يجمع خبراء ومؤرخون أن الحروب على مر السنوات كانت تلك الوسيلة الجشعة لفرض إرادة دول قوية على دول ضعيفة بهدف السيطرة عليها والاستحواذ على ثرواتها وتحقيق مكاسب إستراتجية، دون الاكتراث لأثار أي تدخل عسكري على الجانب الإنساني وحجم الدمار الذي تخلفه آلة الحرب.
وفيما تقدم المؤرخة مارغريت ماكميلان في كتابها “كيف أعادت الحروب تشكيلنا” قراءة مختلفة لمفهوم الحرب بالنسبة إلى الأميركيين وفي تقديرها تحولت إلى ثقافة، حيث كان الرأي العام كما القادة العسكريون مساهمين فيها وداعمين لاستخدام العنف والقوة في سياستهم الخارجية على مدار تاريخ البلاد وحكوماتها المتعاقبة، إلا أن الكاتب جيم مايلز يدحض أطروحة كتابها التي برأيه لم يقدم أسبابا مقنعة وكافية لدوافع الحرب اليوم.
مارغريت ماكميلان تناقش الرأي العام كما لو كان للجمهور رأي فعلي في تحديد اندلاع الحرب
وكتب مايلز قائلا “كدت أنتهي من قراءة كتاب ‘كيف أعادت الحروب تشكيلنا’”. هو كتاب لا يستحق القراءة، ولكني قرأته على أي حال، لاسيما وأن ماكميلان هي كاتبة تاريخ ممتازة. مجلداها اللذان قرأتهما – “باريس 1919″ و”الحرب التي أنهت السلام” – عبارة عن تاريخ مكتوب بشكل جيد، ويمكن الوصول إليهما بسهولة وهما لجميع مستويات القراء. ولكن لسوء الحظ، لم تذكر ماكميلان من أول العنوان وحتى محتوى الكتاب الشكل الذي نحن عليه اليوم نتيجة كل حروبنا.
ويشير العنوان إلى أن الحرب قد أعادت تشكيلنا، كما لو كانت قوة طبيعية بنفس الطريقة التي يجادل بها الاقتصاديون بأن “الأسواق الحرة” قوة طبيعية. فكلاهما من صنع الإنسان، وعند قراءة الكتاب يتضح أن العنوان كان يجب أن يقرأ “الحرب – كيف نزرعها”. من المؤكد أنها تعيد تشكيلنا، لكن غلبة اللغة المستخدمة في أوصافها في جميع أنحاء الكتاب تشير إلى أنها ثقافة “التطوير بالتدريب؛ والتطور الفكري”. وعندما يتم زراعة شيء ما، يكون في طور “الاستعداد للنمو”، وهو في ثقافتنا إعداد ونمو الحرب والعسكرة والمؤسسات والسلوكيات المرتبطة بها.
ويشير اختيار ماكميلان للغة تمامًا إلى الكيفية التي تزرع بها الإنسانية الحرب. وأثناء مناقشتها كيف يُفترض أن تعيد الحرب تشكيلنا، تستخدم لغة الثقافة الاجتماعية، وبعض الكلمات أشد من غيرها.
وتناقش مكميلان الرأي العام كما لو كان للجمهور رأي فعلي في تحديد اندلاع الحرب، لكن الرأي العام يتحدد في الغالب بواسطة وسائل الإعلام في ذلك الوقت – فقط اقرأ بعض تواريخ راندولف هيرست وإدوارد بيرنايز من بين آخرين. كما أنها تستخدم مصطلح “الثقافة العامة”، وبنفس الطريقة، تتشكل الثقافة العامة بشكل أساسي من قبل وسائل الإعلام: يتم التلاعب بها وإدارتها وإضفاء الشرعية عليها من خلال هذه المؤسسات.
وتستخدم كلمة “عديم الضمير” عادة لوصف الديماغوجيين وبعض العسكريين، لكن كلمة “دقيق” تشير إلى أن الشخص “يمتلك الحس والضمير حتى في الأمور الصغيرة، لا يتجاهل التفاصيل، يعمل بدقة متناهية، ولا يفشل”. ومن المؤكد أنّ الديماغوجيين والعسكريين يمكن أن يكونوا دقيقين للغاية، فقط لأنهم مدمرون لا يعني أنهم لا يمتلكون مقومات العقلية العسكرية التي يتم غرسها وتقديسها على المستوى الداخلي.
أطروحة مهتزة ترتد في الزمان والمكان وبين الحقيقة والخيال
وبعيداً عن العنوان وأخطاء اللغة اللاحقة، تم وضع الحجج المتعلقة بالموضوع المختار بشكل سيء. تستخدم ماكميلان الكثير من العلاقات المشتركة بين الحرب وتأثيراتها لكنها لا تؤسس أي علاقات سببية حقيقية.
معلوماتها الداعمة لأطروحتها المهتزة ترتد في الزمان والمكان وبين الحقيقة والخيال. يمكن أن يكون هذا المزيج مسليًا، ولكنه مفيد فقط لمحبي التوافه الغامضة للحرب. وبمعنى ما، هناك الكثير من التاريخ، لكن القارئ لا يستطيع فهم أي حدث تاريخي واحد أو أي تدفق تاريخي من هذا المزيج من الأفكار.
وبرأي مايلز فإن أكبر فشل للكتاب هو وصف شكل العالم، أو الأمة، أو المنطقة، بعد كل الحروب التي “أعادت تشكيلنا”، حيث لا يوجد وصف متماسك للدولة العسكرية الأميركية الحالية، وثقافتها الحربية و”شكلها” المفترض في التعامل مع الناتو والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وإسرائيل والإرهابيين وثورات ذوي البشرة المختلفة والحروب الأهلية وسوريا وإيران، وجميع الحروب الصغيرة الأخرى التي استخدمتها وكالة المخابرات المركزية من أجل الاحتفاظ بالهيمنة الأميركية “الاستثنائية” و”التي لا غنى عنها”.
ولم يتم تقديم أيضا أي وصف للتأثيرات الاقتصادية في ثقافة الحرب الأميركية على الرغم من أن القوة والجشع والسيطرة والأرباح التي تجنيها الدولة العسكرية لها تأثير هائل على حياة المواطنين الأميركيين ومواطني العالم. تدعم السيطرة على النفط ونقله عملة الاحتياط العالمي للولايات المتحدة، البترودولار، ولها تأثيرات هائلة في جميع أنحاء العالم وبشكل خاص في الشرق الأوسط.
ولم يتم التعامل مع العنصرية والاستعمار كأمر مقدس وضروري من قبل “الكنيسة والدولة ووسائل الإعلام التي تبرر لماذا يمكن للبيض استعباد وقتل الآخرين”. في حين لا تستطيع الدول العسكرية، لاسيما تلك التي تسعى إلى السيطرة، أن تفعل ذلك دون دول أخرى، أي دون عدو يحفز الجماهير على منحها المزيد من القوة وتجاهل المشاكل الداخلية.
ويستنتج مايلز أن كتاب “كيف أعادت الحرب تشكيلنا” لا يشكل أطروحة بشكل صحيح، ولا يقدم أي دعم مقنع، وهو ما لا يمكنه فعله إذا كانت الأطروحة مفقودة أو ضحلة، ولا يقدم إجابة واضحة عن الشكل الذي أصبح عليه واقع الحروب اليوم.
صحيفة العرب