كان الرئيس العراقي برهم صالح أول الرؤساء العرب المهنئين للرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، حيث أكد في برقية التهنئة أن العراق يتطلع إلى تعزيز العلاقات الراسخة مع إيران الجارة وشعبها الذي تربطه بشعبنا وشائج حضارية وثقافية واجتماعية أصيلة ومتجذرة عبر التاريخ، مشيرا إلى أن لإيران الدور المهم في الوقوف مع العراقيين في محاربة الإرهاب والتطرف، والمساعدة في مواجهة التداعيات التي تُهدد أمن وسلام منطقتنا التي تكتنفها الصراعات والأزمات.
وحسب المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي فإن الكاظمي أجرى اتصالا هاتفيا مع رئيسي أكد فيه أهمية تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وتطلعه إلى المزيد من التعاون المشترك في مختلف المجالات، لا سيما الاقتصادية والأمنية، وفي مجال محاربة الإرهاب، وبما يعزز أمن واستقرار البلدين والمنطقة. السؤال الذي يطرح في هذا السياق، هل من جديد في سياسة رئيسي تجاه العراق؟
في الثامن عشر من هذا الشهر، انتخبت إيران إبراهيم رئيسي رئيسًا جديدًا لها، و تلفت الانتباه تصريحاته في أول مؤتمر صحافي بعد انتخابه، بصدد عدم استعداد إيران التنازل عن نفوذها الإقليمي وخاصة في العراق الذي يعد المجال الحيوي لها.
فقد صدرت عن رئيسي رسمت بعض مراحل المقبل من الأيام حيال سياسة إيران تجاه العراق فقد تعهد بالسير على نهج الثورة، معتبرا أن فوزه في انتخابات “رسالة” شعبية بضرورة حماية “قيم الثورة”، مؤكدا أن القضايا الإقليمية التي تتبناها بلاده “غير قابلة للتفاوض”.
وخلال مؤتمره الصحفي الأول، بعد فوزه في الانتخابات التي جرت الجمعة الماضي، لم يذكر رئيسي العراق بالاسم، لكنه لمح بشأنه بشكل لم يكن مريحا بالنسبة للعراقيين.
وقال رئيسي إن الانتخابات “استمرار نهج الخميني، والمضي على درب قاسم سليماني”، فأوحت هذه العبارة وغيرها باستمرار سياسة التدخل الإيرانية في العراق، التي بناها الحرس الثوري، صانع الميليشيات الأول في المنطقة، وهو المرتبط بدوره بمرشد النظام الإيراني، صاحب الكلمة الفصل في السياسة الخارجية. وأكد الرئيس الجديد أنه لن يقدم “تنازلات” فيما يخص السياسات الإيرانية في المنطقة.
وفي مقابل هذه الردود الرسمية، بدت بعض الأوساط السياسية ومنتديات النقاش العراقية غير مكترثة بنتيجة الانتخابات، وما ترتب عليها، وهذا يعود في جزء كبير منه، إلى إزاحة المنافسين الأقوياء، والإبقاء على المتشددين (في المنافسة على الرئاسة الايرانية)، وهو ما جعل نتيجة الانتخابات محسومة سلفا، لدرجة أن رئيسي وصف بـ”مرشح المرشد” الذي عبّد الطريق أمامه في السباق الانتخابي.
ويرى المتابعون للشأن العراقي أن الانتخابات الإيرانية لم تلق اهتمامًا واسعًا في الأوساط العراقية، نظرًا للاعتقاد السائد بأن النتيجة محسومة بعد هندسة طريقة المشاركة للمتنافسين في مجلس صيانة الدستور، ولاعتقاد كثير من العراقيين أن السياسة الإيرانية المتعلقة بالعراق منوطة بفيلق القدس (التابع للحرس الثوري الإيراني)، أكثر من وجه الدولة في إيران والتي يمثلها رئيس الجمهورية في هرم السلطة.
ويرى المتابعون إن عبارة عن نسخة مصغرة من المرشد خامنئي فهو رجل دين يحمل لقب آية الله ويمثل النهج الثوري في إيران، لذا يمكن أن يكون لانتخابه تداعيات على العلاقات الإيرانية مع محيطه خاصة العراق، الذي يمثل مجالًا حيويًا وإستراتيجيا لإيران لاعتبارات عديدة.
الا أن هناك قراءة مغاير نسبيًا، ترى أن المنطقة ككل ومنها العراق ربما ستشهد استقرارا نسبيا أفضل من ناحية التدخلات الإيرانية وضبط إيقاعها، وإذا كان هناك عقلاء داخل العملية السياسية فاعتقد أنه ستتوفر لهم فرصة أفضل للتركيز على مطالب الداخل العراقي، وشباب تشرين، ومطالب العراقيين العاديين، لا مطالب إيران ولا الولايات المتحدة الأمريكية أو أي من دول المنطقة”.
وأن مثل هذا الرئيس (على علاته) الذي يتوقع أن يضع يديه على الجناحين المتصارعين (الدولة مقابل الثورة) واللذين طفت أصداء معاركهما على السطح خلال السنتين الأخيرتين، قد يكون هو المناسب، لأنه قوي ومدعوم من المرشد، وعندما يكون في السلطة، سيتمكن من عقد اتفاقات سياسية صعبة”.
وأن المنطقة مقبلة على تفاهمات، ستكون في صالح العراق، لكنه لن يمنح العراقيين، ما يطمحون إليه، لكن ربما لن تتعقد الأوضاع، وتصبح أسوأ.
وتتمثل المخاوف في العراق، من تأثير فوز رئيسي، على عدة ملفات أبرزها؛ الميليشيات المسلحة، والدعم المعنوي والمادي، الذي تحصل عليه من إيران، ومدى التغير الذي قد يحصل بعد فوز رئيسي، وفيما إذا سيزيد هذا الدعم وإطلاق اليد في المنطقة أم لا.
بالإضافة إلى دعم فصائل سياسية متشددة، وإعادة الحرس القديم إلى سدة الحكم، بعد انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر المقبلة، عبر دعم شخصيات سياسية موالية لإيران، وهو ما يعني عودة البلاد إلى المربع الأول، وهدم ما تحقق خلال الفترة الأخيرة من توازن في سياسات العراق تجاه المنطقة والمحيط العربي.
وترى التحليلات السياسية أيضًا، أن فوز رئيسي سيؤثر بشكل سلبي جدا على الوضع العراقي، لأنه أعاد منصب رئاسة الجمهورية الذي كان يمتلك حلقات في التعامل مع الملف العراقي، إلى الحرس الثوري، مما يعني منحه (الحرس) مساحة أكبر للتحرك والتأثير، وجعل الدور الأكبر لفيلق القدس في الداخل العراقي.وتوضح هذه التحليلات، الفوز سيعزز تأثير المليشيات الولائية، في العراق، ما يعني بروزها بشكل أكبر على مستوى السياسة الداخلية.
جماع القول، هناك رؤيتان متعارضتان تتنافسان في العراق؛ الأولى تريد للعراق أن يكون جزءاً من «الجمهورية الإسلامية» وأن يتبع أجندتها، وأن تختزل الهوية العراقية ضمن هذا الإطار. صحيح أن هناك خلافات بين من يؤمن بهذه الرؤية، ولكن العامل الجامع بينها هو الاعتماد على طهران والإيمان بتصدير ثورتها. وعلى الرغم من أن نواياها توسعية ومضرة بمصالح العراق، فإنه لا بد من الاعتراف بأن إيران دائماً تخطط على المدى البعيد، وتستطيع أن تبني استراتيجيات تخدم مصالحها. وتريد طهران لهذه الرؤية أن تكون أساس القواعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق وعدد من الدول العربية الأخرى. هذا هو ما يعنيه الدستور الإيراني في «تصدير الثورة».
أما الرؤية الثانية، فهي وطنية تريد أن تجعل من العراق دولة مستقرة تتمتع باستقلال قراراتها. وصحيح هناك انقسام بين من يتبع هذه الرؤية بسبب التوجهات الدينية والسياسية، إلا أن العامل الجامع هو رفض محاولات إيران لخرق السيادة العراقية. بعض من يؤمن بهذه الرؤية يريد أن يشكل تحالفات مع أطراف أخرى، مثل الولايات المتحدة وتركيا وغيرهما، للتصدي لطهران. ولكن في النهاية، التصدي للتوغل الإيراني واحترام استقلال العراق يحتاج إلى بناء الدولة ومؤسساتها وحماية سيادة القانون فيها.
وحدة الدراسات العراقية