقف وراءهم، وهو وضع يزيد الضغوط على الجالية المسلمة التي باتت تدفع فاتورة الإجراءات المشددة لمطاردة الإرهابيين.

وأعلن مجلس الوزراء الفرنسي، الأربعاء، حلّ جماعة “الشيخ ياسين” المؤيدة للفلسطينيين والمتهمة بـ”التورط” في قتل أستاذ يدرّس مادة التاريخ، يوم الجمعة الماضي، قرب باريس. ويمكن أن يكون حل هذه الجماعة خطوة أولى ضمن سلسلة الإجراءات التي تنوي فرنسا اتخاذها لتفكيك شبكات الإسناد الداعمة للإرهابيين.

وقال غابرييل أتال، المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، “أعلنا حل جماعة الشيخ ياسين المتورطة والمرتبطة بهجوم يوم الجمعة الماضي، وقد كانت منذ وقت طويل عبارة عن واجهة مزيفة لما هو في الواقع أيديولوجيا معادية للجمهورية تنشر الكراهية”.

وأشار ماكرون خلال جلسة مجلس الوزراء إلى أن “المذنب معروف: هو الإسلام السياسي الذي يدعم منهجيّا تفكيك الجمهورية”، كما أفاد أتال. ونقل أتال عن ماكرون قوله إنها “معركة أمنية وتربوية وثقافية وستكون طويلة”.

ويعتقد متابعون للشأن الفرنسي أن باريس تحتاج إلى خطاب إعلامي أكثر توازنا لكسب ثقة الجالية المسلمة في صفها، خاصة أن هذه الجالية تتحمل نتائج العمليات الإرهابية، حيث تتحول إلى قبلة للتضييقات المختلفة والتحريض والاستهداف الإعلامي، في الوقت الذي كان يُفترض فيه أن تعمل باريس على التفريق بين الجالية والمتشددين حتى يسهل عزلهم عن الحاضنة الشعبية.

وأسس جماعة الشيخ ياسين (المسماة تيمّنا بمؤسس حركة حماس الإسلامية الذي قتله الجيش الإسرائيلي عام 2004) عبدالحكيم الصفريوي، وهو ناشط إسلامي متشدد موقوف على ذمة التحقيق منذ يوم الجمعة الماضي.

وقام الصفريوي بنشر فيديو على يوتيوب قبل أيام يصف فيه الأستاذ صمويل باتي، الذي قتل، بأنه “مثير للشغب”.

بالإضافة إلى حل الجماعة، جرى أيضا إغلاق مسجد بانتان في ضاحية باريس الشمالية، على خلفية نشر فيديو يندد بالأستاذ ضحية الهجوم الإرهابي على فيسبوك، كما ستقوم السلطات بـ”طرد أشخاص متطرفين وضع إقامتهم غير قانوني”.

ومتحدثًا عن “التعزيز الهائل” لنشاط الحكومة في مواجهة التطرف بناء على توجيهات رئيس الجمهورية في خطابه يوم 2 أكتوبر، أكد أتال أنه منذ فبراير 2018 “أغلق 356 موقعًا” شكّل منطلقًا لنشر “التطرف”، وهي مواقع مختلفة تراوحت بين “مقاه وجمعيات ومساجد ونواد رياضية”. وأضاف أنه خلال الشهر الماضي “جرى إغلاق موقع مماثل كل ثلاثة أيام”.

ويرى المتابعون أن السلطات الفرنسية تعرف الشبكات التي تستقطب المتشددين وتؤويهم وتدربهم، وهي شبكات مرتبطة بجمعيات تحصل على اعتراف فرنسي بأنشطتها العلنية، وأن باريس تتحمل مسؤولية التقاعس في لجم تلك الجماعات منذ البداية، ولا يمكنها تحميل الجالية عبء هذه المواجهة.

وتعتزم الحكومة دعم القطاع التربوي، وفق أتال، عبر “تقوية التعليم المدني والأخلاقي” والتشديد على ضرورة أن تكون العودة إلى المدارس في 2 نوفمبر هذا العام “تحت شعار قيم الجمهورية والحرية بناء على ترتيبات يعلن عنها وزير التعليم جان ميشال بلانكي في الأيام المقبلة”.

ولا يتوقع المراقبون أي انفراجة للأزمة الحالية، خاصة أن فرنسا -وأوروبا بصفة عامة- باتت تشعر بقلق بالغ من تمدد الجماعات المتشددة ونفوذها واستهدافها للقيم الأوروبية، كما أن من المحتمل أن تبلغ الإجراءات مرحلة المحظور لتبدأ السلطات بتسفير المهاجرين تحت ظلال قوانين مكافحة الإرهاب.

وتتيح قوانين مكافحة الإرهاب لدول أوروبية، مثل بولندا، طرد أي أجنبي يشتبه في تورطه في الإرهاب بأثر فوري. وتمنح هذه القوانين جهاز الأمن العام صلاحيات متزايدة في مراقبة الأجانب، بمن في ذلك مواطنو الاتحاد الأوروبي، بمجرد الاشتباه فيهم.

وفي بولندا يتزايد عدد الأجانب الخاضعين لأوامر الترحيل بتهمة الإرهاب والتجسس، مما يثير مخاوف محاميّ حقوق الإنسان البولنديين. وقال مالغورزاتا جازوينسكا، المحامي في جمعية التدخل القانوني (وهي منظمة غير حكومية لحقوق الإنسان في وارسو)، “في اللحظة التي تصدر فيها المحكمة الإدارية أمرًا بالترحيل، سيكون ساري المفعول على الفور. إنه وضع خطير، لاسيما في حالة الأجانب الذين يزعمون أنه بعد ترحيلهم لأسباب أمنية، يمكن احتجازهم واعتقالهم وربما تعذيبهم”.

وفي الكثير من الحالات كان قانون الأمن الداخلي يضغط على المهاجرين المسلمين للإبلاغ عن أنشطة أقرانهم. وإذا لم يتعاونوا مع السلطات يصبحوا عرضة للترحيل.

العرب