كابول – تروّج حركة طالبان المتشددة على أنها ستحارب وتحظر تجارة الهيروين وإنتاجه في أفغانستان، التي تمتلك نحو 90 في المئة من الأفيون غير المشروع في العالم.
ولا تبدو تصريحات قادة الحركة بشأن منع تجارة الأفيون جدية في الوقت الذي تعتمد فيه طالبان على تلك التجارة التي تدر عليها مئات الملايين من الدولارات، وفقا لتقديرات سابقة للحكومتين الأميركية والأفغانية.
وعادت التساؤلات مجددا حول تلك التجارة مع السيطرة الكاملة لمقاتلي حركة طالبان على أفغانستان وإحكام سيطرتهم على العاصمة كابول في الخامس عشر من أغسطس الجاري.
ويشكك خبراء في الوعود التي أطلقتها حركة طالبان بشأن الكف عن إنتاج الهيروين، والذي زاد بشكل كبير في أفغانستان في السنوات الأخيرة وساعد في تمويل تحركاتها وعتادها العسكري.
وبينما يعتبر الذهب أحد أهم الصادرات الرئيسية لأفغانستان الغنية بالمعادن النادرة، إلا أن زراعة الخشخاش وصادرات الأفيون والهيروين التي تتم عبر التهريب تتفوق بالأرقام على صادرات المعدن الأصفر.
جوناثان غودهاند: المخدرات أصبحت مصدرا حيويا لطالبان وتوجد صعوبة في حظرها
وتظهر أرقام رسمية أن صادرات أفغانستان من الذهب بلغت نحو مليار دولار، بينما تجاوزت صادرات المواد المخدرة نحو أربع مليارات دولار، بحسب أرقام مكتب المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة.
ويقول المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد إن السلطات الجديدة في كابول لن تحول أفغانستان أكبر منتج للأفيون في العالم إلى دولة مخدرات حقيقية.
وأضاف في أول مؤتمر صحافي للحركة “نؤكد لمواطنينا وللمجتمع الدولي أننا لن ننتج المخدرات.. من الآن فصاعدا لن يشارك أحد (في تجارة الهيرويين) ولن يتمكن أحد المشاركة في تهريب المخدرات”.
ويرى محللون أن الخطاب المناهض للمخدرات إلى جانب وعود مماثلة باحترام حقوق الإنسان وحرية الإعلام، تندرج كلها في إطار جهود هؤلاء القادة الجدد ليبدوا أكثر اعتدالا ويكسبوا بالتالي دعم المجتمع الدولي، لكن تلك الصورة تشوبها مخاوف حقيقية خاصة في ظل الحديث عن انتهاكات متواصلة للحركة المتشددة ضد الأفغان.
وسيكون لسياسة طالبان في مجال المخدرات تداعيات ليس فقط على الدول الغربية ومدمنيها بل وعلى روسيا وإيران وباكستان والصين التي تعد طرقا للتهريب وأسواقا ضخمة للهيروين الأفغاني.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تؤكد فيها الجماعة الأصولية حظر المخدرات، فقد منعت إنتاجها في العام 2000 قبل عام من الإطاحة بنظام طالبان من قبل القوات التي قادتها الولايات المتحدة.
وتقول غريتشن بيترز، المؤلفة الأميركية لكتاب “بذور الإرهاب: كيف يمول الهيرويين طالبان والقاعدة”، إن الحظر كان تكتيكيا. وهي ترى أن عناصر طالبان “مرتبطون جدا بهذه التجارة” بشكل يجعل من المتعذر عليهم وضع حد لها وهذا البلد الفقير “لا يمكن أن يعيش دون الأفيون”.
وأوضحت أن السيطرة على البلاد ستتيح لطالبان إمكانية الوصول إلى شركات الطيران والبيروقراطية الحكومية والمصارف، التي يمكن استخدامها لتسهيل تهريب المخدرات وغسل الأموال، قائلة “ليس لدي شك في أنهم سيستغلونها”.
ويأتي الجزء الأكبر من الأفيون والهيروين المستهلك في العالم من أفغانستان وينتج ويصدر من مناطق تسيطر عليها حركة طالبان التي فرضت ضرائب على الأفيون وقامت بتسويقه خلال تمردها الذي دام عشرين عاما.
وتشير أحدث بيانات صادرة عن وزارة مكافحة المخدرات الأفغانية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في العام 2018 إلى أن إنتاج الأفيون محليا بلغ 9 آلاف طن متري في 2017.
وزادت المساحة المزروعة بخشخاش الأفيون إلى رقم قياسي بلغ 328 ألف هكتار في 2017، بزيادة قدرها 63 في المئة مقارنة بـ201 ألف هكتار في 2016.
وتستحوذ أفغانستان على إنتاج 90 في المئة من الأفيون المنتشر حول العالم، و95 في المئة من معروض المادة المخدرة في أوروبا؛ وبلغ متوسط محصول الأفيون 27.3 كيلوغرام للهكتار، أعلى بنسبة 15 في المئة مما كان عليه في 2016.
وتمكنت طالبان، التي تعود جذورها إلى البشتون، وهي مجموعة عرقية مهيمنة تاريخيا في أفغانستان، من تجديد صفوفها وشراء أسلحة وذخيرة جديدة وجمع الأموال، من خلال فرض الضرائب على زراعة الخشخاش، حين كانت تسيطر فقط على 75 مقاطعة من بين 400 أخرى في أفغانستان قبل سنوات قليلة.
ويقول جوناثان غودهاند، خبير تجارة المخدرات الدولية في جامعة “أس.أو.أيه.أس” في لندن، إن هذه المخدرات أصبحت مصدرا حيويا لواردات الحركة التي قد تجد صعوبة في حظرها. ويتوقع أن “تثير هذه القضية سلسلة من الخلافات داخل الحركة”.
وتابع غودهاند أن أعضاء الحركة “يريدون تقديم صورة عن أنفسهم أكثر اعتدالا وأكثر انفتاحا على التعامل مع الغرب ويدركون أن المخدرات هي وسيلة لتحقيق ذلك”.
من جهة أخرى سيؤثر أي قمع على المزارعين في ولايتي هلمند وقندهار المعقل السياسي لطالبان.
ويقول المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد إن أفغانستان “ستحتاج إلى مساعدات دولية” لتصبح “دولة خالية من المخدرات” من أجل تزويد المزارعين بمحاصيل بديلة عن الخشخاش الذي تتم معالجته لإنتاج المورفين والهيروين.
وقد تبدو المطالبة بمساعدات دولية مثيرة للسخرية لدى العاملين في حلف شمال الأطلسي والمنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة الذين حاولوا من دون جدوى كسر اعتماد أفغانستان على الخشخاش منذ عشر سنوات.
وأنفقت الولايات المتحدة حوالي 8.6 مليار دولار بين 2002 و2017 على هذه الجهود الضائعة، حسب تقرير صدر في 2018 عن مكتب المفتش العام الأميركي الخاص لأفغانستان (سيغار).
وكانت الاستراتيجية الأميركية تقضي بمساعدة المزارعين ماديا على تحويل زراعاتهم إلى القمح أو الزعفران والاستثمار في طرق النقل، لكن كذلك رش حقول الخشخاش بمبيدات الأعشاب أو قصف منشآت التكرير.
وفي كل محطة اصطدموا بمقاتلي طالبان الذين سيطروا على مناطق زراعة الخشخاش الرئيسية وجنوا مئات الملايين من الدولارات من هذه الصناعة.
وكشفت تحقيقات أن المزارعين في المناطق التي تسيطر عليها طالبان يتعرضون غالبا لضغوط من أمراء الحرب والمقاتلين المحليين لزراعة الخشخاش. ونتيجة لذلك تحتكر هذه الدولة فعليا إنتاج الأفيون والهيروين وتمثل بين ثمانين وتسعين في المئة من الإنتاج العالمي، حسب الأمم المتحدة
العرب