تسعى بروكسل لحوارات رفيعة المستوى مع تركيا، بعد سنوات من التعثر في خلق تعاون مستدام، وتندرج زيارة رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، اليوم الثلاثاء لأنقرة، للقاء الرئيس رجب طيب أردوغان، ضمن تلك الجهود، لأجل التدوال بشأن زيادة آفاق التعاون بين الجانبين، خاصة الجوانب الاقتصادية والتجارية، إضافة إلى الملف الأمني والهجرة.
ومع عزم الثنائي القيادي الأوروبي معرفة مدى اهتمام أنقرة بـ”الحوار البناء”، ذكرت تقارير أنه في بروكسل جرى التأكيد على أن الزيارة لا ينبغي أن تعمل على التفاوض مع أردوغان، وبدلا من ذلك يريد المسؤولان أن يخوضا بالشرح مع الرئيس التركي خريطة الطريق لتحسين محتمل في العلاقات، والتي تم تحديدها في آخر قمة فيديو للاتحاد الأوروبي نهاية مارس/ آذار.
وحسب إعلان القمة، فإن الاتحاد وافق على “تعميق التعاون مع أنقرة في عملية متدرجة”، وبالتالي عدم استهداف تركيا قبل يونيو/ حزيران المقبل، إذ أفادت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعد القمة، بأنه “يتعين على المرء أن ينظر ويرى كيف يتطور الانفراج في شرق البحر المتوسط”.
وطالب الزعماء الأوروبيون في القمة المفوضية الأوروبية بتقديم مقترحات جديدة لمزيد من المساعدات المالية لأنقرة، في إشارة إلى أن أوروبا تريد الاستجابة لبعض مطالب أردوغان، وسط الخشية من ارتماء تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في أحضان روسيا والصين.
لجوء واغتراب
الاتحاد الأوروبي يدعو تركيا إلى قبول مهاجرين أعادتهم اليونان
في المقابل، برزت مواقف أوروبية تخالف هذا التوجه، إذ إن عددا من دول الأوروبية غير مقتنعة بأن الترقب سيخفف من التوترات مع أنقرة.
وعلى عكس الحكومة الألمانية، تصرّ مثلا اليونان وقبرص وفرنسا على اتخاذ أشد المواقف الممكنة ضد تركيا، علما أن الإجراءات العقابية الأوروبية التي صدرت عام 2019، على خلفية تحركات الاستكشاف عن الغاز الطبيعي المثيرة للجدل قبالة قبرص، شملت في ذلك الوقت خفض أموال الاتحاد الأوروبي والتعليق المؤقت للمحادثات الرفيعة المستوى بشأن القضايا التجارية.
وفي السياق، حذر مانفريد فيبر، رئيس كتلة حزب الشعب الأوروبي، والسياسي المنتمي إلى الحزب الاجتماعي المسيحي في ألمانيا، الشقيق الأصغر لحزب ميركل، في حديث لـ”تاغس شبيغل”، من التسرع في استيعاب أنقرة لتوسيع الاتحاد الجمركي وتسهيل السفر على المواطنين الأتراك، مشددا على أنه “ما زال الوقت مبكرا للحديث عن تسهيل التأشيرات وتوسيع الاتحاد الجمركي”، من دون أن يغفل الإشارة إلى أنه “أمر جيد إجراء محادثات مع أردوغان، ولكن يجب على القيادة التركية أن تتقدم أولا”.
على عكس ألمانيا، تصرّ مثلا اليونان وقبرص وفرنسا على اتخاذ أشد المواقف الممكنة ضد تركيا، علما أن الإجراءات العقابية الأوروبية التي صدرت عام 2019 شملت في ذلك الوقت خفض أموال الاتحاد الأوروبي والتعليق المؤقت للمحادثات الرفيعة المستوى بشأن القضايا التجارية
وأبرز فيبر أن “التبسيط المحتمل للحصول على التأشيرة للمواطنين الأتراك مرتبط بشروط أوروبية واضحة، تشمل حرية الإعلام وحماية الحقوق الأساسية”. وتابع: “نتوقع أن يستوفي قانون مكافحة الإرهاب في تركيا المعايير التي تحمي الحريات وحقوق الإنسان”، مشددا على أنه “بعد أزمة الغاز مع تركيا في شرق المتوسط، هناك حاجة لمرحلة أطول لإعادة بناء الثقة”.
وبحسب رأي فيبر، “الآن هو الوقت المناسب للاتحاد الأوروبي لوقف عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي”، مضيفا أن “انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وهم”، وموضحا: “فقط إذا قام الطرفان بالتعامل بصدق يمكنهما تطوير علاقات جيدة”.وأبرزت “تاغس شبيغل” أنه قبل الزيارة التي يقوم بها ميشيل وفون ديرلاين، جرى اعتقال السياسي عمر فاروق غرغرلي أوغلو بعد سحب تفويضه البرلماني، وهو الذي سلط الضوء علىى انتهاكات حقوق الإنسان، إلى جانب حملة اعتقالات بحق عشرة أدميرالات متقاعدين كانوا قد أعربوا عن قلقهم بشأن الخطط الحكومية المحتملة لإنهاء اتفاقية مونترو، التي تنظم حقوق الملاحة الدولية في مضيق البوسفور، واتهامهم بمحاولة التخريب.
وفي السياق، أشارت “زود دويتشه تسايتونغ” إلى أن بروكسل حددت أيضا المصالح المختلفة في النزاعات الإقليمية، خاصة في ليبيا وسورية، واللتين تعتبران من أكبر أربع مناطق للصراع بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
وكان شارل ميشيل قد زار ليبيا أخيرا، حيث شدد أمام القيادة الجديدة والشعب الليبي أن الوصول إلى “ليبيا مستقرة وموحدة وذات سيادة وازدهار لا يتوقف على وقف إطلاق النار وحسب، وإنما سيتعين على المقاتلين والجنود الأجانب مغادرة البلاد”، وهذا لا يستهدف الإمارات وروسيا فقط، إنما يشمل أنقرة، التي تدخلت في الصراع الليبي بدعم الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس عام 2019، وتوسع منذ ذلك الوقت نفوذها هناك.
شادي عكوم
العربي الجديد