ليس جديداً أن تتدخل الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي لتعطيل أي مشروع قرار لا يخدم دولة الاحتلال الإسرائيلي أو يدين جرائمها واعتداءاتها، حتى حين يتصل الأمر باستهداف ممثلي الأمم المتحدة المحايدين أنفسهم كما في إفشال مشروع القرار 1385 لعام 2002 حول قصف العاملين في برنامج الأغذية العالمي. ويستوي استخدام حق النقض (الفيتو) الشهير، أو التعطيل المسبق عن طريق الضغط على الجهات صاحبة المبادرة وصياغة النص، أو إفراغ أي مبادرة من مضمونها إذا توجب تمريرها نتيجة فداحة الحدث أو توافق الأعضاء الدائمين على ضرورة اعتماد الحد الأدنى من قبيل رفع العتب.
وهكذا بصدد العدوان الإسرائيلي الهمجي الراهن على قطاع غزة، لم تكتف واشنطن بمنع مجلس الأمن الدولي من التفكير في مشروع قرار فحسب، بل عملت أيضاً على تعطيل أي إمكانية حتى لإصدار بيان يطالب بوقف إطلاق النار حفاظاً على حياة المدنيين والضحايا في صفوف النساء والأطفال بصفة خاصة. وإذ طالبت المندوبة الأمريكية لدى المنظمة الدولية بوقف إطلاق صواريخ المقاومة على المدنيين الإسرائيليين، فإنها لم تنبس بكلمة واحدة تشي بمطالبة مماثلة للغارات الهمجية التي يشنها الطيران الحربي الإسرائيلي حتى على مقارّ وكالة أنباء أمريكية مثل أسوشيتدبرس. وأما ذريعتها في رفض إصدار بيان من مجلس الأمن الدولي فقد كانت أن ذلك لن يساعد في تحسين الأوضاع الراهنة، وكأنها تطلب مزيداً من الوقت المستقطع كي تتابع دولة الاحتلال عربدتها الوحشية في قطاع غزة.
هو النهج الأمريكي القديم ذاته رغم أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قطعت الوعود بإعادة أمريكا إلى العالم وإلى القانون الدولي، بعد أن تكفل الرئيس السابق دونالد ترامب بإبعادها هنا وهناك، ليس في ميادين المناخ والتجارة والأمن الدولي فقط، بل كذلك على صعيد العلاقات مع الحلفاء ومع الأحلاف التي تنخرط فيها الولايات المتحدة ذاتها. وهكذا تسير إدارة بايدن على المنوال ذاته في المنظمة الدولية وأمام أول اختبار للرئيس الجديد إزاء العدوان الإسرائيلي على القدس والمسجد الأقصى وقطاع غزة، وكأن بايدن لم يكن يحتل موقع الشخص الثاني في البيت الأبيض حين اتخذ الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما موقفاً نادراً للغاية هو الامتناع عن التصويت، بخصوص قرار اتخذه مجلس الأمن الدولي أواخر العام 2016 يطالب بوقف الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية.
وإذا كان من غير المرجح أن يحذو بايدن حذو سلفه ترامب في السير الأعمى خلف سياسات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وتشجيع الاستيطان والضم والعدوان والعربدة، فإن تباشير سلوك الرئيس الأمريكي الجديد لا توحي بأنه سينتهج خيارات مختلفة، حتى إذا توجب التمويه بين حين وآخر على انحياز واشنطن التامّ لدولة الاحتلال، أو إذا توجب إدخال هذا التبديل الطفيف أو ذاك الشكلاني على خطاب تأييد الانتهاكات الإسرائيلية ومساندتها إلى درجة الدفاع عنها. وهذا رغم مؤشرات، وإن خجولة، تؤكد تزايد أعداد المشرعين الديمقراطيين الذين أخذوا يضيقون ذرعاً بنهج التغطية العمياء للسياسات الإسرائيلية، كما تؤكد تصاعد التعاطف الشعبي الأمريكي مع الحقوق الفلسطينية.
القدس العربي