على غير عادتها، اكتفت روسيا بتصريحات مقتضبة للرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرجي لافروف تحث على التهدئة وتجنب استهداف المدنيين في القصف المتبادل بين إسرائيل وحماس، في موقف يظهر أن موسكو تحرص على إظهار حيادها في قضية لا تفيد فيها الوساطات ولا تحلها كثرة التصريحات والظهور الإعلامي.
ولا يُعرف ما إذا كان الموقف الروسي حيادا فعليا أم هو امتداد لتكتيك روسي بات معروفا وجرى تنفيذه في سوريا وليبيا ويقوم على إبداء عدم الاهتمام في البداية وترك الأمور حتى ترسو في اتجاه معين ثم تدخل موسكو بقوة وتتحول إلى لاعب رئيسي.
وفي مستهل اجتماع للأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الروسي، الخميس الماضي، صرح بوتين بأن تصعيد النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يجري على مقربة من الحدود الروسية، ويخص مصالحها الأمنية بشكل مباشر، والمقصود هو الوجود الروسي في سوريا.
سيرجي لافروف: موسكو ستساعد الطرفين على إيجاد تفاهمات وإخماد النزاع
ويعتقد مراقبون أن الوجود الروسي في سوريا غيّر تعاطي روسيا مع القضايا العربية ككل، وخاصة مع القضية الفلسطينية، وأنها صارت تقرأ حسابا بشكل خاص لجوارها مع إسرائيل وتربط مواقفها بالمصالح المتبادلة معها، لافتين إلى أن موسكو باتت أكثر تناغما مع رؤية تل أبيب لما يجري في المنطقة من ذلك سكوتها التام على الاستهداف الإسرائيلي الذي يطال مواقع للنظام السوري وأخرى تابعة لإيران وحزب الله.
ولم يعد خافيا التنسيق الروسي الإسرائيلي وعلى مستوى عال في ما يتعلق بسوريا، وخاصة خطط تل أبيب لإجبار إيران على إخلاء مواقعها في سوريا، وهو ما عكسته الزيارات المتتالية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو في السنوات الماضية.
ويشير مراقبون إلى أن أمر التقارب بين موسكو وتل أبيب بات أكبر من قضية الوجود الإيراني، فروسيا صارت جارا لإسرائيل ومصالحها الاقتصادية والأمنية ستحتاج إلى تنسيق متين مع الإسرائيليين. وفضلا عن القواعد العسكرية البرية والبحرية على الأراضي السورية، باتت روسيا مشغلا للغاز السوري في المتوسط، والتفاهم مع إسرائيل سيجنبها عراقيل النزاعات على الملك البحري، كما يسهل لها الانضمام إلى نادي منتجي الغاز في المتوسط حتى وإن لم تكن عضوا معلنا في منتدى شرق المتوسط.
لأجل هذا جاءت التصريحات الروسية بشأن التصعيد بين حماس وإسرائيل هادئة ومحسوبة بدقة مكتفية بدعوات إلى التهدئة وتجنب استهداف المدنيين.
وأعلن وزير الخارجية الروسي الاثنين أن موسكو تدين استهداف كل من الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة ومواقع مدنية.
وأكد لافروف خلال موجز صحافي في موسكو أن روسيا تدين “الضربات التي توجه من قطاع غزة أيضا إلى الأحياء السكنية (في مدن إسرائيلية)، وبالطبع الضربات غير المقبولة الموجهة إلى مواقع مدنية في أراضي الفلسطينيين”.
وتابع الوزير الروسي أن المجتمع الدولي قد وجه كل الإشارات الضرورية إلى طرفي النزاع، وأصبحت تسويته مرهونة “بقدرتهما على التوصل إلى اتفاق ونواياهما الطيبة”.
وشدد لافروف على أن روسيا “ستبذل كل ما في وسعها من الجهود لمساعدة الطرفين على إيجاد تفاهمات وإخماد الطور الساخن من النزاع، كي تبدأ مفاوضات مباشرة بين الطرفين في أسرع وقت ممكن”.
ويبدو أن روسيا تركت مهمة الوساطات والاتصالات لدول إقليمية على صلة مباشرة بطرفي التصعيد مثل مصر وقطر، فيما ستكتفي هي بالمراقبة، وهي تعرف أن مستوى التصعيد لم يعد حله بيد الوسطاء، وأن الحل يكمن في من يقدر على فرض واقع جديد خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يرفض أي حديث عن وقف العمليات قبل إنهاء موضوع الصواريخ التي تمتلكها حركتا حماس والجهاد الإسلامي.
Thumbnail
ويرى محللون أن روسيا تستفيد إلى حد كبير من التخبط الأميركي في الملف الفلسطيني كما في الملفات الإقليمية الأخرى، وأنها تختار اللحظة التي تتدخل فيها وبالطريقة التي تريد، لافتين إلى أن تقارب المصالح مع إسرائيل وعلاقتها التقليدية مع الفلسطينيين يمكن أن يعبّدا الطريق أمامها للعب دور الوسيط الفعال الذي يحظى بترحيب الجميع.
ويشير هؤلاء المحللون إلى نجاح موسكو في أن تتحول إلى لاعب رئيسي في الملف السوري وكيف أنها دخلت الملف بعد بداية الحرب الأهلية بثلاث سنوات، وكذلك في ليبيا حيث تركت للأميركيين ومختلف المتدخلين الآخرين الوقت الكافي ليلعبوا دورهم ثم تدخلت لاحقا لتصبح طرفا رئيسيا في معادلة الحل.
وفيما تقف روسيا على الحياد بشأن هذا التصعيد لا تخفي واشنطن دعمها لنتنياهو في مواجهة صواريخ حماس وإن كانت قد حثت الطرفين على تجنب استهداف المدنيين.
وأعلن الرئيس جو بايدن وكذلك وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن واشنطن تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بمواجهة صواريخ حماس.
وقال بلينكن الاثنين إن الولايات المتحدة تعمل “بشكل مكثف” على إنهاء العنف بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، رافضا تلميحات بأن واشنطن تعرقل الحل الدبلوماسي في الأمم المتحدة.
وبالتوازي مع ذلك، وفي خطوة تظهر التزام واشنطن بدعم إسرائيل في المعركة، نقلت وسائل إعلام أن إدارة بايدن توافق على صفقة أسلحة لإسرائيل بقيمة 735 مليون دولار.
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية أنه تم إخطار الكونغرس الأميركي رسميًا بصفقة بيع الأسلحة لإسرائيل في الخامس من شهر مايو الجاري.
صحيفة العرب