قبل زهاء ثلاثة أعوام التقيت الدبلوماسي الصيني المخضرم تشانغ مينغ في الرياض، وقتها قدِم كمبعوث لدولته من أجل حلحلة الملف السوري، وعندما سألته عن دعم المعارضة السورية قال: إن مثل هذا الدعم أشبه بصب الزيت على النار.
هذه العبارة قالها وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر الأسبوع الماضي في وصفه للتدخل الروسي في سورية، وهو تأكيد آخر بأن لكلٍ معسكرٍ فلسفته ورؤيته تجاه هذه الأزمة التي تستحكم حلقاتها يوماً بعد يوم على أمل الانفراج.
لكن التطور الحاصل هي الأنباء التي تتحدث عن توجه حاملة الطائرات الصينية (لياونينغ) إلى ميناء طرطوس السوري الذي ترابط به قوات روسية منذ عقود، وحتى الآن لم يصدر أي بيان رسمي من الحكومة الصينية تجاه هذا التحرك الذي يأتي متزامناً مع دخول موسكو على خط المواجهة في سورية، وقصفها مواقع في الداخل السوري ليست تحت سيطرة «داعش» وهو ما أدانته المملكة في وقته، ونخشى أن التفسير الروسي للإرهاب يطابق تفسير النظام، إذ يصف «الأسد» فصائل المقاومة المعتدلة بالإرهابيين، بينما يصفهم الدواعش بالمرتدين.
وعوداً على تلك الخطوة الصينية فإن من الضروري أن نؤكد على نقطة مفادها، أن الصين التي عارضت لمرتين في مجلس الأمن قراراً يدين نظام الأسد بحجة عدم رغبتها في التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومنعها أن تؤول الأمور في سورية كما آلت إليها في ليبيا، عليها أن تدرك بأن التحالف الروسي ضد «داعش» يضم إيران التي تلطخت أيديها بالدم السوري ومعها مليشياتها الطائفية، وإن توسيع قاعدة هذا التحالف أو تشريع أعماله يجب أن يتم في إطار مجلس الأمن الذي لطالما نادت الصين بضرورة اللجوء إليه في حال النزاعات، وأن من الضروري على بكين الالتزام بمبادئ الدولية، وهي تعلم أن التحالف الدولي لمكافحة «داعش»، والتنظيمات المتطرفة، تم المصادقة عليه بموافقة مجلس الأمن، ونأمل ألا تكون الصين جزءاً من تحالف روسيا، وإن كان الحليف الروسي قد عزم على الذهاب بعيداً في هذه الأزمة التي من خلالها يسعى لتنفيذ أجندته، فإن الصين وكما يصرح مسؤوليها ليس لديها أجندة في سورية، ولا مآرب خفية من وراء مواقفها.
في يونيو الماضي نشرت الصين إستراتيجيتها العسكرية فيما يعرف ب»الكتاب الأبيض»، وكان أبرز ما نص عليه هذا الكتاب من مبادىء ب»أن الصين لن تهاجِم مالم تهاجَم»، وإن خطة الذهاب إلى طرطوس قد تجعل الصين في مواجهة مبادئها من جهة، والانجرار إلى أتون فوضى غير معلومة النهايات من جهة أخرى، وهي بذلك تخرج عن استثناء اصطنعته لنفسها، إذ استطاعت الصين اكتساح العالم بما فيها دول أعدائها عبر تجارتها واقتصادها وتنميتها السلمية، في حين فشل الروس أن يكوّنوا أو يستنسخوا هذه التجربة بل ظلوا حبيسي سياساتهم الكلاسيكية.
لقد شبه الكثير من المحللين خطوة موسكو التدخل العسكري في سورية بالتدخل السوفيتي في أفغانستان، وإن الصينين يدركون ما آل إليه ذلك التدخل الروسي وتأثيره على الاتحاد السوفيتي، ونحسب بأن الصينيين أكثر حكمة من الروس، لذا نددت بكين آنذاك بالتدخل ورفضت الحرب السوفيتية، ونأمل أن تسلك الصين نفس الطريق في الأزمة السورية.
أيمن الحماد
صحيفة الرياض السعودية