لوّح التيار الصدري بالعودة عن القرار الذي اتّخذه زعيمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بمقاطعة الانتخابات البرلمانية المبكّرة المقرّر إجراؤها في العراق في العاشر من شهر أكتوبر القادم، متوعّدا بمنع ما سمّاه “الحرس القديم” من العودة مجدّدا إلى الحكم، في إشارة إلى القوى السياسية التي حكمت البلاد بعد 2003 ويقودها خصوم ألدّاء للصدر مثل نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الإسلامية.
وفي أوج استعداد التيار لخوض الانتخابات بهدف واضح ومعلن يتمثّل في تحقيق انتصار كاسح يمكّنه من الهيمنة على البرلمان والحكومة، خرج زعيمه المعروف بمواقفه المتقلّبة وقراراته المزاجية بقرار مفاجئ بمقاطعة الانتخابات وعدم دعم الحكومة التي ستنبثق عنها دون أن يوضّح أسباب ذلك القرار.
غير أنّ عضو التيار الصدري عصام حسين أرجع القرار إلى “المنحى التسقيطي” الذي اتّخذته الأحداث التي حصلت مؤخرا كالحرائق التي اندلعت في المستشفيات وسقوط ضحايا جرّاءها، متّهما كتلا سياسية لم يسمّها بـ”استخدام هذا الملف ضد التيار الصدري وخاصة أنها متخوّفة سياسيا من تصدره للانتخابات المقبلة”، ومضيفا أنّ “خطاب هذه الكتل لم يتغير وهو نفسه الذي أنتج داعش والقاعدة والفساد”.
وكان قرار الصدر بمقاطعة الانتخابات قد جاء عقب حريقين مروّعين في مستشفيين أحدهما في العاصمة بغداد والثاني في الناصرية جنوبي العراق خلّفا ضحايا بالعشرات بين قتلى ومصابين، وإثر ارتباك شديد في تزويد السكان بالطاقة الكهربائية ما جعل أصابع الاتّهام تتجه مباشرة نحو التيار الصدري بالفساد والإهمال في قطاعي الصحّة والكهرباء، اللّذين يتولّى إدارتهما بشكل رئيسي في إطار نظام المحاصصة الذي يدار به العراق وتسيّر وفقه شؤون دولته.
ومثّل ذلك ضربة قوية للتيار وزعيمه الذي لطالما سوّق لصورته كزعيم إصلاحي مختلف عن زعماء الأحزاب والميليشيات الذين قادوا تجربة الحكم الكارثية، التي تسبّبت بتراجع كبير للعراق على مختلف الصعد وفي جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
إلاّ أنّ خصوم الصدر يقولون إنّ تياره كان شريكا في تلك التجربة وإن لم يكن قياديا فيها مقارنة مثلا بحزب الدعوة، بدليل تحكّمه في قطاعي الصحّة والكهرباء وما حدث فيهما من تأخّر قياسا بما كانت عليه الحال قبل ثمانية عشر عاما.
وفي إشارة إلى إمكانية التراجع عن قرار مقاطعة الانتخابات، قال عضو التيار الصدري متحدّثا لشبكة رووداو الإعلامية إنّ “زعيم التيار الصدري سيكون له رأي مختلف في الأيام المقبلة، ولن يسمح بتسلم الحرس القديم للسلطة مرة أخرى، لاسيما أن للصدر ثقلا شعبيا كبيرا”.
ورغم ما أبداه الصدر من عزم على تطبيق قرار المقاطعة وما ساقه من مبرّرات لاتّخاذه مثل “الحفاظ على ما تبقى من الوطن الذي أحرقه الفاسدون ولا زالوا يحرقونه”، وإنقاذه من مصير “سوريا وأفغانستان وغيرهما من الدول”، إلاّ أنّ الكثير من المراقبين اعتبروا القرار تكتيكيا بهدف التغطية على عثرات قطاعي الصحّة والكهرباء، وصرف الأنظار بعيدا عن الخدش في “سمعة” التيار الصدري وزعيمه في وقت غير مناسب كان التيار قد بدأ فيه بالفعل حملة انتخابية مبكّرة استعدادا للانتخابات المصيرية بالنسبة إليه.
وعلى هذه الخلفية ظلّ سيناريو تراجع الصدر عن قراره مطروحا من قبل المراقبين، الذين ذهب بعضهم إلى أنّ الرجّل لن يعجز عن إيجاد مبرّرات للتراجع مثل مناشدات بعض حلفائه له أو خروج مظاهرات شعبية غير تلقائية ومنظّمة من قبل التيار نفسه تناشد زعيمه السماح له بالمشاركة في الانتخابات.
وبعد إعلان الصدر عن قراره وردت بالفعل مناشدات له للتراجع عنه صدرت عن شخصيات سياسية إمّا طامحة إلى تحصيل مكاسب من وراء مشاركة التيار في الاستحقاق الانتخابي كأحد أقوى المرشحين للفوز فيها بالنظر إلى شعبيته، أو متوجّسة من الفراغ الذي يمكن أن يحدثه انسحاب الصدريين وبالتالي اختلال التوازن لمصلحة قوى أخرى مثل حزب الدعوة الإسلامية، الذي لا يرغب الكثير من قادة الأحزاب والتيارات السياسية في فوزه بالانتخابات وعودته مجدّدا للهيمنة على مقاليد السلطة.
وتحقّق مناشدات السياسيين للصدر أولى نتائج قرار مقاطعة الانتخابات حيث تظهره كفاعل أساسي وصاحب دور ضروري في العملية السياسية بالبلاد، وعمليا ترفع عنه حرج التراجع عن القرار.
ويُعرف الصدر الذي تشغل كتلته في البرلمان الحالي المعروفة باسم سائرون أربعة وخمسين مقعدا بمناوراته السياسية المربكة، حيث سبق له أن أعلن في فبراير 2014 انسحابه من العمل السياسي وإغلاق مكاتبه السياسية وحلّ تياره، في قرار هو الثاني له من نفس القبيل وفي ظرف أشهر قليلة، ما جعل مراقبين يعتبرون منذ ذلك الحين أنّ الانسحابات الشكلية أصبحت تكتيكا سياسيا لدى الصدر يهدف من خلاله إلى إحداث الضجيج الإعلامي وتسليط الأضواء على شخصه.
وفي حال تراجع الصدر عن قرار المقاطعة فإنّه لن يحدث سابقة إذ أنّه سبق أن أقسم على عدم المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، ورغم أنّه رجل دين في الأساس فإنّه لم يجد حرجا في التراجع عن قسمه، عندما رأى أنّ هناك فرصة كبيرة له في الانتخابات القادمة التي أقّرت في إثر موجة غضب شعبي عارم من القوى التي حكمت البلاد لقرابة عقدين من الزمان والتي يحاول الصدر التبرّؤ منها وطرح نفسه كبديل عنها.
صحيفة العرب