وصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى بغداد تسبقه فضيحة أزعجته كثيرا لتسريب صوتي يتهم فيه قاسم سليماني بالتدخل في شؤون وزارته، وفي التسريب من الجرأة ما لم تعهده السياسة الإيرانية من قبل. وإن كان ظريف قد هدد بتقديم استقالته قبل خمس أعوام حينما اشتكى من تدخل قيادات من الحرس الثوري في شؤون وزارة الخارجية فيما يتعلق بالعلاقة الإيرانية – السورية والتنسيق مع الرئاسة السورية دون علمه، واختفى عن المشهد السياسي ثم عاد بعد تدخل المرشد علي خامنئي بشكل مباشر، وبعد توبيخ بعض القادة الذين دفعوا ظريف لخيار الاستقالة من منصبه.
لكن ظريف هذه المرة أشار بأصابع الاتهام إلى قاسم سليماني متهما إياه بأنه حوّل وزارة الخارجية الإيرانية إلى وزارة أمنية في الغالب، وأن الأخير كان يضغط عام 2015، بالتنسيق مع روسيا، لإفشال أيّ اتفاق لإيران مع الغرب فيما يتعلق بمفاوضات 5+1، حيث كان يتدخل في عمله كوزير للخارجية ويأمره بتقديم التنازل في مسألة ما أو إثارة نقطة أو التحفظ على أخرى .
في التسريب الصوتي يقول ظريف إن “النجاح على الساحة العسكرية في إيران أهم من أيّ نجاح دبلوماسي”.
هذه التصريحات أثارت حنق قادة إيران الثورة من الحرس الثوري، وغيرهم من قوات المتطوعين، وطالب البعض بمعاقبة ظريف، في مسعى كشف عن خصام عميق بين إيران الثورة وإيران الدولة، حيث يمثل ظريف إيران الدولة التي تحرص على تأسيس علاقات غير عقائدية مع دول العالم، فيما يصرّ قادة إيران الثورة على ما يسمّونه تصدير الثورة وتأسيس العمق الأمني العقائدي للجمهورية الإسلامية في إيران.
بعد ساعات قليلة من التسريب الصوتي وصل ظريف إلى بغداد فلم يجالسه العراقيون الإيرانيون الذين ينتمون إلى إيران الثورة ويستلمون أوامرهم من قادتها، لا يكترثون بممثلي إيران الدولة، ربما لأنهم لم يطلعوا على تعليمات بخصوص إجراء أيّ لقاء مع ظريف، أو ربما لأنهم تبنوا موقف من يعطيهم الأوامر من طهران. فما كان من ظريف إلا أن يسترضي من يناصبه العداء من الإيرانيين في طهران، وكان ذلك من خلال إجراء لقاء مع شخص كان متهما من قبل العراقيين الإيرانيين بدعم الإرهاب في العراق وتأسيس علاقات مشبوهة مع دول خليجية، يستلم منها المال لتمويل عمليات القتل الطائفي الممنهج في العراق واستمرارها.
التقى ظريف بخميس الخنجر، الذي غرّد قائلا أنه ناقش مع ظريف قضية عودة عراقيين إلى منطقة جرف الصخر. والقاصي يعرف قبل الداني أن ظريف لا يمتلك صلاحية اتخاذ أيّ قرار حول قضية جرف الصخر، فهو ملف تحت يد قادة إيران الثورة وهم يخططون ويأمرون العراقيين الإيرانيين بخطوات التصرف حسب مراحل المواجهة مع من تنتقيهم إيران كأعداء لها.
والمثير أنه وبعد ساعة من لقاء ظريف – الخنجر جمع فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقيين الإيرانيين في قاعة واحدة ليلتقي بهم زائر التسريب الذي اشتبهت بوصلته بين طريق الدولة والثورة.
قادة إيران الثورة أساؤوا أيّما إساءة لرجالهم في العراق، وجعلوا منهم صغارا أمام قواعدهم الجماهيرية، وهذا يشير وبشكل جلي إلى أن الذي يترك خيار السيادة ويستورد أوامره من خارج وطنه يسقط في وحل الذل في لحظة ما، وليس بالأمر البعيد ما مرّ به قادة الإخوان المسلمين وقنواتهم التلفزيونية المعارضة لحكومة عبدالفتاح السيسي حين أغلقت تركيا 14 قناة في وقت وبقرار واحد، وأمرتهم ألاّ يتفوهوا ببنت شفة على الحكومة المصرية، لأن تركيا لديها مشروع تقارب مع مصر بعد الاتفاق الأممي لترتيب الأوضاع في ليبيا .
ومن بغداد أراد ظريف أن يرسل رسالة استرضاء إلى من يهدده في طهران، فاستعان بدبلوماسية ثورية مرحلية مفادها التقارب القطري الإيراني وتنسيق المواقف في العراق والمنطقة، وليس هناك من لاعب مشترك سوى خميس الخنجر، لكنه أذلّ رجال إيران في العراق، وجعل منهم دمى تحركها المواقف ومزاج قادة لا يحسبون العراق جارا بل ميدان تصفية للحسابات ليس إلاّ.
محمد السيد محسن
صحيفة العرب