واشنطن – أنقرة – أفشلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن رهانات تركيا على تهدئة محتملة مع واشنطن ووضعتها في مرمى ضغوطها من خلال إخراجها رسميا من مشروع لإنتاج مقاتلات أف – 35، ووسط توقعات بأن يتضمن بيان سيلقيه بايدن السبت اعترافا أميركيا رسميا بمسؤولية الأتراك التاريخية عن مذابح الأرمن، وهي الخطوة التي من المرجح أن تثير حنق تركيا وتفاقم توتر العلاقات بين الدولتين.
وأعلن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن بلاده أخطرت تركيا بإخراجها رسميا من برنامج إنتاج مقاتلات أف – 35.
ونقلت وكالة الأناضول التركية الرسمية عن المسؤول أن الإخطار يشير إلى فسخ مذكرة التفاهم المشتركة المفتوحة لتوقيع المشاركين بالبرنامج في 2006، والتي وقعت عليها تركيا في السادس والعشرين من يناير 2007، وعدم ضم تركيا لمذكرة التفاهم الجديدة.
وقال المسؤول إنّ مذكرة 2006 تم تحديثها مع الشركاء الثمانية المتبقين ولم يتم ضم مشاركين جدد إلى البرنامج.
وكانت أنقرة قد طلبت أكثر من 100 طائرة شبح وتقوم بصنع أجزاء منها، لكن تم حذفها من البرنامج في العام 2019 بعد أن اشترت منظومة الدفاع الصاروخي الروسية أس – 400، والتي تقول واشنطن إنها تهدد مقاتلات أف – 35.
وفي يوليو 2019 علقت الولايات المتحدة شراكة تركيا في المشروع بسبب تسلمها منظومة الدفاع الصاروخي الروسية أس – 400.
واعتبر مراقبون أن إدارة بايدن أظهرت جديتها في التعامل مع تركيا التي تريد أن تكون في الحلف الأطلسي وفي نفس الوقت حليفا لروسيا، وهي رسالة ضغط ليفهم الأتراك أن الإدارة الجديدة في البيت الأبيض غير سابقتها، وأن أنقرة ستكون مجبرة على إعادة تقييم سياستها في اللعب على الحبال بالرهان على تعاون عسكري استراتيجي مع موسكو وواشنطن في نفس الوقت.
وأشار المراقبون إلى أن طرد أنقرة من مشروع المقاتلات الأكثر تطورا والاعتراف برواية مذابح الأرمن خطوتان بمثابة تحد شخصي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان المحاصر بالأزمات، والذي لا يقدر على تصعيد جديد.
وتعهد أردوغان بمواصلة الدفاع عن الحقائق ضد من يقفون لأسباب سياسية وراء الافتراءات وأكذوبة “الإبادة الأرمنية” في إشارة إلى قرار الرئيس الأميركي المزمع إعلانه يوم السبت.
ومن شأن قرار واشنطن بإخراج أنقرة من مشروع أف – 35 أن يدفعها أكثر نحو روسيا ويزيد من توتير علاقتها بالناتو خاصة مع التوترات في علاقتها ببلدان أعضاء على خلفية ملفات أخرى سواء في شرق المتوسط أو ليبيا.
وسبق لأنتوني بلينكن، عندما كان لا يزال مرشحا لمنصب وزير الخارجية، أن وصف أنقرة بأنها “شريك استراتيجي مزعوم” وأشار إلى إمكانية فرض المزيد من العقوبات عليها لشرائها منظومة الصواريخ الروسية.
وقال إن “فكرة أن يكون ما يسمى بشريك استراتيجي لنا على وفاق مع أحد كبار منافسينا الاستراتيجيين في روسيا غير مقبولة”.
ويتزامن الموقف الأميركي الحاسم تجاه استنجاد تركيا بمنظومة أس – 400، مع تصعيد جديد، ولكن بعيدا عن مسألة التحالفات العسكرية، ويتعلق باعتزام بايدن الاعتراف بأن مذبحة الأرمن على أيدي الإمبراطورية العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى كانت عملا من أعمال الإبادة الجماعية.
وقالت ثلاثة مصادر مطلعة على الأمر إن من المرجح أن يستخدم بايدن عبارة “إبادة جماعية” في بيان يوم الرابع والعشرين من أبريل عندما تُنظم فعاليات سنوية لإحياء ذكرى الضحايا في مختلف أنحاء العالم.
وقال مصدر على دراية بالأمر “ما فهمته هو أنه اتخذ القرار وسيستخدم عبارة إبادة جماعية في بيانه يوم السبت”. لكن المصادر حذرت من أن بايدن قد يؤثر في اللحظة الأخيرة عدم استخدام هذا التعبير في ضوء أهمية العلاقات الثنائية مع تركيا.
وأشارت جين ساكي، السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، للصحافيين يوم الأربعاء إلى أن البيت الأبيض سيكون لديه “المزيد ليقوله” حول هذه القضية يوم السبت على الأرجح لكنها أحجمت عن الإسهاب في التفاصيل.
وقال وزير خارجية أرمينيا آرا إيفازيان إن “اعتراف الولايات المتحدة سيكون منارة أخلاقية للعديد من البلدان”.
وأضاف “هذا لا يتعلق بأرمينيا وتركيا هذا يتعلق بالتزامنا بالاعتراف بالإبادة الجماعية في الماضي والحاضر والمستقبل وإدانتها”.
واعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن من شأن أيّ تحرك من قبل بايدن لوصف أعمال القتل بالإبادة الجماعية أن يلحق ضررا أكبر بالعلاقات المتوترة بالفعل بين الدولتين العضوين في حلف شمال الأطلسي.
وكان بايدن قد أحيا قبل عام، عندما كان لا يزال مرشحا رئاسيا، ذكرى 1.5 مليون من الرجال والنساء والأطفال الأرمن الذي فقدوا أرواحهم في الأيام الأخيرة للإمبراطورية العثمانية.
وقال إنه سيدعم مساعي وصف عمليات القتل تلك بالإبادة الجماعية.
وذكرت صحيفتا “نيويورك تايمز” و”وول ستريت جورنال” أنه من المقرر أن يعلن بايدن تصنيف المجازر “إبادة جماعية” السبت في الذكرى الـ106 لعمليات القتل الجماعي التي بدأت عام 1915 عندما كانت الإمبراطورية العثمانية تقاتل روسيا القيصرية خلال الحرب العالمية الأولى في المنطقة التي هي الآن أرمينيا.
وكان أكثر من 100 عضو في الكونغرس على رأسهم آدم شيف الرئيس الديمقراطي للجنة المخابرات في مجلس النواب قد بعثوا برسالة إلى بايدن يحضونه فيها على الوفاء بتعهده بالاعتراف بالإبادة خلال حملته الانتخابية.
وقالت الرسالة “على مدى عقود بينما يعترف القادة في جميع أنحاء العالم بأول إبادة جماعية في القرن العشرين حافظ رئيس الولايات المتحدة على صمته”.
وأضافت “سيدي الرئيس، كما قلت العام الماضي في بيانك الصادر في الرابع والعشرين من أبريل إن الصمت هو تواطؤ. والصمت المخزي لحكومة الولايات المتحدة بشأن الحقيقة التاريخية للإبادة الجماعية للأرمن استمر مدة طويلة جدا ويجب أن ينتهي”.
وسبق أن اعترف الكونغرس الأميركي رسميا بالمجازر على أنها إبادة جماعية في ديسمبر 2019 في تصويت رمزي.
وقال إيان بريمر مؤسس شركة أوراسيا جروب للبحوث والاستشارات إن “خطوة بايدن المتوقعة تعكس تدهور العلاقة بين البلدين لكن رد أردوغان عليها سيكون محدودا على الأرجح”.
وأضاف “من المستبعد أن يستفز أردوغان الولايات المتحدة بتصرفات قد تفاقم تقويض اقتصاد تركيا الضعيف”.
العرب