“مطار الموت” في كابول: مشاهد يائسة لأفغان يحاولون الهروب

“مطار الموت” في كابول: مشاهد يائسة لأفغان يحاولون الهروب

أكثر من أسبوع مرّ على سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، من دون أن يتبدل المشهد في مطار كابول حيث لا يزال الآلاف من الأفغان يسابقون الزمن والحشود، وهراوات عناصر الحركة والإجراءات الأمنية الأميركية المشددة، للوصول إليه، علّهم يحظون بفرصة لمغادرة البلاد على متن إحدى طائرات الإجلاء، حتى لو أدت هذه المحاولة إلى مقتلهم.
وما المشاهد التي وثقتها الكاميرات مع بدء الإجلاء للطفلين اللذين سقطا من طائرة نقل عسكرية أميركية بعد إقلاعها من المطار وارتفاعها بمئات الأمتار، أو الذين قتلوا في الأيام الماضية في محيطه، سوى تجسيد لتحول مطار كابول إلى “مطار الموت”، بعدما ذكر مسؤول في حلف شمال الأطلسي، طلب عدم ذكر اسمه، أمس الأحد، أن ما لا يقل عن 20 شخصاً لقوا حتفهم في الأيام السبعة الماضية داخل المطار وحوله خلال عمليات الإجلاء، مشيراً إلى أن الأزمة خارج مطار كابول مؤسفة. وكانت القوات الجوية الأميركية أعلنت، الثلاثاء الماضي، أنها تحقق في الملابسات المحيطة بالعثور على أشلاء بشرية في تجويف عجلات طائرة أقلعت من كابول.

حمّلت “طالبان” أميركا مسؤولية فوضى عمليات الإجلاء

وبينما تتخبط الولايات المتحدة وحلفاؤها وسط عجز عن إدارة سلسة لعمليات الإجلاء التي تركز على الأجانب، وإقرار بعدم القدرة على تسفير جميع الذين هم عرضة لتهديدات “طالبان”، حمّلت الحركة، أمس الأحد، الولايات المتحدة مسؤولية الفوضى التي تسود عمليات الإجلاء. وقال القيادي الكبير في “طالبان” أمير خان متقي إن “أميركا بكل قوتها ومنشآتها فشلت في إحلال النظام في المطار”. ولفت إلى أنه “يسود سلام وهدوء في كل أنحاء البلاد، لكن هناك فوضى فقط في مطار كابول”. وأضاف “يجب أن يتوقف ذلك في أقرب وقت ممكن”.
ويسيطر نحو ستة آلاف جندي أميركي على مطار كابول، فيما تقوم “طالبان” بدوريات في الشوارع المحيطة، ما يمنع العديد من الأفغان من الوصول إلى المطار. وتجمهرت عائلات تأمل بـ”أعجوبة فرار” قرب سياج شائك يمثل حدوداً غير رسمية لمنطقة عازلة تفصل مقاتلي “طالبان” عن القوات الأميركية وفلول كتيبة من القوات الخاصة الأفغانية التي تساعدهم.
وأعلن متحدث باسم وزارة الدفاع البريطانية أمس مقتل 7 أفغان أمس الأول خارج مطار كابول. وقال، في بيان، إن “أفكارنا مع عائلات المدنيين الأفغان السبعة الذين لقوا حتفهم في فوضى الحشود في كابول”، موضحاً أن “الظروف على الأرض ما زالت صعبة جداً، لكننا نبذل قصارى جهدنا للتعامل مع الوضع بأكثر الطرق أماناً”.
من جهة ثانية، ذكر شهود أن مقاتلي “طالبان” أطلقوا النار في الهواء واستخدموا الهراوات لحمل الناس على الوقوف في طوابير منظمة خارج مطار كابول، بعد سقوط القتلى السبعة في تدافع عند بوابات المطار. وأكد الشهود أنه ليس هناك إصابات جسيمة، في الوقت الذي أبعد فيه عناصر من الحركة الحشود بالقوة.
وأظهرت لقطات صوّرها صحافيّون، أول من أمس السبت، جثث ثلاثة أشخاص بين حشود كبيرة من الناس خارج مطار كابول. وأظهرت لقطات بثتها قناة “سكاي نيوز” البريطانية جنوداً يغطّون ثلاث جثث بقطع قماش أبيض. كما يظهر في الصور العديد من الجرحى. وقال مراسل القناة ستيوارت رامسي، الذي كان موجوداً في المطار، إنّ الأشخاص الذين كانوا في مقدّم الحشد تعرّضوا “للدّهس”، مشيراً إلى أنّ المسعفين ينتقلون من مصاب إلى آخر. ولفت إلى أنّ الناس “يُعانون التجفاف ويشعرون بالرعب”. وقد صوّر فريقه جنوداً يرشّون الحشد بخرطوم مياه “لإبقائهم منتعشين”. واعتبر المراسل أن تسجيل وفيات في خضم الفوضى السائدة أمر “لا مفر منه”.

أب يسلم طفله الرضيع إلى جنود في أفغانستان بعدسة مصور رويترز عمر حيدري (تويتر)
قضايا وناس
أفغان يائسون “يتخلّون” عن أطفالهم لجنود أجانب في مطار كابول
ووصف صحافي من مجموعة من العاملين في مجال الإعلام والأكاديميين الذين حالفهم الحظ للوصول إلى المطار ليستقل طائرة، أمس الأحد، مشاهد يائسة لأشخاص يحيطون بحافلة في طريقهم. وقال لوكالة “فرانس برس”: “كانوا يبرزون جوازات سفرهم، ويصرخون خذونا معكم، نرجوكم خذونا معكم”. وأضاف أن “مقاتلاً من طالبان كان في الشاحنة أمامنا عمد إلى إطلاق النار في الهواء لإبعادهم”. ولا يتوقع أن تنتهي هذه المشاهد قبل 31 أغسطس/آب الحالي، وهو الموعد الذي حددته الولايات المتحدة لاستكمال عمليات الإجلاء. وفي محاولة لتسريع عمليات الإجلاء إلى أميركا، قام وزير الدفاع لويد أوستن بتفعيل المرحلة الأولى من برنامج الأسطول الجوي المدني الاحتياطي، ويتضمن طلب 18 طائرة للمساعدة في الجهود.
ولخص المسؤول في حلف شمال الأطلسي، لوكالة “رويترز”، الرؤية الغربية لأولويات عمليات الإجلاء، بقوله إن” تركيزنا منصب على إجلاء جميع الأجانب بأسرع ما يمكن”، مضيفاً “تبتعد قواتنا بمسافة محددة عن المناطق الخارجية لمطار كابول لمنع أي اشتباكات مع طالبان”.
بدوره، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه “من المستحيل” إجلاء جميع المعرضين للخطر من “طالبان”، ما يعني عملياً ترك الأفغان الراغبين بالمغادرة، تحديداً ممن سبق لهم أن عملوا مع قوات التحالف، لمصيرهم. وبالنسبة لهؤلاء الأفغان فإن التطمينات التي قدمتها الحركة لم تغير من حالة القلق التي تعتري الكثير منهم ممن يرون أن “طالبان” لا تزال صورة طبق الأصل عما كانت عليه قبل سقوط حكمها، ما يجعلهم يبحثون عن أي وسيلة للابتعاد خشية تعرضهم للانتقام.
وقال قائد القوات الألمانية في كابول الجنرال ينس أرلت، في تصريح للصحافيين عبر الهاتف، إن الحشود اليائسة التي تريد مغادرة العاصمة الأفغانية ابتعدت عن البوابات الشمالية والشرقية لمطار المدينة بعد أن بدا واضحاً أنها مغلقة.

لم يبد جوزيب بوريل متفائلاً بإمكانية نجاح الجسر الجوي

وما زاد من تعقيد الوضع تحذير أطلقته الحكومة الأميركية أول من أمس إلى رعاياها بالابتعاد عن المطار بسبب “تهديدات أمنية”. وفي حين لم تذكر سبباً محدداً، فإن مسؤولاً في البيت الأبيض أعلن، في وقت لاحق، أنه تم إطلاع بايدن على التهديدات الأمنية، بما في ذلك التهديدات من تنظيم “داعش”. وينتظر آلاف الأميركيين والأفغان في المطار رحلات جوية أو يتجمعون خارج بواباته. وهناك ما يصل إلى 15 ألف أميركي، وما بين 50 إلى 60 ألفاً من الأفغان الذين يجب أن تشملهم عمليات الترحيل، حسب إدارة الرئيس جو بايدن.
وفي إطار محاولات الدول الغربية تنظيم الوضع، أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أمس الأحد، أن قادة مجموعة السبع سيعقدون اجتماعاً غداً الثلاثاء عبر الإنترنت لبحث الوضع في أفغانستان، موضحاً أنه “من الأساسي أن تعمل الأسرة الدولية معاً لضمان عمليات إجلاء آمنة وتفادي أزمة إنسانية ومساعدة الشعب الأفغاني في حماية مكتسبات السنوات العشرين الأخيرة”.
من جهته، لم يبد وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل متفائلاً بإمكانية نجاح الجسر الجوي. وقال لـ”فرانس برس” أول من أمس إنهم “يريدون إجلاء 60 ألف شخص من الآن وحتى نهاية الشهر الحالي. هذا مستحيل حسابياً”. وأضاف: “اشتكينا” للأميركيين من أن إجراءاتهم الأمنية المشددة في المطار مبالغ فيها، وتعرقل محاولات الأفغان الذين عملوا من أجل الأوروبيين للدخول إليه. وكان العديد من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي طلبوا من الأميركيين الجمعة الماضي إرجاء عملية خروجهم النهائي من البلاد.
وأشار بوريل إلى أن “المشكلة هي الوصول إلى المطار”، موضحاً أن “إجراءات المراقبة والأمن التي يفرضها الأميركيون مشددة جداً”، معتبراً أن هذه التدابير “تعرقل مرور موظفينا”. وتضم البعثة الوحيدة للاتحاد الأوروبي في كابول نحو 400 موظف أفغاني وعائلاتهم. وهو وعد بإجلائهم، لكن 150 منهم فقط وصلوا إلى إسبانيا حتى الآن. وقال بوريل إنه “يوجد في كابول مطاران، والمطار المدني يخضع لسيطرة طالبان ولا يتم تسيير أي رحلات جوية منه. الأميركيون يسيطرون على المطار العسكري، ويصعد إلى الطائرات الأشخاص الموجودين على المدرج”. وأشار إلى أنه “في الرحلة الجوية التي وصلت إلى مدريد (السبت) ثلث الركاب أميركيون”. وأكد بوريل أنه “إذا غادر الأميركيون في 31 أغسطس، لن يكون لدى الأوروبيين القدرة العسكرية للسيطرة على المطار العسكري وتأمينه وستسيطر طالبان عليه”. ورأى أنه من الضروري التحدث إلى الحركة. وقال: “إذا كنتم ترغبون في إخراج موظفيكم فعليكم التحدث إلى طالبان. الجميع يحاولون عقد اتفاقات مع طالبان. لدينا اتصالات مع طالبان لكن ليس مع القادة”، مشدداً على أن “الحوار معهم لا يعني الاعتراف” بنظامهم.
كما ناشدت الحكومة البريطانية واشنطن تمديد الموعد النهائي لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. وقال وزير الدفاع البريطاني بن والاس، في مقال نشر في صحيفة “ميل أون صنداي”، إنه “لن تتمكن أي دولة من إجلاء الجميع” من أفغانستان. وأضاف “إذا بقي الجدول الزمني الأميركي كما هو، لن يكون لدينا وقت نضيعه لإجلاء معظم الأشخاص الذين ينتظرون ترحيلهم. قد يسمح للأميركيين بالبقاء لفترة أطول وسيحصلون على دعمنا الكامل إذا فعلوا ذلك”. وأشار إلى أنه سيتم إنشاء مراكز لمعالجة طلبات الإجلاء “خارج أفغانستان، في المنطقة” مخصصة للأفغان الذين “لدى المملكة المتحدة التزام بنقلهم إليها”.

أقالت الحركة حاكم إقليم كابول ومسؤول أمن العاصمة

وفي ظل تزايد الضغوط التي تتعرض لها واشنطن، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز”، أمس الأحد، أن بلاده قامت بإجلاء نحو 30 ألف شخص من أفغانستان حتى الآن. وكان تم إجلاء أكثر من سبعة آلاف شخص من أفغانستان إلى قطر، فيما حصلت واشنطن على الضوء الأخضر من برلين لنقل بعض الأشخاص الذين تم إجلاؤهم إلى ألمانيا حيث لديها قواعد عدة.
سياسياً، ولأسباب غير معروفة، أقالت “طالبان”، أمس الأحد، حاكم إقليم كابول القيادي البارز في الحركة المولوي عبد الرحمن منصور، ومسؤول أمن العاصمة الملا غالب. وقال مصدر في الحركة، لـ”العربي الجديد”، إن “طالبان” أصدرت قراراً بإقالة منصور، نجل القائد الجهادي الشهير المولوي نصر الله منصور، وعينت مكانه الملا شيرين، الذي كان يعيش في باكستان. كما أصدرت قراراً بإقالة مسؤول أمن العاصمة المولوي غالب، وتعيين القائد الميداني في إقليم هلمند المولوي عبد الله مكانه.
في هذا الوقت، بدأ قادة “طالبان” في إجراء محادثات لتشكيل حكومة. وكتب رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في الحكومة المخلوعة، عبد الله عبد الله، في تغريدة، أنه التقى مع الرئيس السابق حامد كرزاي القائم بأعمال حاكم “طالبان” في كابول، الذي “أكد لنا أنه سيفعل كل ما في وسعه من أجل أمن المواطنين” في المدينة.
وفي إطار محاولة ضمان سيطرتها على كامل الأراضي الأفغانية واحتواء أي تمرد عسكري ضدها، فتحت “طالبان” قنوات اتصال مع أحمد مسعود، نجل القائد الراحل أحمد شاه مسعود. وجاء ذلك بعدما كان أحمد مسعود قد أعلن أخيراً، من بنجشير شمال وسط البلاد، قيادته المقاومة ضد الحركة. ونقلت قناة “الجزيرة” عن مصدر رفيع في “طالبان” قوله إن الحركة “سترسل قريباً وفداً لبحث الأمر وتقديم الضمانات التي طلبها مسعود”، من دون توضيح ما هي هذه الضمانات.
وكان السفير الروسي في كابول دميتري جيرنوف أعلن، السبت الماضي، أن “طالبان” طلبت من سفارته نقل عرض الحركة بشأن التوصل إلى اتفاق مع المقاتلين في وادي بنجشير لتسوية الوضع هناك. وأشار إلى أن الحركة تدعي أنها لا تريد إراقة الدماء في المنطقة.
في هذه الأثناء، أعلن مسؤول من طالبان أن “الحركة” تسعى إلى توضيح تام لخطة خروج القوات الأجنبية من البلاد. وقال لوكالة “رويترز”، إنه من المنتظر أن يجتمع قادة الحركة مع حكام أقاليم سابقين ومسؤولين حكوميين في أكثر من 20 من أقاليم أفغانستان الأربعة والثلاثين خلال الأيام القليلة المقبلة، وذلك لضمان أمنهم والتماساً لتعاونهم. وتابع: “نحن لا نجبر أي مسؤول حكومي سابق على الانضمام لنا أو إثبات ولائه لنا، فلديهم الحق في مغادرة البلاد إذا أرادوا”.

العربي الجديد