انطلقت مجلة “الايوكونوميست” البريطانية من قصة اعتقال القيادي في الحشد الشعبي “قاسم مصلح” ثم اطلاق سراحه، للتحدث عن صعوبة بناء الدولة في العراق، والمشكلات الداخلية العديدة التي يواجهها، برغم وجود مؤشرات للتقدم.
وذكّرت المجلة البريطانية بزيارة “قاسم مصلح” الى مرقد الامام الحسين في كربلاء بعد اطلاق سراحه واندفاع حشد من المواطنين الفرحين بالافراج عنه وادلائه بتصريح قال فيه: “لم يكن لديهم دليل”، في إشارة إلى الجهة الامنية التي اعتقلته ثم افرجت عنه.
واعتبرت المجلة في تقرير لها ترجمته وكالة شفق نيوز، أنه “بالنسبة للعديد من العراقيين، كان اطلاق سراحه تذكير حزين بمدى ضعف أوضاعه”، مشيرة إلى أنه بعد اعتقاله بتهمة اغتيال ناشطين ضد الفساد والنفوذ الايراني، احتل انصاره المسلحين على الفور جزءاً من المنطقة الخضراء، وان الدولة بدلا من المخاطرة بوقوع نزاع دموي، اطلقت سراحه”.
وأشارت المجلة إلى “انتخابات اكتوبر/ تشرين الاول المقبل”، مشيرة إلى أن “ثلاثة عشر كياناً رئيساً يتنافسون على السلطة، سبعة منهم من الشيعة واربعة من السنة واثنان من الكورد”، وأنه “من المحتمل أن ينبثق تحالفان واسعان من الشيعة والكورد والسنة من هذا المزيج، احدهما يميل نحو ايران، والاخر نحو الولايات المتحدة ودول الخليج”، مرجحة في ذات الوقت أن “يتولى مصطفى الكاظمي، رئاسة الوزراء، في ولاية ثانية اذا أظهر لهم أنه مرن”.
وتابعت أن “العراقيين يتساءلون عن حجم السلطة التي تتمتع بها الحكومة التي يختارونها بالفعل في ظل وجود الميليشيات والعشائر والفصائل الفاسدة والقوات الاجنبية”، مشيرة إلى أن “كثيرين سيقاطعون عملية الاقتراع”.
واستشهد تقرير المجلة بآراء خمسة شبان قابلهم مراسلها “في مطعم بمدينة البصرة يؤيدون جميعهم التظاهرات المعارضة الضخمة التي هزت البلاد في العام 2019″، بينما “يكشف اثنان منهم عن ندوب تعرضهما للضرب من قبل الميليشيات”.
ويقول نبيل وهو موظف حكومي اصيب بهراوة “ليس لدي اي خطط للتصويت.. اريد دولة”.
ومثله مثل العديد من العراقيين، تضيف الصحيفة، “إذ يخشى نبيل من أن بلاده تتعرض للانتهاك من قبل قوى خارجة عن سيطرة الحكومة”.
وذكّرت المجلة “باغتيال الجنرال الايراني قاسم سليماني الذي قام بزيارات لتنظيم الميليشيات الشيعية في العراق، وقتلته الولايات المتحدة، التي بدورها ما يزال لديها جيش من 2500 جندي في العراق”.
وبعدما أشارت إلى “دور قوات الحشد الشعبي في هزيمة تنظيم داعش الذي سيطر على ثلث الاراضي العراقية”، أوضحت أنه “لم يتم حل الحشد وعلى العكس من ذلك، فهو ممول من القطاع العام بحصة 2٪ من الناتج المحلي الاجمالي العام الماضي”، معتبرة أن “الحكومة تمول بذلك جيشا خاصا بولاء مشبوه ويحسده العديد من عناصر القوات الحكومية.
وتنقل المجلة عن قيادي في اللواء العاشر التابع للحشد الشعبي، وعلى جداره صورة لقاسم سليماني والمرشد الاعلى لايران علي خامنئي، قوله “إننا نطيع دائماً أوامر رئيس الوزراء”.
أما ابو فاطمة البصري، الذي يدير مركزاً للشهداء، فأنه يزيح القناع الطبي عن وجهه وهو يشير الى انهم يتبعون رئيس الحكومة في القضايا العامة، لكن “ايماننا يتخطى رئيس الوزراء” وفق تعبيره، ويضيف أنه يريد ان يكون الحشد على غرار الحرس الثوري في ايران.
وترى المجلة أن هذا الاحتمال وبالنسبة للعديد من العراقيين، “يبدو مثيراً للرعب”، مذكّرة بأن “الحرس الثوري يخضع للسلطة الدينية الاعلى وليس الى الرئيس، وهو يدير امبراطورية تجارية واسعة وفاسدة”.
وبحسب المجلة، فأن “الحشد الشعبي يدير بالفعل عدة وزارات ويجني أموالاً كثيرة من الابتزاز والتهريب”، مشيرة إلى أن “الحقد على ايران ووكلائها واسع الانتشار حيث اطلق محتجون النار على القنصلية الايرانية في كربلاء الشهر الماضي، واحرق اخرون مقررا للحشد في الناصرية العام الماضي”.
ويقول أتباع رئيس الحكومة، بحسب الصحيفة، إنهم “يكبحون تدريجياً قوة الميليشيات، كما جرى تقديم اقتراح خطة لدمج الحشد الشعبي في الجيش وتغطية العديد من اعضائه بالمعاشات التقاعدية، لكن الاقتراح لم يصل الى اي مكان”.
وأشارت إلى “اغتيال المحلل بالشؤون الامنية هشام الهاشمي احد اقوى انصار الحكومة في العام الماضي”، وإلى أن “العديد من العراقيين فقدوا الثقة برئيس الوزراء”.
واعتبرت المجلة البريطانية أن “الدولة تخدم مواطنيها، لكن الدولة العراقية تخدم موظفيها”، موضحة أن “رواتب ومعاشات العاملين في القطاع العام تستهلك ثلثي الميزانية”.
وفي العام الماضي، عندما كانت اسعار النفط منخفضة بسبب وباء كورونا، ابتلعت هذه الرواتب ما يقدر بـ 122٪ من عائدات النفط العراقية، بحسب الصحيفة التي اشارت، إلى أن “النفط هو المصدر الرئيسي الوحيد للدخل للدولة”، وإلى أنه “لا يتم فرض ضرائب على موظفي الخدمة المدنية على المكافآت والامتيازات”، وأن “رواتب الحكومة افضل من رواتب القطاع الخاص”، ولهذا ذكّرت بتصريح لوزير المالية علي علاوي عندما قال “الكل يريد العمل للحكومة”.
وتهيمن الاحزاب على الوزارات وتوفر الوظائف لمؤيديها واقاربهم، وفق المجلة التي تنقل عن مهندس نفطي شاب في البصرة: “اذا قلت انني لست منتمياً الى حزب، فهم لا يسمحون لي حتى بالتقدم لوظيفة”.
وعندما كان معظم موظفي الخدمة المدنية في المنزل بسبب فترة الوباء، تنهد علاوي وهو يقول “لم يكن هناك اي تاثير على الانتاج”، واشارت المجلة الى ان ذلك ليس لانهم عملوا بضراوة عن بعد. ويقول علاوي ان حوالي 10٪ منهم موظفون أشباح، اي انهم وهميون.
وتابعت المجلة ان الجهود المبذولة لخفض رواتب موظفي القطاع العام وتخصيص الاموال للمدارس والطرق والمستشفيات وغيرها، تواجه مقاومة شرسة. واوضحت ان السياسيين يخشون “تمرد” هذه القطاعات من المواطنين الذين يمثلون 4.5 مليون موظف حكومي و 2.5 مليون متقاعد.
ويقول علاوي ان الطلب على استهلاك الكهرباء “خارج عن السيطرة”، لانها تكاد تكون مجانية.
واشارت الى انه اذا اضطر العراقيون الى دفع فواتيرهم، فسيكونون أقل هدراً في استهلاك الكهرباء، وللمفارقة، أشارت المجلة إلى أن العراق يستورد الغاز الطبيعي الايراني لتوليد المزيد من الكهرباء في حين أن العراق ينتج كميات كبيرة من الغاز لكنه تضيع في عمليات حرقها او اطلاقها في الغلاف الجوي.
وعلى جزيرة صغيرة محاطة بالجواميس في مستنقع بالقرب البصرة، يشكو نعمان السلمي من الغاز المشتعل والتلوث الضبابي، ويقول: “لا يمكننا الحصول على وظيفة، فقط السرطان”.
كما اعتبرت ان بعض العراقيين المبتلين بالمسلحين، يشعرون بخيبة امل من الدين نفسه، فيما يندب الائمة انحسار اعداد المصلين من اتباعهم. واضافت ان احترام حقوق الانسان غائب، ولم توجه اتهامات لقتلة المتظاهرين برغم التحقيقات الجارية.
واشارت الى ان العراق عانى من دمار كبير من الديكتاتورية والابادة الجماعية وداعش وان بناء امة قادرة على حكم العراق يتطلب الكثير من العمل، مضيفة لكن هناك بوادر على التقدم.
واوضحت ان السبب الرئيسي للتفاؤل هو انه برغم استمرار العنف، الا انه ليس بنفس القدر الذي حدث في اي وقت منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة العام 2003، مشيرة الى ان اخر انفجار لسيارة مفخخة كبيرة كان في عام 2017. وتابعت النزاعات العشائرية لا تزال شائعة، لكنها تتراجع. اما العراق فانه صار بلدا مفتوحا والتأشيرات التي كانت تستغرق شهورا، اصبحت متاحة الان عند الوصول. وتعبر حركة السير عبر نقاط التفتيش الامنية بسهولة اكبر من ذي قبل.
وتابعت ان الاقتصاد يتعافى من وباء كورونا، ويتوقع البنك الدولي انخفاضا بنسبة 10٪ في العام الماضي، ولكن هناك نمو متوقع بنسبة 2٪ هذا العام ونموا بنسبة 8.4٪ في العام 2022. ومن المتوقع ان يتقلص عجز الميزانية من 5.5٪ من الناتج المحلي الاجمالي في العام 2021. وبرغم انتشار الفساد، الا ان المتفائلين يشيرون الى ان الكثير من الاموال المسروقة يتم استثمارها محليا، وليس في الخارج.
ومدينة الموصل القديمة، التي قصفت خلال حرب داعش، اعيد بناؤها بمساعدة الامم المتحدة، ومن بين 6 ملايين عراقي نفتهم الحرب، عاد ما يقرب من 80٪ منهم الى مسقط راسهم.
كما أشارت المجلة إلى أن “وباء كورونا شجع الابتكار”، وأوضحت أن بطاقات الائتمان نادرة ويصعب على العراقيين القيام بطلبات عبر الانترنت، مما دفع شركات مثل “زين كاش” الى بناء تطبيقات تتيح الدفع المالي رقميا. ويقول رشوان شريف، الذي يدير شركة تسويق عبر الانترنت مقرها البصرة، “بفضل كوفيد19، تعمل الشركات الصغيرة بسرعة مذهلة”.
وفي غضون ذلك، يواصل العراقيون العاديون حياتهم، ويتذكر “غيث الحلو” أنه “خضع لامتحان ثانوي في بغداد خلال الاوقات المضطربة في العام 2007، ولم يوقف المعلم الامتحان عندما وقع تبادل لاطلاق النار في الطابق السفلي، وطلب من التلاميذ الجلوس بعيداً عن النافذة”.
الآن في سن الثلاثين، نادراً ما يسمع غيث اطلاق نار، وهو يقوم بتطوير شركة ناشئة عبر الانترنت تدعى “انضم الى النادي” لمساعدة العراقيين على تحسين لغتهم الانكليزيية ولديه أمل حذر ازاء المستقبل، لكنه لا يزال ينظر باستخفاف الى خياراته في الانتخابات المقبلة، ويقول “سأفسد بطاقة الاقتراع”.
شفق نيوز