قاآني في بغداد لتوحيد الميليشيات حول الانتخابات واستهداف الوجود الأميركي

قاآني في بغداد لتوحيد الميليشيات حول الانتخابات واستهداف الوجود الأميركي

 

بغداد – تضاعف إيران من مساعيها لضمان استمرار تحكمها بالمشهد العراقي، وهو ما تفسره الزيارة غير المعلنة لقائد فيلق القدس في الحرس الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد بالتزامن مع الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن.

وأجرى قاآني لقاءات مع قياديي الميليشيات بشأن توحيد صفوفها قبل إجراء الانتخابات، وتنسيق خطتها في استهداف الوجود الأميركي ودفع واشنطن إلى سحب قواتها وممارسة ضغوط على رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لوقف التقارب مع واشنطن والانفتاح على المحيط العرب

وقالت مصادر عراقية مطلعة إن زيارة خليفة قاسم سليماني التي أعلن عنها بعد انتهائها الثلاثاء تظهر أن طهران لم تعد تثق في الميليشيات الحليفة خاصة مع توسّع دائرة الغضب الشعبي على أنشطتها. كما أن نفوذ إيران في العراق قد تراجع بعد مقتل سليماني، وأن خطط قاآني لم تنجح في التغطية على خسارة سليماني بسبب عدم امتلاكه نفس نفوذ سليماني على الميليشيات، فضلا عن كونه محدود التأثير.

وأشار مصدر برلماني عراقي إلى أن قاآني غير سليماني، فهو لا يملك السلطة ولا النفوذ اللذين كان سلفه يملكهما. كما أنه لا يملك التاريخ الشخصي الذي يؤهله لفرض قراراته، غير أن الميليشيات لا تملك سوى الانصياع ولو مظهريا لأوامره.

وشدد المصدر في تصريح لـ”العرب” على أن زعيم فيلق القدس قد وضع الميليشيات الولائية، وهي التي لا تملك حضورا سياسيا في الدولة، في مواجهة واجباتها في الضغط على الولايات المتحدة والحكومة العراقية من خلال استمرارها في إزعاج الطرفين من أجل تليين الموقف الأميركي في مفاوضات فيينا بشأن الملف النووي.

ويقول مراقبون إن إيران قد لا تكون بصدد تغيير سياساتها في العراق غير أنها صارت على يقين من أنها لا تملك الكثير من الأوراق لتلعبها مع الأميركيين على الساحة العراقية، لافتين إلى أن الانتخابات القادمة لن تكون كسابقاتها كما أن الخلاف الشيعي – الشيعي على أشده بسبب ما أحدثته الاحتجاجات التي عمّت المدن ذات الأغلبية الشيعية من تصدع في بنية النظام.

وقال المدوّن العراقي صالح الحمداني في تصريح لـ”العرب” إن “الإيرانيين يريدون أن يكون الحوار مع واشنطن مقتصرا على الإسراع بإخراج القوات الأميركية من العراق، فيما يعرف الجميع بمن فيهم أصدقاء إيران في العراق أنها مازالت مفيدة للقوات العراقية في محاربتها لداعش وحفاظها على أمن البلاد عموما”.

ويستبعد مراقبون أن تمسك الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران بكل الخيوط في مواجهة الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن الذي بدأ الأربعاء.

ويميل الأكراد إلى الإبقاء على القوات الأميركية لغرض حمايتهم من تغول ميليشيات الحشد الشعبي.

ويضم وفد الحكومة العراقية في الحوار مع واشنطن فريقا يمثل حكومة كردستان برئاسة فوزي حريري رئيس ديوان إقليم كردستان.

وتضغط الميليشيات على الكاظمي من خلال حملات منظمة، سياسية وإعلامية، لإجباره على التوقف عن التقدم في المفاوضات مع الأميركيين والاحتماء بهم، فضلا عن معارضة تقاربه الأخير مع الخليجيين بعد زيارته إلى الرياض وأبوظبي.

وأكد الكاظمي قبيل الحوار الذي انطلق الأربعاء أن “لدينا مهامّ أساسية تتمثل في حماية الدولة وتحصينها، عبر تقوية المؤسسات الدستورية وإعادة بنائها، وفي مقدمتها الجيش العراقي وباقي أجهزتنا الأمنية”.

وأضاف أن “علاقات العراق الإقليمية والدولية المتميزة تدعم توجه حماية الدول”.

وباتت الهجمات ضدّ جنود ودبلوماسيين ومتعاقدين مع القوات الأميركية أو توجيه الإهانات للكاظمي والقيام باستعراضات عسكرية من جانب موالين لإيران يتهمونه بأنه يخدم واشنطن، أمراً شبه يومي في العراق.

وتطالب الميليشيات الموالية لإيران والسياسيين الذين يمثّلونها بطرد 2500 جندي أميركي موجودين في العراق، معتمدين في مطلبهم على قرار برلماني تمّ التصويت عليه في عام 2020 ولم ينفّذ بعد، وينص على انسحاب القوات الأجنبية من الأراضي العراقية. وشنت الميليشيات الولائية حملة على رئيس الحكومة مطالبة إياه بفتح معبر الشلامجة بين العراق وإيران بعد إغلاقه بسبب استخدامه في تهريب المخدرات والأسلحة.

وأكد الحمداني على أهمية المنافذ الحدودية لإيران مع العراق لأنها تشكل رئة لتنفس الاقتصاد الإيراني المكبل بالعقوبات. وعبّر عن اعتقاده أنها كانت جزءا من مباحثات قاآني مع المسؤولين العراقيين.

ويشكّل الحوار الاستراتيجي الذي انطلق الأربعاء مع الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن اختبار توازن جديدا للكاظمي.

وقبل هذه المحطّة استقبل الكاظمي وزيري الخارجية المصري والأردني وزار الإمارات والسعودية، الحلفاء الأساسيين التقليديين لواشنطن في الشرق الأوسط.

ويقول المحلل السياسي إحسان الشمري إن كلّ ذلك يعتبر “رسالة إلى إيران بأن العراق لديه الحق باتخاذ مسار آخر في علاقاته الخارجية بما في ذلك اعتماده على محيطه العربي، إذ لا يمكن للعراق أن يكون أحادي العلاقة كما تريد إيران وحلفاؤها”.

ويرى مسؤولون غربيون وعراقيون أن الكاظمي يريد من الحوار مع واشنطن جدولاً زمنياً للانسحاب. بهذا، يضمن دعماً عسكرياً غربياً ضد داعش وخاصة ضد نفوذ إيران.

في الأثناء، وحتى قبل بدء المحادثات، أعرب جعفر الحسيني المتحدث باسم كتائب حزب الله إحدى الميليشيات الأكثر تشددا عن رفضه لهذا الحوار.

وقال الحسيني “لا قيمة للمفاوضات كون الشعب العراقي حسم قراره بإنهاء الاحتلال الأميركي”، مضيفا “المقاومة العراقية مستمرة بالضغط على أميركا”.

ويرى عسكريون أميركيون وعراقيون أنه مع تراجع الخطر الجهادي في العراق إلى مجرد خلايا سرية في الجبال والصحارى، بات مصدر التهديد الفصائل الموالية لإيران، مشيرين إلى الهجمات المتكررة بصواريخ أو عبوات ناسفة تستهدف مواكب دعم لوجستي للتحالف الدولي، وإلى تبنّي هذه الفصائل أحياناً هجمات خارج الأراضي العراقية.

وحاول الكاظمي الأسبوع الماضي خلال زيارته إلى الرياض طمأنة السعوديين بشأن استهداف أمنهم القومي من بوابة العراق قائلاً “لن نسمح بأيّ اعتداء على المملكة”.

ففي يناير تحطّمت طائرات مسيّرة مفخّخة في القصر الملكي الرئيسي في الرياض، في هجوم نقلت وسائل إعلام في الولايات المتّحدة عن مسؤولين أميركيين قولهم إنّ الطائرات التي شنّته أُطلقت من العراق المجاور.

وفي بغداد تبنى فصيل غير معروف هو واجهة لفصائل معروفة موالية لإيران، بحسب محللين، ذاك الهجوم. إلا أن الكاظمي أكد من الرياض أنه “لم تكن هناك أيّ اعتداءات” على الرياض من العراق.

العرب