يربط محللون عجز نيجيريا عن مواجهة التحديات الأمنية التي تتربص بها منذ سنوات باستمرار هجمات المتطرفين وسخط الأقليات الإثنية (السخط الذي يبرز في عدة مناطق) على الحكومة المركزية. ويُرجعون ذلك أساسا إلى غياب الإرادة السياسية وضعف الدولة؛ لأن السلام والازدهار في غرب أفريقيا ومنع انتشار الفوضى في بقية أنحاء القارة، وربما في العالم أيضا، تعتمد على أن تكون هذه الدولة أقوى مما هي عليه اليوم.
أبوجا – تتأرجح نيجيريا منذ فترة طويلة على حافة الفشل، حتى أنها عجزت عن الحفاظ على أمن وسلامة مواطنيها في ظل حربها على جماعة بوكو حرام المتشددة. وبسبب التحديات الأمنية كان من المفترض أن يكون اقتصادها أكبر أو ثاني أكبر اقتصاد في القارة، بعد جنوب أفريقيا.
ولعبت نيجيريا، المهيمنة في منطقة غرب أفريقيا، دورًا إيجابيًا في تعزيز السلام والأمن الأفريقيين طيلة سنوات. ولكن في ظل فشل الدولة يرى محللون أنه لم يعد بإمكانها الحفاظ على هذا الدور، ولا يوجد بديل لها يلوح في الأفق.
تحديات أمنية
تسهم التحديات الأمنية الناتجة أساسا عن مواجهة الجهاديين إسهاما كبيرا في زعزعة استقرار غرب أفريقيا، مما يجعل احتواء معارك منطقة الساحل أكثر صعوبة، كما تؤثر تداعيات إخفاقات نيجيريا على أمن أوروبا والولايات المتحدة.
ويرى روبرت آي روتبرغ، المدير المؤسس لبرنامج مدرسة هارفارد كينيدي الذي يُعنى بالصراع داخل الدول، أن هذا الوصف للفشل ليس بدافع الانفعال والازدراء فقط، إنما هو أيضا تصنيف حقيقي نابع من مجموعة من النظريات السياسية التي تم تطويرها في مطلع هذا القرن وتم تفصيل كل واحدة منها على حدة.
وناقش المفكرون النيجيريون على مدى العقد الماضي -نقاشا حماسيّا في الكثير من الأحيان- مسألة ما إذا كانت دولتهم قد فشلت، وكانوا قد أجمعوا على ذلك.
ويقول آي روتبرغ إن “نيجيريا وحدها التي تستطيع أن تنقذ نفسها بنفسها، لكن القيام بذلك يتطلب نوعا من الإرادة السياسية التي أصبحت الآن مطلوبة بشكل عاجل”.
وهناك أربعة أنواع من الأمم: القوية، والضعيفة، والفاشلة، والمنهارة. ووفقًا لتقديرات بحثية منشورة سابقًا هناك من بين 193 عضوًا في الأمم المتحدة 60 أو 70 عضوًا قويًا، وهي الدول التي تحتل المرتبة الأولى في قوائم فريدوم هاوس وتقارير حقوق الإنسان الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية ومؤشرات إدراك مكافحة الفساد للشفافية.
وبينما هناك ثلاث دول يتم اعتبارها منهارة، وهي الصومال وجنوب السودان واليمن، يصنف ثمانون أو 90 من أعضاء الأمم المتحدة على أنهم ضعفاء، ويتمثل الضعف في عدم القدرة على توفير الكثير من السلع والمواد العامة الأساسية، وأيضا عدم توفير بيئة آمنة وسليمة.
ويقول جون كامبل (من الزملاء القدامى في مجلس العلاقات الخارجية وسفير سابق للولايات المتحدة في نيجيريا) في تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية إنه “إذا لم يكن المواطنون في مأمن من الأذى داخل الحدود الوطنية فلن تتمكن الحكومات من تقديم الحكم الرشيد (الخدمات الأساسية التي يتوقعها المواطنون)”.
وربما فشلت اثنتا عشرة دولة أو نحو ذلك، بما في ذلك جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى وميانمار. وكل دولة من هذه الدول تفتقر إلى الأمن، ولديها قواعد قانونية ضعيفة وفاسدة وتحد من المشاركة السياسية والتصويت، وتميز داخل حدودها ضد فئات وأنواع مختلفة من المواطنين، وتقدم الخدمات التعليمية والطبية بشكل محتشم.
ويعتقد آي روتبرغ الرئيس الفخري لمؤسسة السلام العالمي أن الأهم من كل ذلك أن الدول الفاشلة عنيفة؛ ذلك أن جميع الدول الفاشلة تخوض شكلاً من أشكال الصراع الداخلي العنيف، مثل الحرب الأهلية أو التمرد.
وتواجه نيجيريا الآن ست حركات تمرد داخلية أو أكثر، وقد أدى عدم قدرة الدولة على توفير السلام والاستقرار لشعبها إلى دفع هذا البلد الضعيف إلى الفشل.
وكحد أدنى يتوقع المواطنون من دولهم أن تحميهم من الهجمات الخارجية وتحافظ على سلامتهم داخل حدودهم. وكانت الصفقة التي عقدها المواطنون منذ فترة طويلة مع حكامهم محصنة ضد الانهيار مقابل الولاء ودفع الضرائب.
ولكن عندما تنهار هذه المقايضة تفقد الدولة تماسكها، ويتفكك نسيجها الاجتماعي، وتُفسد الفصائل المتحاربة العقد الاجتماعي الذي هو قوام الدولة. ويبدو أن نيجيريا وصلت الآن إلى نقطة اللاعودة.
وقد باتت أجزاء قليلة من نيجيريا اليوم آمنة تمامًا، وتشير تقارير التتبع الأسبوعية الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركية إلى أنه منذ العام الماضي فقد نحو 1400 نيجيري أرواحهم على أيدي المتشددين الإسلاميين في ولاية بورنو الشمالية الشرقية والمناطق المجاورة.
وتهاجم بوكو حرام، التي تضم قرابة 5 آلاف مسلح متطرف، تشاد المجاورة وشمال الكاميرون. ويُعتقد أنها تحتمي بغابة سامبيسا على طول حدود بورنو الجبلية مع الكاميرون.
ولم يتضح بالضبط سبب فشل القوات المسلحة النيجيرية، المكونة من 300 ألف جندي وبميزانية تقدر بنحو ملياري دولار، في اجتثاث بوكو حرام. ولكن يُزعم أن الفساد المستشري في الجيش لعب دورا رئيسيا في ذلك، فضلاً عن القيادة غير المتسقة من قبل الضباط والسياسيين. ومثل طالبان في أفغانستان يبدو أن بوكو حرام تتمتع ببعض الدعم المحلي المحدود.
الفشل في احتواء الصراعات العنيفة بين الرعاة والمزارعين في عدة مناطق
ووفقًا للنظرية السياسية فإن عجز الحكومة عن إحباط تمرد بوكو حرام يكفي لتصنيف نيجيريا دولةً فاشلة، لكن هناك العديد من الأعراض الأخرى.
ففي مناطق الشمال الغربي ذات الأغلبية المسلمة، لاسيما في ولايات كادونا وكاتسينا ويوبي الكبيرة والمكتظة بالسكان، اعتدت عصابات الخاطفين على تلاميذ المدارس في مدارسهم الداخلية، وذلك بغرض الحصول على الفدية، وقد تم بالفعل تقديم مقابل لاستعادة نحو 600 طفل.
ويبدو أن قوات الأمن الفيدرالية كانت في الغالب تتعامل مع الأمر بشكل روتيني في محاولاتها لتأمين المدارس في الولايات الشمالية وغير قادرة بشكل عام على حماية مواطنيها.
وفي هذه الولايات الشمالية نفسها كان السكان من قومية الفولاني المسلمة يتشاجرون منذ عدة سنوات مع المزارعين المستقرين، وكان سبب التشاجر الحصول على الأراضي والمياه. وغالبًا ما تكون هذه المشاجرات عنيفة ومتكررة، ولم تستطع الحكومة المركزية أو السلطات الأمنية الحكومية تأمين هذه المناطق.
وفي الجنوب، حيث تقلق غارات الفولاني المزارعين المستقرين، أحيا المتمردون الناطقون بالإيغبو مؤخرًا حركة بيافران الانفصالية التي سعت إلى إخراج المنطقة الجنوبية الشرقية من نيجيريا في 1967 – 1970. والآن يكتسب السكان الأصليون في بيافرا (وهي حركة انفصالية) الدعم من الإيغبو، ثالث أكبر مجموعة لغوية في نيجيريا.
وفي الجوار لا يزال هناك استياء متفاقم ضد الحكومة المركزية بين المنتمين إلى شعوب إيغاو وأوغوني في دلتا النيجر، الذين يشعرون بأنهم محرومون من الثروة النفطية التي تأتي من مياههم وينتهي بها الأمر في أيدي النخب السياسية والاقتصادية المرتبطة بحكومة الرئيس محمد بخاري ومن سبقوه.
وشرعت حركة تحرير دلتا النيجر عام 2006 في تأكيد حقوق ومطالب أتباعها، لكنها الآن أقل قوة. ومع ذلك تتواصل التفجيرات والاغتيالات وعمليات الخطف في منطقة الدلتا، بما في ذلك مدينة بورت هاركورت الرئيسية، مما يزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.
وفي البحر يعد خليج غينيا الآن أخطر منطقة ملاحية في العالم، فقد احتُجز أكثر من 130 بحارا رهائن العام الماضي على أيدي قراصنة يعملون من معاقل في دلتا النيجر، ويبدو أن البحرية النيجيرية عاجزة عن تأمين مياهها.
وظل الفساد في نيجيريا متفشيا رغم تعهد الرئيس محمد بخاري -الذي وصل إلى السلطة في عام 2015 وأعيد انتخابه لولاية ثانية في 2019- بالقضاء على الفساد؛ وقد استفحل في جميع المرافق القضائية، ما أعاق إلى حد كبير النضال المستمر من أجل استتباب الأمن.
ويصنف مؤشر مدركات الفساد الأخير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية نيجيريا في المراتب الأخيرة، حيث تأتي في المركز 149 من بين 180 دولة.
ويعتقد كامبل أن هذا التشهير بالفشل من المحتمل أن يحث الحكومة النيجيرية نفسها على أن تنتبه وتبذل جهدًا للحفاظ على سلامة الناخبين، وتحد من النزاعات الأهلية العديدة التي ابتليت بها أجزاء كثيرة من البلد، وتمنع عدداً كبيراً من عمليات اختطاف أطفال المدارس، وتقضي على القرصنة في خليج غينيا، وتحتوي منافسات عنيفة بين الرعاة والمزارعين.
ويشدد على ضرورة اعتراف الدول الغربية بأن نيجيريا فشلت في الحصول على المزيد من المساعدة من الاتحاد الأفريقي والمانحين الأجانب، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي الماضي القريب ساعدت رحلات الاستطلاع الأميركية والبريطانية في استهداف المتمردين وتحديد موقع الخاطفين. وإذا طلبت الحكومة النيجيرية مساعدات أخرى يمكن استخدامها بفاعلية فقد يسهم ذلك في تحقيق نجاحات أخرى.
لكن الاعتراف بفشل الدولة يمكن أيضا أن يحشد الدعم العسكري والأمني الذي من شأنه أن يركز في المستقبل على بوكو حرام ومناطق الصراع الأخرى في البلاد.
ويفترض أن يمنع تصميم بخاري والطبقة السياسية على استعادة الأمن الأمة من الانزلاق إلى المزيد من الفشل واليأس.
وستكون أنواع القيادة الملتزمة التي كانت تفتقر إليها نيجيريا لمدة عقد على الأقل ضرورية، بالإضافة إلى بذل المزيد من الجهود للحد من عمليات الاحتيال والكسب غير المشروع والاختلاس، وهي العمليات التي أسهمت في انهيار نيجيريا ولا تزال تساهم بشكل كبير في فشلها.
العرب