عمامة الرئيس الإيراني المنتهية ولايته حسن روحاني بيضاء وعمامة الرئيس الإيراني القادم إبراهيم رئيسي سوداء. هناك فرق كبير بين العمامتين. فالأولى لا تعني أن لصاحبها حصة في “الخمس” الذي يتمتع به صاحب العمامة الثانية.
هل كان الولي الفقيه، مرشد الثورة يكره روحاني بسبب عمامته البيضاء ويحبّ رئيسي بسبب عمامته السوداء؟
فكاهة سوداء. فالرجل ذو العمامة السوداء كان ولا يزال مرشحا لخلافة الولي الفقيه في منصبه الروحي ذي الصلاحيات المطلقة. رئيسي هو المرشد الانقلابي الإيراني المقبل. ولكن ذلك لا يعني أن صاحب العمامة السوداء هو أكثر إيمانا بمبادئ الثورة وثوابتها وبالأخص في ما يتعلق بـ”خط” الإمام الخميني من صاحب العمامة البيضاء.
يعمل الاثنان في الخط نفسه وهما جنديان من جنود الثورة وعدوان لكل ما يمكن أن يعرقل مسيرتها وبالأخص على مستوى نشر أفكارها في العالم الإسلامي وهو التعبير الملطّف عن مشروع التوسع الإيراني على حساب سيادة الدول المجاورة لإيران واستقلالها وأمن شعوبها.
الإصلاحي روحاني والمحافظ رئيسي هما وجهان لعملة واحدة سكها الخميني بيده ومهرها بتوقيعه.
لقد استعمل مرشد الثورة علي خامنئي الإصلاحي حسن روحاني خير استعمال في تضليل العالم بشكل مباشر أو من خلال وزير خارجيته محمد جواد ظريف الذي كذب كثيرا من أجل ترقيع السياسة الإيرانية التي تميل إلى العدوان والتوسع والتعالي ورفض الآخر وعدم التعامل بإيجابية مع أي لغة غير لغة القوة.
الإصلاحيون هم القناع الديمقراطي للثورة الدائمة في إيران.
المحافظون هم الجوهر الصلب للثورة الإسلامية التي لا تقف عند حدود إيران بل مساحتها العالم الإسلامي كله.
غير أن الفريقين يستظلان بمظلة الولي الفقيه الذي يتمتع بولاية دينية ودنيوية مطلقة بالنسبة إلى كل مَن يؤمن بمبدأ ولاية الفقيه مثلما ثبتها الخميني.
كانت العمامة البيضاء مفيدة حين احتاجت إيران إلى أن تنقذ مشروعها النووي ولو كان محمود أحمدي نجاد رئيسا يومها لما حصلت إيران على مكافأة أوباما التي درّت عليها مئات المليارات من الدولارات. وبغض النظر عن غضبة الرئيس ترامب فإن الاتفاق النووي الذي توصل إليه الإصلاحيون عام 2015 لا يزال يشكل أساسا للتفاهم بين إيران والعالم.
ما فعله الإصلاحيون لم يكن مجرد عملية تجميل. توزيع أبناء النظام الموالين بين إصلاحي ومحافظ كان أمرا مخططا له، أراد النظام من خلاله ألا يسبب له تشدّده الديني – الطائفي أي حرج إذا ما حدث أي نوع من الصدام مع الخارج. في تلك الحالة تملك إيران وجهها المسالم الذي ينقذها من الوقوع في فخ أعمالها الشريرة. إيران العدوانية وهي إيران الصادقة تحتاج إلى شيء من الكذب لكي تنسجم مع ما يريده العالم منها. هناك رغبة مزدوجة “إيرانية وعالمية” في أن تظهر إيران بوجه غير وجهها وهو القناع الإصلاحي.
واقعيا فإن الإصلاحيين أسوأ من المحافظين. لا لأنهم يكذبون باستمرار ونموذجهم في ذلك محمد جواد ظريف فقط بل وأيضا لأنهم يرتكبون جرائمهم في حق الشعوب الإيرانية ويلحقون الضرر بمصالح شعوب ودول المنطقة بنعومة وهدوء ومن غير ضجيج. لقد ارتكبت إيران أسوأ جرائمها في حق العالم العربي في زمن الإصلاحي روحاني وليس في زمن المحافظ المتشدد نجاد.
انتصار العمامة السوداء في الانتخابات الفقيرة لا يعني أن إيران ستكون أسوأ مع إبراهيم رئيسي رئيسا. علينا أن نتذكر أنها لم تكن أفضل في عهد حسن روحاني. لا روحاني ولا رئيسي يمكنهما منع الحرس الثوري الإيراني من القيام بعملياته على مختلف الأصعدة. كان روحاني هو آخر من علم بأخبار الطائرة الأوكرانية التي أسقطها الحرس الثوري.
ولو كان رئيسي هو الرئيس لحدث الشيء نفسه. إيران لا يحكمها رئيسها بل يحكمها المرشد الأعلى الذي هو القائد العام للقوات المسلحة والأهم من ذلك أن الحرس الثوري، وهو قوة الثورة الضاربة، يتبعه.
وإذا ما كان المحافظون قريبين من قلب الولي الفقيه فإن عقله لا يفضلهم على الإصلاحيين. الفريقان بالنسبة إليه هما أبناء الثورة الذين يجتهدون في تطبيق وصية إمامهم الخميني. كما أنه ليس هناك سبب للخصومة بينهما. في النهاية فإن أحدا منهما لا يمكن أن يحيد عن طريق الثورة. تلك الطريق التي لا يمكن التسامح من خلالها مع أي ظاهرة تسيء للدولة الدينية في الداخل أما في الخارج فإن تصدير الثورة ليس شعارا إنما هو نهج. وكل حكومة، محافظة أم إصلاحية مسؤولة عن تقديم جردة حساب في ما فعلته خدمة لذلك النهج.
يهمّ روحاني أن يسلم الحكم لرئيسي وهو مرضي عنه من قبل المرشد الأعلى. سيكون حريصا على أن تبقى عمامته على رأسه.
العرب