بغداد – أعاد الحادث المأساوي في مستشفى عراقي قبل أيام قليلة تسليط الضوء من جديد على الوضع الكارثي الذي يعيشه القطاع الصحي في العراق، البلد المهدد بخسارة معركته ضد فايروس كورونا في ظل استفحال عدد الإصابات والاكتظاظ المسجل في مستشفياته.
وأظهرت شهادات لأطباء يعملون في أكثر من مستشفى داخل العراق حجم الإهمال والفساد وسوء الإدارة الذي تعانيه تلك المستشفيات وسط “هروب جماعي” من المسؤولين عن تحمل أيّ مسؤوليات مادية أو معنوية جراء تكرار مآسي الحرائق في مستشفيات تستقبل مرضى وباء كورونا.
ويؤكد أطباء عراقيون أنهم يخسرون المعركة ضد الوباء، وأن هذا الحال كان حتى قبل أن يتسبب حريق مدمر في مدينة الناصرية في مقتل العشرات من الأشخاص في وحدة عزل مرضى كوفيد – 19.
وارتفع عدد الإصابات في العراق إلى مستويات قياسية في الموجة الثالثة التي حفزها انتشار متحوّر دلتا الأكثر شراسة، وأصبحت المستشفيات العراقية التي تعرضت للإهمال منذ فترة طويلة تعج بالمرضى المصابين بأمراض خطيرة، لكن كثيرا منهم كانوا من الشباب هذه المرة.
ويسعى الأطباء عبر شبكة الإنترنت للحصول على التبرعات والأدوية والأوكسجين المعبأ، كما يبحث أقارب المرضى في وسائل التواصل الاجتماعي عن أسرّة في المستشفيات لأحبائهم.
ويقول سرمد أحمد، وهو طبيب في مستشفى الكِندي في بغداد، إن “الفوضى نفسها تتكرر كل صباح، حيث تعج الأجنحة بالمرضى”.
وازداد الغضب على نطاق واسع ضد الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، بالإضافة إلى انعدام الثقة في نظام الرعاية الصحية المتهالك بعد حريق مستشفى الحسين التعليمي في مدينة الناصرية جنوب العراق، وهو ثاني حريق كارثي في جناح مرضى فايروس كورونا في أقل من ثلاثة أشهر في البلاد.
ولقي ما لا يقل عن 60 شخصا مصرعهم في حريق الناصرية، واعتقل على خلفية ذلك ثلاثة مسؤولين بينهم مدير المؤسسة، وصدرت عشرة أوامر قبض أخرى من القضاء، لكن ذلك لم يهدئ غضب المواطنين.
كما قالت السلطات الصحية في ذي قار إن العديد من مديري المستشفيات في المحافظة استقالوا من مناصبهم تاركين إدارة المؤسسات لموظفين أقل أهلية. ويلقي الكثيرون في العراق اللوم على الفساد وسوء الإدارة في النظام الطبي في الكارثة.
يقول أطباء عراقيون لوكالة أسوشيتد برس إنهم باتوا يخشون العمل في أجنحة العزل سيئة البناء، وانتقدوا ما وصفوه بتراخٍ في إجراءات السلامة.
وتنقل الوكالة عن هديل الشبل، وهي طبيبة في بغداد تعمل في جناح عزل جديد شبيه بجناح الناصرية، قولها “أشلّ تفكيري قبل أن أدخل ردهة مستشفى في العراق لأن كل مستشفى معرض لخطر نشوب حريق في كل لحظة. ماذا أستطيع أن أفعل؟ لا أستطيع ترك وظيفتي. لا يمكنني تجنب مهامي. كما أن المرضى غير مستعدين للعلاج داخل هذه المستشفيات، ولكنه أمر خارج عن إرادتهم”.
ولم يكن حادث الناصرية الوحيد، حيث توفي ما لا يقل عن 82 شخصا معظمهم مرضى كانت أعراضهم شديدة واحتاجوا إلى أجهزة التنفس الصناعي بعد انفجار خزان أوكسجين في مستشفى ابن الخطيب ببغداد في أبريل الماضي. وأثار هذا الحريق ردود فعل غاضبة وواسعة دفعت وزير الصحة حينها حسن التميمي المدعوم من التيار الصدري إلى الاستقالة.
وفي كارثة مستشفى الحسين الجديدة ألقي اللوم على الأخطاء في البناء وممارسات السلامة غير الملائمة، بما في ذلك التعامل غير السليم مع أسطوانات الأوكسجين. وجرى بناء الجناح الذي يضم 70 سريرا في مستشفى الحسين قبل ثلاثة أشهر باستخدام ألواح الجدران الداخلية شديدة الاشتعال، وفقا للعاملين بالمستشفى ومسؤولي الدفاع المدني.
وتقول وكالة أسوشيتد برس إن أقارب مرضى كوفيد – 19 جلسوا على الأرض لعدم وجود كراس في غرفة طوارئ رئيسية في بغداد خلال الأسبوع الماضي، في إشارة إلى الاكتظاظ الذي تعانيه المستشفيات وسوء الخدمات داخلها.
ومع محدودية مساحة المستشفى نقلت الوكالة عن الطبيب سمرد أحمد طلبة من مديرية صحة بغداد أن ترشده إلى أين يرسل المرضى “يقولون أرسل خمسة مرضى إلى هذا المستشفى، وخمسة آخرين إلى آخر، وهكذا”.
لجأت هديل المعيني، طبيبة أسنان في بغداد، إلى فيسبوك للعثور على سرير لوالدها المصاب بفايروس كورونا. وكتبت متوسلة “لا يستطيع التنفس، بشرته تتحول إلى اللون الأزرق. لم يستطع المستشفى استقبالنا”.
وفي مدينة كربلاء الجنوبية توسل أطباء عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتبرع بريمديسيفير، وهو دواء مضاد للفايروسات يستخدم لعلاج مرضى كورونا.
وتقول هديل الشبل إن الأدوية وأجهزة التنفس الصناعي تنفد في مستشفاها، ويحتاج 60 في المئة من مرضى كوفيد – 19 إلى أجهزة التنفس.
ويلقي الأطباء باللوم على التردد في تناول اللقاحات في الزيادة الحالية ويخشون أن يكون العدد الفعلي للعدوى أعلى من أرقام وزارة الصحة العراقية، حيث يمتنع الكثير من العراقيين عن الاختبارات لأنهم لا يثقون في المستشفيات العامة.
وتقول علياء ياس، طبيبة الأطفال في مستشفى النعمان التعليمي ببغداد، إنه لأول مرة منذ بداية الوباء يأتي الأطفال إلى المستشفى وهم يعانون من أعراض الفايروس الشديدة.
وجرى تطعيم أقل من 3 في المئة من سكان العراق، وفقا لمسؤول في وزارة الصحة. وكانت الوزارة ألقت باللوم علنا على الجمهور لانتهاكه القيود الوبائية، في الوقت الذي أعرب فيه أطباء وعاملون في الصحة عن مخاوفهم للمدراء دون نتائج تذكر.
ويؤكد محمد جمال وهو طبيب سابق في مستشفى الصدر التعليمي بالبصرة، أنه واجه لجنة تفتيش بالوزارة وتساءل “لماذا لم يُعَد تخزين الأدوية أو استبدال أجهزة إطفاء الحريق؟ أين نظام الحريق؟ لكنهم لم يستمعوا”.
العرب