لم تكن إعادة انتخاب بشار الأسد (55 عاماً) رئيسا لسوريا مفاجئة لمؤيديه وخصومه، وكما كان متوقعا فاز الأسد بولاية رابعة بعد حصوله على 95.1 في المئة من أصوات الناخبين في انتخابات ستمدد حكمه على بلد دمرته الحرب، فيما يؤكد المعارضين والغرب أنها لم تكن نزيهة.
وتقول الحكومة إن الانتخابات تظهر أن سوريا عادت إلى الحياة الطبيعية رغم الحرب المستمرة منذ عقد من الزمان والتي حصدت أرواح مئات الآلاف وتسببت في نزوح 11 مليونا، أي حوالي نصف سكان البلاد، عن ديارهم.
وجرت الانتخابات على الرغم من أن عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة دعت إلى التصويت تحت إشراف دولي من أجل تمهيد الطريق لدستور جديد وتسوية سياسية.
ويمنح الفوز الأسد سبع سنوات أخرى في السلطة ويمدد حكم عائلته إلى حوالي ستة عقود. وقاد والده حافظ سوريا طيلة 30 عاما حتى وفاته في عام 2000.
وقال الأسد على صفحة حملته الانتخابية على فيسبوك “شكرا لجميع السوريين على وطنيتهم العالية ومشاركتهم اللافتة في هذا الاستحقاق الوطني.. لأجل مستقبل أطفال سوريا وشبابها، لنبدأ من الغد مرحلة العمل لنعزز الأمل ببناء سوريا كما يجب أن تكون”.
ومع أن النتائج كانت محسومة سلفاً، احتشد عشرات الآلاف في العديد من المدن، مستبقين إعلانها، في مؤشر على الأهمية التي توليها دمشق لاستحقاق هو الثاني منذ اندلاع النزاع قبل عشر سنوات.
وعنونت صحيفة “الوطن” المقربة من السلطات على صفحتها الأولى الجمعة “95.1 في المئة من السوريين قالوا كلمتهم: بشار الأسد رئيساً للجمهورية”، في دلالة على “مبايعة” الأسد، فيما لم يدل الملايين من المواطنين ممن شرّدتهم الحرب داخل البلاد أو باتوا لاجئين خارجها بأصواتهم.
أما المعارضة السورية فقد وصفت فوز الأسد بفترة رئاسة رابعة بأنها غير شرعية.
وكتب هادي البحرة المعارض والرئيس المشارك للجنة الدستورية السورية عبر موقع تويتر “أجريت الانتخابات دون شرعية. وأجبرت المسؤولين على تزوير نتائجها والتلاعب بها”.
وقال المحامي حسن عبدالعظيم المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي (معارض) إن الانتخابات ستزيد في محنة بلد يعاني من الجوع والفقر و”نظام الاستبداد”.
ويتساءل المتابعون عن الرسالة التي يوجّهها فوز الأسد بعد عقد من نزاع مدمر؟ وما هي أبرز أولوياته في المرحلة المقبلة؟
وسيمنح فوز الأسد حليفتيه روسيا وإيران المزيد من النفوذ في المنطقة كما سيدعم أجندات كل منهما لزيادة المكاسب في المرحلة المقبلة.
وفي تقدير المتابعين فإن الانتخابات ليست ضرورة قصوى تقتصر على النظام وحده، بل إن الروس والإيرانيين يبدون أكثر إصرارا على إجرائها، فأيّ حل أو مسار آخر غير الانتخابات سيشكل مشكلة إضافية جديدة لهم، فيما هم عاجزون عن تقديم أيّ حل أو حتى رؤية لحل للأزمة السورية سوى اللعب ببطاقة استمرار الأسد في الحكم.
ويشير الباحث في معهد “نيولاينز” نيكولاس هيراس في تصريحات صحافية أن “الأسد يرسل إشارة لكل من المعارضة السورية وخصومه الأجانب بأن أحلامهم في الإطاحة به قد تهاوت”.
أولويات المرحلة المقبلة
نيكولاس هيراس: روسيا وإيران تعتبران أن لا مستقبل لسوريا دون الأسد
نيكولاس هيراس: روسيا وإيران تعتبران أن لا مستقبل لسوريا دون الأسد
خلال السنوات الأخيرة راهن المجتمع الدولي على تسوية سياسية تحدث تغييراً في بنية النظام قبل الانتخابات، بعدما تخلّت العديد من القوى الغربية والعربية عن مطلب تنحي الأسد.
ويعتبر هيراس أن “الانتخابات بتفويضها الأسد بنسبة 95.1 في المئة من الأصوات شكلت المسمار الأخير في نعش الجهد الدبلوماسي الدولي لتحقيق الإصلاح” في سوريا. ويعتبر أن روسيا وإيران، حليفتا دمشق، وجهتا “رسالة كبرى إلى واشنطن وشركائها بأنه لا مستقبل لسوريا دون الأسد”.
واتخذ الأسد عبارة “الأمل بالعمل” شعاراً لحملته الانتخابية. وما أن صدرت نتائج الانتخابات وشارك فيها وفق السلطات أكثر من 14 مليون سوري من إجمالي 18 مليونا يحق لهم الاقتراع داخل سوريا وخارجها، حتى أعلن الأسد “بداية مرحلة العمل” لـ”بناء سوريا كما يجب أن تكون”.
وفاق عدد الناخبين الذي أعلنته السلطات توقعات المحللين، خصوصاً أن الانتخابات جرت في مناطق سيطرة القوات الحكومية، والتي يقطنها نحو 11 مليون شخص.
وسلّطت الحملة الانتخابية للأسد، وفق هيراس، الضوء على دور الأسد “كرجل انتصر في الحرب ولديه أفكار هائلة لإعادة إعمار سوريا، عدا عن كونه الوحيد القادر على إعادة النظام بعد فوضى النزاع” الذي استنزف مقدرات البلاد واقتصادها، وأودى بحياة أكثر من 388 ألف شخص.
وفيما يدرك الأسد أن الحصول على أموال المجتمع الدولي لإعادة الإعمار لا يمكن أن يكون خارج تسوية سياسية تحت مظلة الأمم المتحدة، يعمل ومن خلفه حلفاؤه على جذب “مانحين محتملين” على رأسهم دول الخليج، وسط انهيار اقتصادي غير مسبوق.
وتعمّد مسؤولون سوريون قبل الانتخابات تسريب معلومات عن “تغيير كبير” مرتقب في العلاقات مع الخليج وعن قنوات اتصال مفتوحة سيتمّ الإفصاح عن تفاصيلها بعد الانتخابات.
وقالت المستشارة الخاصة في الرئاسة بثينة شعبان لإذاعة “شام أف أم” المحلية الخميس “هناك جهود تبذل لعلاقات أفضل بين دمشق والرياض وقد نشهد في قادم الأيام نتائج في هذا الموضوع”.
وبرز التفاؤل ذاته على لسان وزير الخارجية فيصل المقداد الذي اعتبر قبل يومين أن “الخطاب السياسي قد اختلف ولو قليلاً، وهذا سيمهّد الطريق من أجل تطورات جديدة في المنطقة”.
—-
وبعد سنوات من القطيعة وتجميد مقعد سوريا في جامعة الدول العربية إثر اندلاع النزاع برزت العديد من المؤشرات على انفتاح خليجي بدأت مع إعادة فتح الإمارات سفارتها في دمشق وإرسالها مساعدات طبية، ثم تأكيد وزير خارجيتها في مارس أن “عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في مصلحتها ومصلحة البلدان الأخرى في المنطقة”.
وفي خطوة لم تكن لتحصل لولا هذا التقارب شارك وزير السياحة السوري محمّد مارتيني بدعوة من السعودية في اجتماع للجنة منظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط في الرياض خلال اليومين الأخيرين.
ويلفت الباحث السوري شادي أحمد في تصريحات صحافية إنّ “العلاقات مع الدول العربية وإن مرت بخصومات وأحياناً عداوات أو اشتباكات مباشرة، إلا أن ذلك يُعدّ في سياق التاريخ أمراً طبيعياً”.
وتوقع أن يُصار في المرحلة المقبلة إلى “التأسيس لعلاقات جديدة قائمة على معايير تضمن استعادة بناء الثقة بين الطرفين”.
خيارات خصوم الأسد
رغم تشكيك معارضي الأسد وقوى غربية بـ”نزاهة” الانتخابات وتأكيد الأمم المتحدة على أن الانتخابات “ليست جزءاً من العملية السياسية” التي “تشمل انتخابات حرة ونزيهة بموجب دستور جديد” تحت إشرافها، إلا أنّ هامش المناورة محدود.
ولطالما كرر الأسد عزمه استعادة المناطق الخارجة عن سيطرته عبر التفاوض أو القوة، لكنّ اتفاقات تهدئة تركية – روسية في إدلب ومحيطها (شمال غرب) ووجود قوات أميركية في مناطق الأكراد (شمال شرق) أعاقت مضيّه في الخيار العسكري. ومع فوزه بولاية جديدة، تضيق خيارات معارضيه.
ويلفت الباحث السياسي كريم بيطار في تصريحات صحافية “لقد وصفوا الانتخابات عن حقّ بأنها صورية ومهزلة.. لكن بجانب هذا الوصف، فإن تأثيرهم محدود جداً، باستثناء ربما الاستمرار في إثارة قضيتهم على الساحة الدولية، وإشراك بقية القوى العظمى” المنخرطة في النزاع.
ومع أنّ المعارضة ما زالت بعيدة عن رؤية الضوء في نهاية النفق، إلا أنّه يتعين على الأسد، وفق بيطار، في مرحلة ما أن “يبدي المزيد من المرونة”، موضحاً “قد يستغرق الأمر بعض الوقت، لكن عاجلاً أم آجلاً ستتغير اللعبة”.
ويضيف “يمكنك أن تربح الحرب باستخدام القوة الغاشمة، كما فعل الأسد في سوريا، لكن لا يمكن أن تحكم دولة باستخدام القوة الغاشمة”.
وبعدما استعاد السيطرة على حوالي 70 في المئة من البلاد، سيكون التحدي الأكبر الذي يواجه الأسد هو الاقتصاد المتعثر.
وتبدو آفاق التعافي الاقتصادي ضعيفة نظرا لتشديد العقوبات الأميركية والانهيار المالي للبنان المجاور وجائحة كوفيد – 19 التي أثّرت على التحويلات المالية من السوريين في الخارج فضلا عن عدم قدرة الحليفتين روسيا وإيران على تقديم المساعدة الكافية.
وبلغ اقتصاد سوريا حاليا أسوأ حال له منذ بدء الصراع ويقول خبراء الاقتصاد إن التحدي الآن هو وقف تدهوره بشكل أكبر.
وعانى السوريون من التراجع الكبير في القوة الشرائية وارتفاع مستويات الدين مما جعل الملايين غير قادرين على شراء الطعام وتلبية احتياجاتهم الأساسية.
صحيفة العرب