حاول الرئيس الأميركي ووزير خارجيته في مناسبات عديدة مؤخرا القول إنهما يريدان أن تلتزم الصين بـ”القواعد”، في الوقت الذي تتخطى فيه الولايات المتحدة كقوة مسيطرة في العالم.
هذه هي الطريقة الوحيدة التي ينظر بها المحلل السياسي الأميركي بيتر شفايتزر إلى الإشارات التي توجهها إدارة الرئيس بايدن إلى النظام الحاكم في بكين، التي برأيه تنتهج سياسة احتواء مترددة، من شأنها أن تفتح للصين الباب للمزيد من النفوذ على الساحة الدولية.
ففي مقابلة مع نورا أودنيل في برنامج “60 دقيقة” على شبكة سي.بي.أس نيوز التلفزيونية الأميركية الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلنكين إن هدف إدارة بايدن ليس “احتواء” الصين وإنما حماية “نظام قائم على القواعد” في العلاقات الدولية.
وأضاف بلنكين “هدفنا ليس احتواء الصين ولا كبحها ولا إبقاءها خلفنا. هدفنا هو المحافظة على نظام عالمي قائم على القواعد والذي تمثل الصين تحديا له. أي طرف يمثل تحديا لهذا النظام سنتصدى له دفاعا عن هذا النظام”.
بيتر شفايتزر: بايدن وبلنكين يتحركان بحذر في ملفي التوسع والاستبداد الصينيين، إلى الدرجة أنهما لا يستخدمان كلمة “احتواء” تجنبا لاستفزاز بكين
وبحسب شفايتزر رئيس معهد المساءلة الحكومية والزميل المخضرم لمعهد جيتستون الأميركي للأبحاث، فإن هذه التصريحات تمثل اعترافا مهما بأن واشنطن لم تعد ترغب في قيادة العالم وتتراجع مشكورة كقوة عظمى مسيطرة. وربما ينظر بعض الحلفاء الغربيين إلى هذه الإشارات الأميركية باعتبارها مجرد التزام نبيل بالنظام العالمي وطريقة مهذبة للردّ على سلوك متنمّر.
كما يرى شفايتزر مؤلف العديد من الكتب الأكثر مبيعا مثل “ملامح في الفساد” و”الإمبراطوريات السرية” و”أموال كلينتون”، أن الرئيس بايدن عندما ظهر مع أندرسون كوبر على شبكة سي.أن.أن التلفزيونية قدم ما يشبه الاعتذار للصين لأنه أثار ملف حقوق الإنسان في أول اتصال هاتفي له مع الرئيس الصيني شي جين بينج، حيث سأله كوبر “عندما تحدثت معه عن انتهاكات حقوق الإنسان هل كان مجرد حديث يقتصر على ما يتعلق بالولايات المتحدة؟ وهل كانت هناك تداعيات فعلية بالنسبة للصين؟”.
ورد بايدن بالقول “حسنا، ستكون هناك تداعيات على الصين، وهو يعرف ذلك”.
وتابع “ما أوضحته هو أننا في الواقع سنواصل تأكيد دورنا كمتحدثين باسم حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات التي لها تأثير على مواقفهم. الصين تحاول بجد أن تصبح زعيمة العالم، ولكي تحقق ذلك عليها أن تكسب ثقة الدول الأخرى. وما دامت منخرطة في أنشطة تتعارض مع حقوق الإنسان الأساسية سيكون من الصعب عليها تحقيق ذلك”.
من المغري أن ننظر إلى كلمات أي سياسي عن الدبلوماسية باعتبارها حركات تكتيكية وليست إعلانا صريحا لنواياه الدبلوماسية الحقيقية. وقد اشتهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب باستخدام لغة ليّنة عند الحديث عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، مقارنة بلغته عند الحديث عن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
لكن الكلمات والبيانات تصبح مهمة عندما يتعلق الأمر بالمصالح الصينية. فالضعف الظاهر هو الضعف الذي يمكن استغلاله. والسياسة الأميركية تجاه الصين الصاعدة يجب أن تكون عبارة عن كلمات قوية تتماشى مع سياسة احتواء لها.
Thumbnail
وتعني سياسة الاحتواء منع تمدد التوسع الجيوسياسي والنفوذ للدولة المقصودة حول العالم. وخلال الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي سابقا لم تكن سياسة الاحتواء تعني فقط أن الولايات المتحدة كانت تريد منع تقدم الدبابات السوفييتية إلى ألمانيا الغربية، ولكن أيضا كانت تريد الحدّ من نفوذ الاتحاد السوفييتي أو احتواءه في أميركا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط.
وبالنسبة للصين يعني الاحتواء دعم هونج كونج والهند وإقليم التبت والأقليات العرقية والدينية في الصين ودعم اليابان والنمور الآسيوية التي تواجه الهيمنة الصينية. كما تعني سياسة الاحتواء ضرورة معارضة الاعتداءات والادعاءات الصينية بشأن الحدود البحرية داخل الأمم المتحدة، مع استمرار وجود الأسطول السابع الأميركي في المناطق التي تسعى الصين إلى فرض سيادتها عليها.
ويقول شفايتزر في تحليل نشره موقع معهد جيتستون الأميركي إن الواقع يشير إلى أن كلا من بايدن وبلنكين يتحركان بحذر في ملفي التوسع والاستبداد الصينيين، إلى الدرجة التي تجعلهما لا يستخدمان كلمة “احتواء” تجنبا لاستفزاز بكين، التي قد ترد على هذه الإساءة.
ولكن عندما يعرف الرئيس الأميركي ووزير خارجيته أن بكين تريد تجاوز الولايات المتحدة وتسعى إلى نشر نموذجها السلطوي حول العالم، فكيف لهما كقادة مفترضين للعالم الحر ألا يدعوان إلى احتواء الصين وربما إلى ما هو أكثر من مجرد الاحتواء؟
وفي تقديره لا ينبغي لقادة العالم الحر أن يتحدثوا فقط ويتصرفوا، في مواجهة انتهاكات الصين لحقوق الإنسان والحركات التوسعية العدوانية على الصعيد الدولي. وبدلا من ذلك يجب عليهم أن يهاجموا النسخة الأسوأ والأشد شراسة من الفكر اللينيني الشيوعي وهو الحزب الحاكم في الصين، باعتباره السبب الأساسي وراء انتهاكات حقوق الإنسان في الصين ووراء ممارساتها المضادة للاستقرار العالمي.
صحيفة العرب