اختتم وزير الخارجة الصيني وانغ يي جولة في الشرق الأوسط شملت زيارة السعودية وتركيا وإيران والإمارات والبحرين وسلطنة عمان، أعطى خلالها إشارات واضحة على أن بلاده لا تنوي البقاء في موقع الشريك الاقتصادي والتجاري والمستورد الكبير للنفط من المنطقة فقط، بل تعتزم التحول إلى فاعل جيوسياسي وأمني يلعب دوراً محورياً في شؤون الشرق الأوسط المختلفة.
وفي تتويج هذه الجولة وتدشين الحضور الصيني في الملف الفلسطيني بوصفه قضية العرب المركزية، طرح وانغ يي مبادرة من خمس نقاط، تشمل الاحترام المتبادل والالتزام بالإنصاف والعدالة، والعمل على حل الدولتين في إطار مؤتمر دولي يتمتع بالمصداقية، والتحقق من عدم انتشار الأسلحة النووية، والعمل في سبيل الأمن الجماعي، والتقدم أكثر في مسائل التنمية والتعاون.
صحيح بالطبع أن نقاط المبادرة تجمع بين مبادئ عامة وأخرى ملموسة، وأن جوهرها لا يبدو جديداً تماماً لأنه تكرر على نحو أو آخر في مبادرات عديدة سابقة، إلا أن تلك المآخذ وسواها لا تقلل من أهمية صدورها عن الصين في هذه المرحلة بالذات، حين تلوح في آفاق الدبلوماسية الدولية بوادر منافسة متصاعدة بين الصين والولايات المتحدة حول مسائل سياسية واقتصادية وأمنية تزداد تشابكاً كل يوم. ومن نافل القول إن تعدد المبادرات حول القضية الفلسطينية يخفف من هيمنة الولايات المتحدة على حلول منحازة تماماً للجانب الإسرائيلي، خاصة في ضوء قرارات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومشروع ما يسمى «صفقة القرن».
كذلك فإن الاقتراب الصيني من القضية الفلسطينية يأتي في سياق متضافر مع انفتاح مماثل على الشؤون الأفريقية والآسيوية، تجلى مؤخراً في جولات وانغ يي على خمس دول أفريقية، وعلى أندونيسيا وبروناي وميانمار والفلبين. ومن الواضح أن الصين تشن ما يشبه الهجوم الدبلوماسي المعاكس الذي لا يكتفي باختراق صفوف الدول الحليفة للولايات المتحدة، بل يسعى أيضاً إلى استمالة الدول المتنازعة مع واشنطن في هذه القضية أو تلك، بالإضافة إلى تشكيل نوع من القطبية الثنائية مع روسيا في وجه الولايات المتحدة.
وفي الماضي القريب كانت سياسات الصين في المنطقة تتفادى الاصطدام المباشر مع السياسات الأمريكية أو حتى الأوروبية إجمالاً، كما كانت تدير علاقاتها مع المنطقة على مستويات جماعية في إطار الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي مثلاً. أما النقلة الجديدة فهي إدارة العلاقات على مستويات ثنائية مع الدول المنفردة أيضاً وبصرف النظر عن صراعاتها البينية، أو طبيعة ارتباطاتها بالسياسات الأمريكية.
لم يكن غريباً أن يعلن وزير الخارجية الفلسطيني ترحيبه بالمبادرة الصينية واستعداد السلطة الوطنية الفلسطينية لإنجاحها، رغم أن رد الفعل الإسرائيلي كان منعدماً، وليس من المرجح أن تلقى المبادرة آذاناً صاغية من المسؤولين الإسرائيليين خاصة في الظروف السياسية والانتخابية الراهنة التي تعيشها دولة الاحتلال. كذلك فإن سعي الصين إلى الجمع بين التناقضات، من نوع زيارة الرياض وطهران مثلاً، أو الاستمرار في تأييد نظام بشار الأسد، أو اضطهاد أقلية الإيغور المسلمة في شينجيانغ، لن يسفر بالضرورة عن حصيلة ملموسة أو مرضية.
القدس العربي