دفع تساوي عدد أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلس الشيوخ -بـ50 عضوا لكل منهما- إلى بروز أهمية صوت نائبة الرئيس كامالا هاريس التي يحق لها التصويت بمجلس الشيوخ لترجيح أحد الجانبين، وذلك في حال تعادل أصواتهما.
واعتبر الكثير من المعلقين الديمقراطيين أن الأغلبية آلت إليهم في مجلس الشيوخ بأعضائهم الـ50، إضافة لصوت نائبة الرئيس، إلا أنه في الواقع والتطبيق العملي قد لا تكون هناك حاجة لصوت كامالا هاريس، حيث أن تصويت جو مانشين -السيناتور الديمقراطي من ولاية فيرجينيا الغربية- لصالح الديمقراطيين يُعد أمرا لا يمكن التعويل عليه.
ولا يُعد جو مانشين سياسيا ديمقراطيا تقليديا، فهو يصف نفسه بأنه “ديمقراطي محافظ معتدل”، وغالبا ما يُستشهد به على أنه أكثر الديمقراطيين تحفظا في مجلس الشيوخ.
مسيرة ونجاح
في أحد أكثر الولايات الجمهورية محافظة، استطاع جو مانشين -وهو السياسي المخضرم صاحب الـ73 عاما- الارتقاء بمساره السياسي على مدار أكثر من 20 عاما، ليصبح الديمقراطي الوحيد بين ممثلي الولاية في الكونغرس.
ويمثل الولاية 3 أعضاء -كلهم جمهوريون- في مجلس النواب، وسيناتورة جمهورية، إضافة لمانشين بمجلس الشيوخ. كما يسيطر الجمهوريون على كل المناصب السياسية في الولاية من سكرتير الولاية لحاكمها، إضافة لمُشرّعيها المحليين.
ورغم تحول ولاية فرجينيا الغربية لتصبح واحدة من أكثر الولايات الجمهورية في البلاد، استمر مانشين بالنجاح في كل الانتخابات التي خاضها منذ عام 2000 عندما ظفر بمنصب سكرتير الولاية، قبل أن يفوز عام 2004 بمنصب حاكم الولاية بفارق كبير.
ثم أعيد انتخابه بفارق أكبر في عام 2008 لنفس المنصب، وبالمقابل صوتت الولاية بكثافة للمرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة.
ثم فاز مانشين في انتخابات عام 2012 لمقعد مجلس الشيوخ، وحصل على نسبة 61٪ من الأصوات، ثم أعيد انتخابه في عام 2018 بنسبة تقل قليلا عن 50٪ من الأصوات، لكنها تزيد عما حصل عليه منافسه الجمهوري، وذلك بسبب اتساع الاستقطاب الحزبي.
وللتدليل على أن الولاية تعتبر جمهورية، فقد فاز دونالد ترامب بأصوات الولاية في انتخابات 2016 بحصوله على 68% من الأصوات مقابل 28% لصالح هيلاري كلينتون، ثم كرر ترامب الفوز بها في انتخابات 2020 وحصل على 69% من الأصوات، في حين حصل جو بايدن على أصوات 30% فقط من ناخبي الولاي
معارضة قوية
وبسبب طبيعته الشخصية وطبيعة ولايته المحافظة، يتمتع السيناتور مانشين بموقع فريد خوّله أن يعارض الكثير من سياسات بايدن الاقتصادية والاجتماعية، مثل رفع الضرائب أو ما يتعلق بالتغيرات المناخية والبيئية، واستغلال مصادر الطاقة التقليدية.
وبوصفه عضوا في الكونغرس، يُعرف مانشين بدعمه للحزبين الجمهوري والديمقراطي، وذلك طبقا لطبيعة القضايا المثارة.
ولصالح أجندة الحزب الجمهوري، صوّت مانشين ضد قضايا تُسهل من حق الإجهاض ومع حق امتلاك الأسلحة النارية.
وفي المقابل عارض مانشين سياسات الطاقة التي اتبعها الرئيس السابق باراك أوباما وينادي بها حاليا الرئيس جو بايدن، وصوّت ضد السماح للمثليين جنسيا بالانضمام للجيش الأميركي وعلى إلغاء التمويل الاتحادي لبرامج تنظيم الأسرة في عام 2015.
كما أيد سياسات الهجرة التي انتهجها الرئيس السابق دونالد ترامب وصوت لتأكيد معظم اختيارات ترامب من القضاة المعيين في المحاكم الفدرالية، بما فيهم قاضي المحكمة الدستورية العليا بريت كافانو الذي ارتبط به تاريخ من التجاوزات الجنسية.
وفي الوقت ذاته صوّت مانشين مرارا وتكرارا ضد محاولات الجمهوريين إلغاء قانون الرعايا الصحية المعروف باسم الرئيس أوباما (أوباما كير)، وصوّت ضد قانون التخفيضات الضريبية لعام 2017.
وهو يعارض صراحة مقترحات الجناح التقدمي بالحزب الديمقراطي، بما في ذلك مقترحات الرعاية الطبية للجميع، وإلغاء “حق التعطيل” (Filibuster) داخل مجلس الشيوخ، وزيادة عدد القضاة في المحكمة العليا، وزيادة الحد الأدنى للأجور الاتحادية لتصل إلى 15 دولارا في الساعة.
كما يعارض مانشين محاولات إلغاء أو تخفيض تمويل الشرطة، وقد دعا كثيرا إلى انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان وعارض التدخلات العسكري في العراق وسوريا، وهي مواقف يقترب فيها بشدة من الخط العام للحزب الجمهوري.
الميزانية الاستثنائية
من جانب آخر، تعول إدارة بايدن على قرار إجرائي اتخذته المراجعة القانونية بالكونغرس ويتعلق بإمكانية تمرير قرار جديد من مجلس الشيوخ يسمح للديمقراطيين بتضمين المزيد من برامج الرئيس بايدن ضمن برامج “الميزانية الاستثنائية” (Budget Reconciliation).
ويعتبر الديمقراطيون أن هذه الآلية تسمح لهم بتحريك أجندتهم بأغلبية بسيطة، وليس أغلبية 60 صوتا بالمجلس.
ويعد هذا موضوعا شديد الأهمية، وخاصة مع طرح الرئيس بايدن تصوره لإعادة تطوير البنية التحتية الأميركية بمخصصات تقدر بأكثر من 2.25 تريليون دولار.
وقد رفض السيناتور مانشين رؤية بايدن الداعية إلى تمويل تطوير البنية التحتية عن طريق زيادة معدل ضريبة الشركات من 21٪ إلى 28٪.
ويقول مانشين إنه سيؤيد سد الثغرات الضريبية التي تعود بالفائدة على الأثرياء، ويمكن أن يدعم زيادة ضرائب الشركات لتصل إلى 25٪، وهو ما يقال إنه المتوسط العالمي.
ويرى مانشين أن رفع الضرائب على قطاع الأعمال لتصل لنسبة 28٪ يعد غير واقعي للغاية، ويمكن أن تضر بالقدرة التنافسية الأميركية.
واقترح أن يتم دفع ثمن الحزمة من خلال زيادة معدل الشركات إلى 25٪ وإغلاق الثغرات الضريبية التي يستخدمها الأميركيون الأثرياء والشركات لتفادي الضرائب.
دعم المهاجرين
وخلال الأسابيع الأخيرة صوت مانشين ضد تقديم الدعم المالي بسبب تداعيات فيروس كوفيد-19 للمهاجرين غير الشرعيين.
كما أعلن معارضته لزيادة الحد الأدنى من الأجور من 7.25 دولارات إلى 15 دولارا في الساعة لمستوى الأجور على المستوى الفدرالي، لكنه قال إنه منفتح على زيادة أصغر، ربما إلى 11 دولارا.
وعارض زيادة الحد الأدنى للأجور كجزء من قانون خطة الإنقاذ الأميركية لعام 2021، وأجبر الديمقراطيين على الحد من استحقاقات البطالة الموسعة في نفس مشروع القانون.
وهكذا يبقى عدم ضمان الديمقراطيين لطبيعة واتجاه تصويت السيناتور مانشين عائقا كبيرا أمام تحقيق أهداف الرئيس بايدن التشريعية.
وفي مواجهة المعارضة الجمهورية الموحدة المتوقعة لسياسات بايدن، يتطلع الديمقراطيون إلى تصويت مانشين وصوت كل سيناتور ديمقراطي آخر لجانبهم، من أجل الوصول إلى تعادل الـ50 صوتا ثم الترجيح عن طريق تصويت نائبة الرئيس.
المصدر : الجزيرة