أدى بشار الأسد القسم الدستوري أول أمس السبت، في مشهد بات معتادا لدى رأس النظام السوري الذي «فاز» قبل شهرين بانتخابات رئاسية جديدة، وهي المرّة الرابعة منذ تولّيه السلطة عام 2000.
تعوّد السوريون، منذ صعود الأسد إلى سدّة السلطة، بالصدفة، كبديل عن أخيه باسل، الذي قتل في حادث سيّارة، ووريث لأبيه حافظ، الذي حكم البلاد ثلاثين سنة أخرى، على التمسك الساخر بالشكليات، من قبيل إجراء انتخابات لا يمكن لأحد أن يفوز فيها غيره، بالتناظر مع الاستخفاف الكبير بعقول السوريين، وبالشرع القانونية، وبالدستور الذي تم القسم عليه.
أقسم الأسد إذن على احترام دستور البلاد وقوانينها ونظامها الجمهوري، وأن يرعى مصالح الشعب وحرياته، وأن يحافظ على سيادة الوطن، واستقلاله، وحريته، والدفاع عن سلامة أرضه، وأن يعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ووحدة الأمة العربية.
ينكأ تعداد تفاصيل هذا القسم جروح الشعب السوري الملتهبة، سواء من كان يقاسي منه شظف العيش في خيام اللاجئين والمهجرين، أو من يحاولون البحث عن موطئ قدم أو ملجأ في المنافي والشتات، أو الباقين منهم في مناطق سيطرة النظام.
يعلم السوريون أن كلمات مثل الدستور والقوانين هي مثار للسخرية لدى العائلة الحاكمة وطغمتها العاملة في سجون ضباط المخابرات وعصابات التشبيح والخطف والقتل، وأن النظام «الجمهوري» ليس إلا آلية لتداول السلطة من الأب الدكتاتور إلى الابن الذي فاقه طغيانا ووحشية، وأن مصالح الشعب صارت بددا بعد حرب الحفاظ على العرش ومنع الديمقراطية، وأن سيادة الوطن صارت نهبا لأشكال الميليشيات المتعددة الأعراق والجنسيات والأهداف، وأن الأرض التي يقسم الأسد على سلامتها تعاني من ألوان الاحتلالات والعسف والتغيير الديمغرافي، وأن جيش نظام الأسد هو أسوأ هذه الجيوش عسفا بشعبه.
كان مثيرا، ضمن النقطة الأخيرة، أن الأسد ذكر ضمن الاحتلالات المذكورة «الإرهابيين والأتراك والأمريكيين» ولم يغفل فقط عن الاحتلالين الإيراني والروسي، بل غفل أيضا عن ذكر الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى عادته التي جرى عليها في الظهور في مناطق شهدت معارضة للنظام، كما فعل بالذهاب إلى مناطق الغوطة وبلدة داريا، فقد ذهب الأسد هذه المرة إلى ضاحية الميدان مع عائلته حيث تناولوا، وهم يتضاحكون، لفافة من «الشاورما» وهو ما استدعى تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي من معارضين أشاروا إلى أن تلك الوجبة «المتواضعة» التي امتدحها الفنان الكوميدي دريد لحام (كشكل من أشكال التواضع الرئاسي) تكلف موظفا في الدولة السورية ربع راتبه.
بعد إلقاء اللوم في الأزمة السياسية التي تعيشها سوريا على «الإرهابيين» والأمريكيين والأتراك، استخدم الأسد طريقة لوم الخارج نفسها فيما يخص الأزمة الاقتصادية حيث زعم أنها متعلقة بأكثر من أربعين مليارا للسوريين تمنع عودتها أزمة المصارف اللبنانية، وهو ما رد عليه الرئيس اللبناني السابق للجنة الرقابة على المصارف بتقدير أموال السوريين المودعة في المصارف اللبنانية بسبعة مليارات، فيما علّق مصرفيّ لبناني بالقول إن «جنسية أي مودع لا تمنح دولته الأصلية حق الشراكة بأمواله في الداخل».
بعض الصحافيين المدافعين عن النظام السوري رأوا في «صمود» الليرة السورية بحدود 3000 أمام الدولار مقارنة بـ23000 ليرة لبنانية، لم يدخلوا في المعادلة لا أن راتب الموظف السوري يعادل 20 دولارا، ولا أن حجم الارتفاع في سعر الليرة اللبنانية بين 1992 حتى الآن هو 20 ضعفا بينما هو في الحالة السورية 60 ضعفا.
إضافة إلى «الرسالة الإسرائيلية» غير المباشرة، فقد عاد الأسد إلى رسالته الأصيلة والأكبر التي قدّمها للسوريين، وهي رسالة القتل المستمرة، فبعد القسم بساعات عاودت قوّاته قصف الأبرياء في شمال غرب سوريا، فتوّجت أركان القسم الدستوري بمجزرة جديدة راح ضحيتها 13 مدنيا بينهم 7 أطفال و3 نساء وجرح فيها العشرات.
القدس العربي