كشفت مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة على مشاورات التهدئة وعودة العلاقات بين مصر وتركيا أنّه جرى الاتفاق بشكل نهائي على توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين. وقالت المصادر، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن الوفد التركي الذي وصل إلى القاهرة الأربعاء الماضي، في زيارة استمرت ليومين، برئاسة نائب وزير الخارجية سادات أونال، كان يضم المسؤول عن ملف ترسيم الحدود البحرية في الخارجية التركية، مضيفة أنه تم الاتفاق على بدء المفاوضات الخاصة بالترسيم، خلال شهر يونيو/ حزيران المقبل، على أن يكون توقيع الاتفاق النهائي قبل نهاية العام الحالي.
وبحسب المصادر، فقد أبلغت القاهرة الجانب التركي “بشرط مصري لإتمام الاتفاق، وهو عدم اشتماله على مجموعة الجزر اليونانية المتنازع عليها بين أثينا وأنقرة”، مضيفةً أن “مسؤولاً مصرياً رفيع المستوى سبق أن أكد للأتراك أن القاهرة تفادت تلك الجزر المتنازع عليها خلال توقيع اتفاق ترسيم الحدود مع اليونان، لكون السياسة المصرية تنأى بنفسها بعيداً عن المنازعات الثنائية بين الدول، وأن مصر فضلت خوض مفاوضات طويلة وشاقة مع اليونان قبل توقيع الاتفاق لتفادي ملف الجزر”. وأوضحت المصادر أنه “في البداية كان الأتراك متمسكين بضرورة دخول تلك الجزر ضمن الاتفاق الذي من المقرر الشروع فيه لاحقاً، وهو ما ساهم بشكل كبير في تسريع وتيرة الاستجابة التركية للمطالب المصرية الخاصة بملف القنوات المعارضة التي تبث من إسطنبول، قبل أن تعود لتبدي تفهماً للشرط المصري”.
اشترطت مصر عدم اشتمال الاتفاق على الجزر اليونانية
وكشفت المصادر أنّ الجانب التركي “عرض مجموعة من المحفزات الاقتصادية الخاصة بمشاريع مشتركة متعلقة بغاز شرق المتوسط، في مواجهة غضب مصري بسبب استبعاد القاهرة من مشروع عملاق لتسييل الغاز بين اليونان وقبرص والإمارات والاحتلال الإسرائيلي”. ولفتت المصادر إلى أنّ “القاهرة ليست في حالة صدام مع الإمارات أو اليونان، ولكنها تدير ملفاتها وفقاً لمصالحها الآنية، خصوصاً أنّ هناك مشاريع أخرى مشتركة مع الجانب الإماراتي، وأبوظبي حالياً منخرطة في تحالف واسع مع أثينا”، مضيفةً أنّ “القاهرة لا ترغب في نقل العلاقة مع الإمارات في الوقت الراهن إلى مربع التوتر، لكونها ترى أنه وفقاً لمعادلات السياسة، يمكن استيعاب تلك التناقضات بما لا يضر بالمصالح المصرية، ويعزز الدور المصري الجديد في الإقليم على ضوء التجاذبات والمتغيّرات التي طرأت بعد تولي الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن الحكم”. وأضافت المصادر أنه “في الوقت الذي تنسلخ فيه القاهرة جزئياً من التحالف اليوناني القبرصي الإماراتي، تبدأ في صياغة تجمع جديد يمكن أن يساهم في تعويضها اقتصادياً خلال الفترة المقبلة، إلى جانب تركيا والسعودية وليبيا”.
تقارير عربية
تحركات إماراتية لملاحقة تركيا في الساحل الأفريقي
وعلى صعيد بعض المطالب المصرية الخاصة بالشق السياسي، أبدى المسؤولون في القاهرة تفهماً لما قدمه الجانب التركي من مبررات بشأن عدم التجاوب بالشكل الذي تتمناه مصر، نظراً لضغوط داخلية في تركيا، في إشارة إلى ملفات متعلقة بمعارضين مصريين موجودين على الأراضي التركية. وقالت المصادر: “يبدو أنّ هناك تياراً مقاوماً داخل الحزب الحاكم في تركيا، العدالة والتنمية، للخطوات الأخيرة التي يتخذها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه مصر والسعودية، والتي تمس ملف جماعة الإخوان المسلمين وقضية الإعلامي السعودي جمال خاشقجي الذي قتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول” في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018.
وحول ما أثير أخيراً بشأن تقدّم مصر بطلب رسمي خلال المفاوضات، بشأن إعلان تركيا اعترافها رسمياً بالثلاثين من يونيو/حزيران 2013 كثورة، وليس انقلاباً، كما دأب الرئيس التركي على وصفها، قالت المصادر إنّ “هذا الأمر لم يطرح، سواء خلال المشاورات غير المعلنة في أوقات سابقة على المستوى الاستخباري والأمني، أو خلال الجولة الأخيرة العلنية التي استضافتها الخارجية المصرية”. وأوضحت المصادر أنّ “ما تم التطرّق إليه، هو كف تركيا المضايقات والملاسنات التي يقدم عليها معارضون مصريون للثلاثين من يونيو على الأراضي التركية، ووقف تنظيم فعاليات مناهضة للنظام المصري من هناك”.
يأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات صحافية من إسطنبول أمس أن بلاده تسعى “لاستعادة الوحدة ذات الجذور التاريخية مع شعب مصر ومواصلتها مجدداً”، مشيراً إلى استقلالية تركيا في سياستها الخارجية وعدم رضوخها لأي إملاءات.
أردوغان: نتطلع لاستعادة الوحدة التاريخية مع شعب مصر
وكان نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، قد قال إنه “على الرغم من أن العلاقات مع مصر شهدت توتراً في الآونة الأخيرة، إلا أن التعاون الثنائي يصب في مصلحة البلدين”. وقال أوقطاي في مقابلة تلفزيونية أول من أمس الخميس: “نحن منفتحون على تطوير علاقاتنا مع جميع دول المنطقة، وعلى أساس الاحترام المتبادل بين الجانبين. مصر جارتنا في شرق المتوسط، ولدينا علاقات قرابة وشراكة تجارية معها”. وتابع “مصر احترمت الاتفاقية البحرية التي أبرمناها مع ليبيا، وأعلنت التنقيب أخيراً خارج حدود المنطقة المعلنة بموجب الاتفاقية، وهذه الخطوة أظهرت الرسائل اللازمة حول تحسين العلاقات، والآن بدأت عملية التطبيع على مستوى نواب الوزراء”.
واختتمت أول من أمس الخميس مباحثات “استكشافية” استمرت يومين بين مصر وتركيا في القاهرة، برئاسة نائب وزير الخارجية المصري حمدي سند لوزا، ونائب وزير خارجية تركيا سادات أونال. وأشار بيان صدر عن الخارجية المصرية إلى أن “المناقشات كانت صريحة ومعمقة، إذ تطرقت إلى القضايا الثنائية، فضلاً عن عدد من القضايا الإقليمية، لا سيما الوضع في ليبيا وسورية والعراق، وضرورة تحقيق السلام والأمن في منطقة شرق المتوسط”.
يأتي هذا في الوقت الذي أكدت فيه تقارير أن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، سيزور العاصمة السعودية الرياض، في 11 مايو/ أيار الحالي، لإجراء مباحثات مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، مشيرة إلى أنّ تلك الزيارة تم التوافق عليها خلال الاتصال الهاتفي الذي جرى الثلاثاء الماضي بين أردوغان، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، والذي بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
العربي الجديد