الخرطوم تحصّن السلام من بوابة التعاون الاقتصادي مع جويا

الخرطوم تحصّن السلام من بوابة التعاون الاقتصادي مع جويا

الخرطوم – استشعرت السلطة الانتقالية السودانية خطورة تصاعد حدة الأوضاع في دولة جنوب السودان إثر الخلافات الراهنة بين فرقاء الحركة الشعبية في المعارضة بقيادة النائب الأول للرئيس رياك مشار وما ترتب عليها من انشقاقات واشتباكات، ما كان دافعًا إلى التحرك في مسارات سياسية واقتصادية عديدة لتجنب حدوث مفاجآت.

وعقد رئيس الوزراء عبدالله حمدوك اجتماعات مع كل من رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت ونائبه رياك مشار خلال الزيارة التي أجراها إلى جوبا الخميس وتستمر حتى السبت وشهدت التوقيع على عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية بين البلدين.

وناقش حمدوك مع سلفاكير الصعوبات التي تواجه تنفيذ اتفاقية السلام مع جنوب السودان والعلاقات الثنائية والوضع الإقليمي. واتفقا على فتح المعابر وتنشيط اتفاقيات التعاون المشترك، إلى جانب تكثيف الجهود لمنع نشاط المجموعات المسلحة بين البلدين.

ويرى مراقبون أن السودان لديه جملة من الأهداف التي يسعى لتحقيقها؛ حيث يستهدف تأمين اتفاق جوبا للسلام الموقع بين السلطة الانتقالية والجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة وتنظيمات سياسية لأن انفلات الأوضاع في دولة جنوب السودان قد تكون له ارتدادات مباشرة على السلام، وأن تهدئة الأوضاع السياسية والأمنية في جوبا تتيح لوساطتها استكمال جهود التسوية مع الحركات المسلحة.

فتح المعابر التي أغلقها البشير في وجه الجنوب يتيح تصدير أكثر من 70 سلعة سودانية بقيمة ملياري دولار سنويا

وأكد المراقبون أن السلطة الانتقالية ترتاح إلى الصيغة الحالية التي توصلت بمقتضاها إلى اتفاق السلام في جوبا، وأن عدم قدرة الدولة الراعية للاتفاق على القيام بأدوارها -على مستوى تنفيذ بنوده أو من جهة التوصل إلى سلام شامل- يتيح لأطراف أخرى فرصة القيام بالدور الذي تقوم به جوبا، وهو أمر يحاول السودان تجنبه عبر استئناف المفاوضات مع الحركة الشعبية شمال جناح عبدالعزيز الحلو وحركة جيش تحرير السودان جناح عبدالواحد النور.

وقرر السودان تعيين السفير عبدالرحمن خميس مبعوثا خاصا للسلام بجنوب السودان، لمراقبة سير تنفيذ اتفاق السلام المنشط بين الحكومة والمعارضة، في خطوة تستهدف الاقتراب من التطورات هناك، بينما استنفر حمدوك جهود منظمة “إيغاد” التي يرأسها للقيام بدور وساطة فاعل بين فصائل الحركة الشعبية المعارضة في دولة جنوب السودان.

وانقسمت الحركة الشعبية التي أسسها الراحل جون قرنق إلى جنوب وشمال منذ انفصال دولة جنوب السودان، وكلاهما أصابه التشظي وحدثت داخله انقسامات قادت إلى أجنحة مختلفة في البلدين.

وشهدت منطقة “المقينص” القريبة من الحدود بين البلدين اشتباكات عنيفة بين قوات منشقة بقيادة رئيس أركان جيش الحركة الشعبية في المعارضة (الجنوبية) سايمون قارويت والجنرال جونسون أولونج اللذيْن انشقا عن جناح مشار، واستُخدمت الأسلحة الثقيلة في مواجهة القوات الموالية لمشار، ولاحقاً أعلنا تنحيته من منصبه.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم صلاح الدين الدومة أن زيارة حمدوك هدفها التوصّل إلى اتفاق يرمم الانشقاقات على مستوى المعارضة التي يتزعمها رياك مشار، ولدى رئيس وزراء السودان رغبة في توحيد صفوف المعارضة الجنوبية، ثم التوفيق بينها وبين السلطة الحاكمة في جوبا.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن السودان يستهدف تحسين العلاقات مع دولة الجنوب وإنهاء التوترات الحدودية التي قد يجري استغلالها من جانب قوى إقليمية معادية لتوجيه سهامها إلى الخرطوم، وأن الزيارة لا تنفصل عن مساعي تأمين الحدود الشرقية مع إثيوبيا عبر سد المنافذ أمام أي تهديدات آتية من الجنوب.

ولفت إلى أن السودان يخشى أن يكون التوتر في دولة الجنوب دافعًا نحو استقطاب الحركات غير الموقعة على اتفاق سلام في الشمال أو المعارضة المسببة لإزعاج السلطة الانتقالية، وفي تلك الحالة سيتحول الجنوب إلى شوكة في ظهر المرحلة الانتقالية، لذلك يسعى حمدوك لتحريك عملية السلام المتوقفة مع حركة الحلو.

ويؤكد متابعون أن تعزيز التعاون الاقتصادي وإعادة فتح المعابر وتنشيط اللجان الوزارية والأمنية بين البلدين عربون تقدمه الخرطوم إلى سلطة جنوب السودان لتحصينها من أي محاولات لاستقطابها جهة محاور معادية تستهدف زعزعة استقرار دولة الشمال، وما تفعله حاليا دين مستحق للحفاظ على موازين القوى السياسية.

وأعلنت مصلحة الملاحة النهرية السودانية بوزارة النقل انتهاء الاستعدادات لاستئناف أول رحلة إلى جنوب السودان، بدءاً من الفاتح من سبتمبر المقبل، مؤكدة التوصل إلى اتفاق بشأن فتح المعبر النهري في كوستي (جنوب) لاستئناف الرحلات بين الدولتين، تنفيذا لتفاهمات الخبراء من الجانبين من أجل تحقيق تبادل المنافع التجارية والاقتصادية.

وبحسب اقتصاديين فإن فتح المعابر التي أغلقها نظام الرئيس السابق عمر البشير في وجه الجنوب يتيح تصدير أكثر من 70 سلعة سودانية بقيمة ملياري دولار سنويًا، ويتوقع هؤلاء أن يكون الاتفاق مربوطا بالاستيراد عبر الموانئ السودانية بنظام الترانزيت، ثم يتم إرسالها إلى الجنوب، حيث تحصل الخرطوم على رسوم العبور والرسوم السيادية، مقابل اتفاق آخر مع جوبا تحصل بموجبه على السلع التي تحتاج إليها.

ووجه رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان في يونيو الماضي كافة اللجان والأجهزة المعنية بقضايا الحدود والمعابر بالانتهاء من أعمالها في أقرب وقت ممكن لفتح المعابر والطرق التي تربط السودان ودولة الجنوب بشكل دائم.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم إبراهيم كباشي أن تجربة الجنوب بعد عشر سنوات من الانفصال أثبتت أن المخرج الأساسي للأزمات السياسية والاقتصادية يكمن في التعاون الاستراتيجي مع الشمال.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن فتح المعابر يخلق فرصا كبيرة للبلدين على مستوى تشجيع القطاع الخاص والاستفادة من عوائد التصدير بدلاً من عمليات التهريب، وأن السودان لديه رغبة في الاستفادة من سوق الجنوب في إطار سياسة الانفتاح الاقتصادي على أسواق إقليمية عدة، والجميع ينتظر الفاتح من سبتمبر للتأكد من تفعيل الاتفاقيات بين البلدين.

العرب