يراقب العالم ما يحصل في النيجر، في حين يحذر المحللون من أنه سيوسع دائرة نشاط الجماعات الإرهابية وخاصة المنتمية إلى القاعدة وداعش، وهو ما يفاقم التحديات أمام موريتانيا التي تخوض حربا ضد الإرهاب ولا تزال الوحيدة بين دول الساحل الخمس التي لم يهزها انقلاب سياسي.
إذا كان الانقلاب العسكري الذي وقع في النيجر أخيرا ضد الرئيس المنتخب محمد بازوم يمثل انعكاسا لتراجع النفوذ الغربي وهشاشة التحول الديمقراطي، فقد يمنح الجماعات الإرهابية والمتطرفين فرصة للمزيد من التغول في منطقة الساحل الأفريقي التي تعاني من اختلالات أمنية كبيرة.
تجد الجماعات الموالية لتنظيمي داعش والقاعدة وتلك التي تدور في فلك أفكارهما عقب السيطرة على مناطق شاسعة في مالي وبوركينا فاسو، الطريق مفتوحًا لزيادة نطاق الهيمنة على بعض الثروات المحلية، بينها مواد خطرة مثل اليورانيوم الذي يحتل أهمية كبيرة لدى الدول الكبرى.
تقع النيجر في الجزء الحيوي من غرب أفريقيا وتملك حدودًا مع سبع دول أبرزها مالي وبوركينا فاسو وهما أهم معاقل الجهاديين في القارة. لعبت نيامي دورًا وازنًا في محيط غير مستقر، وكانت قبل الانقلاب العسكري في السادس والعشرين من يوليو الماضي الممثل الوحيد لاستمرار النفوذ الغربي بعد انسحاب فرنسا من مالي وبوركينا فاسو وخروجها من عملية “برخان” التي كان أبرز أهدافها تطويق الإرهابيين.
تسلك النيجر طريق العسكرة الذي سلكته من قبل دول عديدة مجاورة، وفي سبيلها للنأي بنفسها عن الهيمنة الغربية، وربما تتجه نحو التمكين الروسي إذا صممت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” على المضي قدما في فرض عقوبات وتحويل التهديد العسكري بالتدخل إلى واقع، وهو ما يجر المنطقة إلى مخاوف كبيرة وظهور لعبة أمم جديدة، يمكن أن تلعب فيها الجماعات الإرهابية دورا لبناء قدراتها.
سيناريو مكرر
أضاف انقلاب النيجر حكما عسكريا جديدا لمجموعة الساحل المعروفة بـ“جي 5” بعد أن شهدت مالي وبوركينا فاسو وتشاد انقلابات عسكرية السنوات القليلة الماضية، ولا يتبقى سوى موريتانيا التي وضع رئيسها محمد ولد الغزواني نموذجا جيدا للحكم مكنّه من التغلب على جانب معتبر في الحرب على الإرهاب والجماعات المتشددة.
ووضع ولد الغزواني صيغة توافقية للتفاهم بين الحزب الحاكم (الإنصاف) وأحزاب المعارضة، والشروع في حشد المواطنين خلف مشروع اقتصادي واجتماعي يخفف الأعباء عن شريحة من المواطنين، ناهيك عن خبرته العسكرية الممتدة والتي ساعدته على سد منافذ عدة قد ينفذ منها انقلابيون.
وأثبتت التجربة في كل من مالي وبوركينا فاسو أن انشغال الجيش الضعيف أساسا تسليحا وتدريبا بصراعات الحكم والسياسة، يضاعف من فشله في مواجهة الجماعات التكفيرية ويزيد عجزه عن مراقبة الحدود وتعقب المسلحين، وهو السيناريو المرشح تكراره في النيجر.
النيجر تقع في الجزء الحيوي من غرب أفريقيا وتملك حدودًا مع سبع دول أبرزها مالي وبوركينا فاسو وهما أهم معاقل الجهاديين في القارة
قضى انقلاب النيجر الجديد على تجربة مهمة أثبتت صمودا في مكافحة الإرهاب، قادها الرئيس محمد بازوم المنتخب ديمقراطيا، لكنه لم يتمكن من تحقيق طموحات المواطنين الكبيرة في مجالي الأمن والتنمية.
ربما لو أُتيحت فرصة لبازوم ومُنح فترة كافية لتنفيذ برنامجه السياسي كان قد أنجز تغييرًا ملموسًا في ظل تنويع تحالفاته وتعاونه مع دول غربية وأفريقية وعربية في مجال مكافحة الإرهاب، غير أن قصر مدة حكمه حال دون الحصول على نتائج جيدة تخفف الأعباء عن المواطنين.
ودشن الرئيس المعزول محمد بازوم مشروعا تنمويا بجانب تطويره آليات العمل المسلح لتطويق الجماعات المتمردة ومنعها من التمدد واستقطاب المهمشين الذين يمثلون أغلبية في البلاد.
بعد توطيده لعلاقاته مع فرنسا، استعان بازوم بالجارة نيجيريا ودول عربية عدة لتدعيم قدرات جيشه، بما خلق نوعًا من التحدي العسكري والميداني للنيجر في مواجهة جماعات باتت أكثر شراسة وعنفًا مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المؤيدة للقاعدة، وداعش في “ولاية الساحل الإسلامية”.
بسبب الانقلاب على المسار السلمي الديمقراطي وإنهاء تجربة بازوم قبل اكتمالها واستمرار التوترات، من المتوقع أن ينخرط الجيش فيها بما يصعب مجال الحركة أمام القوات الفرنسية أو الإمدادات الأفريقية والعمل بحرية كافية ضد تنظيمات متطرفة تنفذ هجمات متقطعة في النيجر، انطلاقًا من مالي التي انتعش فيها المتشددون، ووجدوا فيها ملاذا لتجميع قواهم.
استدعاء روسيا
لا يتبقى سوى موريتانيا التي وضع رئيسها نموذجا جيدا للحكم مكنّه من التغلب على جانب في الحرب على الإرهاب
تبدو الأجواء مهيأة للاستعانة بخدمات روسيا في النيجر للحد من مفعول التحركات التصعيدية الغربية في مجالات قطع المساعدات وفرض عقوبات، والتلويح بالتدخل العسكري، فموسكو أصبحت ملاذا لفقراء أفريقيا الذين يتعمد البعض من قادتهم مغازلتها والحديث عن سنوات صعبة واجهتها دولهم أثناء الاستعمار الغربي وبعد رحيله.
بهذا القدر من الجهد الذي يتحلى بالمجازفة في محيط يعادي الوجود الفرنسي ويرفع لافتات الترحيب بروسيا، كان بازوم قد نجح في الإبقاء على بلاده صامدة داخل حزام تنشط فيه جماعات متطرفة مسلحة، مثل بوكو حرام ومتفرعات القاعدة وداعش في منطقة الساحل الأفريقي.
ومن شأن نجاح البرنامج التنموي الذي شرع في تنفيذه الرئيس المعزول محمد بازوم بالتعاون مع نيجيريا أن يخلق العديد من فرص العمل لسكان المناطق الحدودية التي تعاني من أوضاع متردية.
يحمل التصميم على عزل الرئيس المنتخب في النيجر كسرا لحالة الاستقرار النسبي الذي تمتعت به هذه الدولة في محيط مضطرب، ما يقود إلى تصاعد نفوذ الجماعات الإرهابية، وربما إحلال مسلحي فاغنر الروسية محل القوات الفرنسية، ما يعني فتح فراغات أمنية يمكن أن تستغلها جماعات جهادية تتغذى على الفوضى والانفلاتات العسكرية.
نجاح خطة الانقلاب العسكري يعني وضع النيجر فوق فوهة بركان مزدوج، فالتنظيمات المتشددة سوف تزيد من وجودها
وما أقدم عليه الرئيس المعزول محمد بازوم من استقطاب عناصر القوات الفرنسية المنسحبة من مالي وبوركينا فاسو وتسهيل عملها بالتمركز في النيجر، أبقى بلاده على خط الصمود أمام خطط اجتياح الإرهابيين للحدود، فوجودها كان كافيًا لردع الكثير من طموحات الجماعات المتطرفة.
يعتقد البعض من المراقبين أن عسكر النيجر قد يتمهلون في خطواتهم بعد المعاناة التي تواجهها مالي وبوركينا فاسو بعد تمكن الحكم العسكري من الوصول إلى السلطة، حيث صب في مصلحة المتمردين الذين سيطروا على مساحات شاسعة من البلدين.
يقول هؤلاء المراقبون إن خارطة الطريق التي كشف قائد الانقلاب عبدالرحمن تياني، مساء الأربعاء، عن تقديمها قد تحوي تخفيفا من حدة الأزمة، أو تزيدها اشتعالا إذا تقرر ترسيخ نفوذه وإنهاء مهمة الرئيس محمد بازوم تماما، فوقتها قد تتخذ مجموعة إيكواس المزيد من الخطوات الصارمة لمعاقبة الانقلابيين، ما يعني فتح الباب لصدامات إقليمية متعددة، لن تعدم التنظيمات المتطرفة الاستفادة منها.
ويرى مؤيدو الرئيس بازوم أن عقد تحالفات مع الغرب لتأهيل وتسليح وتدريب الجيش في النيجر خيار مناسب، لأنه عانى من نتائج الأوضاع المتردية، ومكنه من الحصول على جاهزية أمنية قضت كثيرا على تطلعات الجماعات التكفيرية ومهربي المهاجرين غير الشرعيين.
نجاح خطة الانقلاب العسكري يعني وضع النيجر فوق فوهة بركان مزدوج، فالتنظيمات المتشددة سوف تزيد من وجودها، وقوات فاغنر يمكن أن تجد لها مكانا محوريا إذا قرر قادة الانقلاب منحها هامشا كبيرا للحركة، ما يعني أن الولايات المتحدة وفرنسا تواجهان تحديا جديدا، قد يتطلب منهما البحث عن وسائل لتقليم أظافر الإرهابيين وفاغنر.
العرب