يواجه الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي في مستهل ولايته تحديات اقتصادية مزمنة تنذر بتفجر الأزمات الاجتماعية الاحتجاجات المطلبية وتجددهما. ويرى غلاة المحافظين، الذين لا يقلون حرصا عن الإصلاحيين، في إحياء الاتفاق النووي سبيلا لمعالجة الأزمات المستفحلة وتحقيق المكاسب السياسية.
واشنطن – يثير انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسا جديدا لإيران الجدل حول التوقعات بالنسبة إلى موقف إيران من المباحثات الجارية بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وذلك في ضوء ما عرف عن شخصية رئيسي المحافظة التي تختلف تماما عن شخصية الرئيس السابق حسن روحاني، إلا أن مراقبين يستبعدون أن يكون لوصول قاض من غلاة المحافظين إلى السلطة أي تأثير على المفاوضات النووية الجارية في فيينا، إذ أن إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأميركية باتا حاجة إستراتيجية.
ويرى محللون أن الحكومة الإيرانية بقيادة رئيسي الذي طالما انتقد حكومة روحاني على خلفية تعويلها المفرط على الاتفاق، ستسعى لإيصال مفاوضات فيينا إلى خاتمة إيجابية.
وأبدى رئيسي “تأييده للعودة إلى الاتفاق النووي” رغم وضعه لشروط مثل المصالح الإيرانية العليا، إلا أنها شروط يرى المتابعون أنها موجهة للاستهلاك الإعلامي الداخلي وتقوية موقف المفاوضين الإيرانيين.
ويشير هؤلاء إلى أن إحياء الاتفاق النووي سيحقق فوائد سياسية مهمة للرئيس المحافظ الباحث عن تعزيز شرعيته خصوصا وأن إحياءه سيؤدي على الأرجح إلى زيادة مطردة في نمو الاقتصاد الإيراني تقودها بشكل أساسي زيادة صادرات النفط، ما سيوفر لحكومته إيرادات مالية إضافية تتيح لها الحد من التضخم وتخفيف آثار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
ويقول الباحث الأميركي من أصل إيراني في جامعة أوكسفورد راي تقية إن الانتقادات التي كانت تواجهها حكومة روحاني الإصلاحية لم تتركز على كيفية تقييد الاتفاق لبرنامج إيران النووي بقدر ما تركزت على فشلها في تحقيق مكاسب اقتصادية مثل زيادة الاستثمارات الدولية.
إحياء الاتفاق النووي سيخفف آثار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وهو ما يبحث عنه رئيسي لتعزيز شرعيته
وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد أكدت اعتزامها مواصلة المفاوضات بعد عودة الدولتين للالتزام بجعل الاتفاق “أطول وأقوى”. ولم يوافق أي فصيل في إيران على هذا الاقتراح.
وصرح رئيسي بعد انتخابه بأن إيران لن تشارك في أي مفاوضات حول برنامجها الخاص بالصواريخ أو السياسات الإقليمية، وهي مجالات تردد أن الولايات المتحدة تريد ربطها بالمباحثات. ومن الممكن مع ذلك أن تعود الدولتان إلى الاتفاق، لكن احتمال إعادة التفاوض بشأنه ضعيف.
وفي ما يتعلق بخيارات رئيسي لإنهاء الأزمة الاقتصادية في إيران، يقول تقية وهو أحد كبار زملاء برنامج دراسات الشرق الأوسط في مركز العلاقات الخارجية، إن المحافظين تكاتفوا جميعا خلف فكرة خامنئي الخاصة بـ”اقتصاد المقاومة”، وهو نموذج اقتصادي تقوم إيران بمقتضاه بالتقليل من الاعتماد على صادرات النفط والتجارة الدولية. وتتمثل الفكرة في أن إيران قادرة على تحقيق أهدافها المالية بالاعتماد على الأسواق الداخلية والتجارة مع الدول المجاورة مثل أفغانستان والعراق وكذلك مع الصين التي وافقت مؤخرا على شراكة اقتصادية وأمنية كبيرة مع إيران.
ويوضح تقية أن هذه الرؤية الاقتصادية غير عملية بالنسبة إلى دولة ما زال النفط يمثل مصدر دخلها الأساسي، ولكنها السبيل الذي لجأ إليه المحافظون لحماية إيران من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليها بعد قرار الرئيس السابق دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي في عام 2018.
ويخضع رئيسي نفسه للعقوبات الأميركية بسبب دوره في “لجنة الموت” التي أشرفت على إعدام السجناء السياسيين في عام 1988، وبسبب مشاركته في قمع الحكومة لاحتجاجات الحركة الخضراء عام 2009. ومن ناحية أخرى صرح رئيسي في أول مؤتمر صحافي له الاثنين الماضي بعد نجاحه في الانتخابات أنه لن يجتمع بالرئيس الأميركي بايدن.
وتعول الحكومة الإيرانية المحافظة الجديدة على انفراجة وشيكة في مفاوضات الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأميركية القاسية على الاقتصاد المأزوم من أجل تفادي اضطرابات اجتماعية تهدد نظام الحكم، فيما يحذر مسؤولون من أن اندلاع الاحتجاجات سيكون حتميا إذا فشل الرئيس الجديد في العثور على علاج لآلام الاقتصاد.
وتزامنت الانتخابات الرئاسية الإيرانية مع تنامي مشاعر الإحباط لدى الإيرانيين وتدهور مقدرتهم الشرائية، ما يثير مخاوف من هبة شعبية جديدة كالتي اندلعت في العام 2017 ورفعت شعارات إسقاط النظام. وسيفتح إحياء الاتفاق النووي الباب أمام الحكومة الجديدة لادعاء أنها صاحبة الفضل في تحقيق أي مكاسب اقتصادية تجنيها البلاد.
ومن المرجح أن يستتبع إحياء الاتفاق رفع القيود الأميركية الصارمة التي تخنق صادرات النفط، مع بدء تدفق العائدات في مستهل ولاية الحكومة الجديدة. وفي ظل أوضاع اقتصادية بائسة يشعر بها المواطنون في الداخل لا يستطيع حكام إيران المجازفة بالعودة وبدء المحادثات من الصفر بعد الانتخابات.
ويمثل الاقتصاد مكمن الخطر ونقطة الضعف الأساسية للمحافظين. ومن بين أشد المؤيدين للمؤسسة من الطبقة العاملة وحتى نخبة رجال الأعمال يشعر الجميع بوطأة التضخم والبطالة وتراجع المقدرة الشرائية.
ويتخوف رجال الدين في إيران من عودة احتجاجات الشوارع التي اجتاحت البلاد في 2017، فيما يعترف المسؤولون بضعف السلطات أمام الغضب الناجم عن تفاقم الفقر.
وقال مسؤول حكومي إن “التحدي الأكبر في انتظار رئيسي هو الاقتصاد”، مضيفا أن “اندلاع الاحتجاجات سيكون حتميا إذا فشل في العثور على علاج لآلام الاقتصاد”.
وترتفع أسعار السلع الأساسية كالخبز والأرز يوميا. وبالنسبة إلى الكثيرين أصبحت اللحوم حلما بعيد المنال بعد أن قفز سعر الكيلوغرام الواحد إلى ما يعادل 40 دولارا فيما يقف الحد الأدنى للأجور عند حوالي 215 دولارا.
وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي من المتوقع أن يزيد التضخم إلى 39 في المئة هذا العام ارتفاعا من 36.5 في المئة خلال العام الماضي، في حين سيقفز معدل البطالة إلى 11.2 في المئة هذه السنة ارتفاعا من 10.8 في المئة خلال 2020. وطرحت عدة وسائل إعلام إيرانية اسم رئيسي خلفا محتملا للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
واعتبر محللون أن احتمالات تولي رئيسي منصب المرشد يوما ما تبقى غير مؤكدة وأن حظوظه في ذلك قد تتأثر سلبا بطريقة تعامله مع التحديات الاقتصادية التي سيواجهها. ويشير هؤلاء إلى أن فشل رئيسي في حلحلة المشاكل الاقتصادية المتراكمة سيبدد النظر إليه كقائد مستقبلي.
العرب