بغداد – قالت مصادر دبلوماسية إن الولايات المتحدة استكملت عملية إخلاء الموظفين المدنيين من سفارتها في بغداد بالتزامن مع عودة صواريخ الكاتيوشا إلى الظهور مجددا في محيطها، واقتراب الذكرى السنوية الأولى لمقتل الجنرال الإيراني البارز قاسم سليماني ومساعده العراقي أبومهدي المهندس، القائد الميداني السابق لقوات الحشد الشعبي، في غارة أميركية في الثالث من يناير 2020.
والشهر الجاري هوجمت السفارة الأميركية في بغداد مرتين باستخدام صواريخ الكاتيوشا التي تطلقها ميليشيات عراقية شيعية تابعة لإيران.
وأوضحت المصادر أن جزءا من موظفي السفارة الأميركية في بغداد عاد مؤقتا إلى الولايات المتحدة، والجزء الآخر نُقل إلى مدينة أربيل الآمنة شمال العراق، فيما نُقل الجزء المسؤول عن إدارة الأنشطة الحيوية في العاصمة العراقية إلى موقع بديل.
ويوم الأربعاء أعلنت القيادة المركزية الأميركي أن “الهجوم الصاروخي الأخير على المنطقة الخضراء في بغداد تم تنفيذه بشكل شبه مؤكد من قبل مجموعة الميليشيا المارقة المدعومة من إيران”.
وقال المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية، ويليام أوربان، إن “هجوم يوم الأحد ذا الـ21 صاروخا كان أكبر هجوم صاروخي على المنطقة الخضراء منذ 2010”.
وأضاف “في حين أن هذا الهجوم الصاروخي لم يتسبب في وقوع إصابات أو ضحايا أميركيين، إلا أن الهجوم ألحق أضرارا بمباني مجمع السفارة الأميركية، ومن الواضح أنه لم يكن يهدف إلى تجنب وقوع إصابات”.
وبالرغم من أن الهجوم لم يصب أميركيا واحدا بخدش، إلا أن أتباع إيران يجدون فيه فعلا مقاوما لا يمكن انتقاده.
لكن الابتهاج بأفعال المقاومة الإسلامية واستعراض سلاسل بطولاتها من قبل الجيوش الإلكترونية المدعومة من إيران في “تويتر”، حتى وإن كانت بلا أساس، لن يغطي حقيقة وجود تبعات خطرة على هذا الفعل المتهور، الذي ربما لن يمر بسلام.
ومساء الأربعاء، اجتمع مسؤولون في الأمن القومي في البيت الأبيض، لتدارس خيارات بشأن إيران وطرحها على الرئيس دونالد ترامب. وناقش الاجتماع سبل “ردع إيران ووكلائها عن مهاجمة الأميركيين العسكريين والدبلوماسيين في العراق”.
ونشر ترامب عبر حسابه في “تويتر”، صورة لثلاثة صواريخ لم تنفجر خلال الهجوم الأخير على السفارة الأميركية في بغداد، مشيرا إلى أنها جاءت من بغداد.
وأضاف أن هناك حديثا عن “هجمات إضافية ضد أميركيين في العراق”. وتابع الرئيس الأميركي أنه سيحمّل إيران المسؤولية عن مقتل أي أميركي، داعيا إياها إلى التفكير مليا قبل التورط في هذا الأمر.
ويبدو أن إيران تستشعر حجم الخطر الذي تجسده عودة ميليشياتها العراقية إلى قصف السفارة الأميركية، إذ قامت بإرسال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري إسماعيل قاآني إلى بغداد لتدارك الأمر.
وقالت وسائل إعلام إيرانية إن قاآني زار بغداد يوم الثلاثاء والتقى “كبار المسؤولين العراقيين” لـ”بحث سبل التعاون الثنائي بين البلدين”.
وحاول زعيم تحالف الفتح في البرلمان العراقي، هادي العامري، وهو أقوى حلفاء إيران في العراق حاليا، تخفيف حدة التوقعات المتشائمة عندما دان “بشدة استهداف البعثات الدبلوماسية”.
واعتبر أن “عمليات القصف هذه غير مبررة تحت أي ذريعة كانت”. ويقول مراقبون إن تعليق العامري هذا ربما يكون أشد وقعا من أي صاروخ، لأنه يكشف عن حالة الهلع الإيراني من ردة الفعل الأميركية.
كذلك يرى نائب رئيس هيئة الأركان العامة في الحشد الشعبي أبوعلي البصري، أن “الهجوم على السفارة الأميركية يشير إلى مؤامرة من نوع أكبر”. ويرمي البصري إلى أن أميركا هي التي قصفت سفارتها في بغداد، كي تلقي باللوم على إيران، وربما تعاقبها.
ويقول مراقبون إن الممثلين السياسيين والعسكريين للمصالح الإيرانية في العراق يحاولون النأي بأنفسهم عن التبعات الدبلوماسية والاقتصادية التي سيتسبب فيها القصف الميليشياوي المستمر للسفارة الأميركية في بغداد.
ولم تضيّع الميليشيات العراقية وفصائل الحشد الشعبي وقتها، بل أطلقت عنان مؤسساتها الإعلامية وماكنة الدعاية الإيرانية الحاضرة في العراق لإدانة قرار ترامب بالعفو عن منتسبي شركة بلاك ووتر الأمنية المتهمين بارتكاب جرائم في العراق، في محاولة للتخفيف من تداعيات استهداف السفارة.
ويأتي هذا بالتزامن مع لقاءات عراقية لتطويق تداعيات إغلاق السفارة وإثارة غضب واشنطن وجعل البلاد ساحة مواجهة بين إيران والولايات المتحدة. وبحث الرئيس العراقي برهم صالح، الخميس، ووزير الدفاع جمعة عناد، إجراءات تأمين البعثات الدبلوماسية وتعزيز سلطة الدولة.
وحث بيان للرئاسة العراقية، عقب اللقاء، على “مناقشة التطورات الأمنية الأخيرة، وتعزيز سلطة الدولة والأجهزة الأمنية من أجل فرض النظام”، وذلك بعد يوم واحد من لقاء صالح برئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، في مسعى لضبط أنشطة المجموعات “المنفلتة” داخل الميليشيا الموالية لإيران.
وكان صالح قد بحث مع رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، مساء الأربعاء، تعزيز سلطة الدولة وحماية البعثات الدبلوماسية. وتخشى الحكومة العراقية أن تقوم الولايات المتحدة بإغلاق سفارتها في بغداد، بسبب فشل العراق في تأمينها.
ويقول مسؤولون عراقيون إن واشنطن تدرس فعليا إغلاق سفارتها في بغداد بسبب الهجمات الصاروخية المتكررة عليها، وإمكانية تعرضها لهجوم أوسع في ذكرى مقتل سليماني مطلع العام القادم.
ويمكن أن يُسبِّب إغلاق الولايات المتحدة سفارتها في بغداد صدمة قاتلة للحكومة العراقية، لاسيما إذا اقترن بتعطيل مسارات الدعم الاقتصادي الأميركي لها، أو فرض عقوبات على العراق.
ويعاني العراق بشدة تحت وطأة أزمة مالية خانقة، تسببت في شلل للاقتصاد المحلي، وقادت إلى خفض قيمة العملة المحلية أمام الدولار بنحو 20 في المئة. وتقدم الولايات المتحدة حزمة من المساعدات المالية المباشرة وغير المباشرة لقطاعات عديدة في العراق، مثل الصحة والتعليم والتدريب العسكري وغيرها.
العرب