العراقيون يفضلون الإصلاحيين لكنهم لا يثقون في شرعية الانتخابات

العراقيون يفضلون الإصلاحيين لكنهم لا يثقون في شرعية الانتخابات

بغداد- أظهرت استطلاعات للرأي في العراق خيبة الأمل الشعبية من الوضع المتفاقم الذي تظهر من خلال سطوة الميليشيات وتحكمها في كل صغيرة وكبيرة ببلدهم بعد مرور 18 عاما على الغزو الأميركي وتشكيل سلطات جديدة.

وعلى الرغم من وجود شكوك حول تنظيم انتخابات تشريعية عامة في موعدها في العاشر من أكتوبر المقبل، إلا أن العراقيين لم يغيروا بعد نظرتهم إلى النظام السياسي القائم في ظل تغلغل الفساد واستشرائه وتزايد نفوذ الميليشيات المدعومة من إيران.

ويظهر استطلاع للرأي أجراه مركز تمكين السلام في العراق “أيبك” أن المرشحين المحتملين الذين ينالون تأييد المتظاهرين قد يتمتعون بأفضلية كبيرة على منافسيهم من الأحزاب التقليدية الأخرى، والتي شاركت في تشكيل الحكومات ما بعد عام 2003.

38 في المئة النسبة المتوقعة لمرشحي الحراك والتي تخول لهم الحصول على 120 مقعدا

وسيطر على العراقيين التشاؤم من إمكانية التغيير عبر الانتخابات المنتظرة، حيث عبر الكثير منهم من خلال استطلاع الرأي عن أن “الثقة في شرعية الانتخابات كوسيلة للتمثيل السياسي لا تزال متدنية”.

ويقول المشرفون على تنظيم استطلاع الرأي إن ذلك مرده “المخالفات التي شابت الانتخابات الأخيرة عام 2018، خاصة أن أغلبية واضحة من المستطلعين فاقت الستين في المئة أعربت عن اعتقادها بأن انتخابات 2018 لم تعكس إرادة الشعب”.

ويرى هؤلاء أن “المشكلة لا تكمن في القانون الانتخابي المعدل أو الجديد، بل في غياب ثقة الناخبين في قدرة الحكومة على إيجاد بيئة آمنة تصبح فيها الانتخابات الحرة والعادلة ممكنة”.

ويأخذ هذا التقدير في الحسبان الاغتيالات التي طالت شخصيات بارزة أمثال الناشط إيهاب الوزني، والقدرة المستمرة على الإفلات من العقاب مثلما جرى مع القائد في ميليشيا الحشد الشعبي قاسم مصلح.

وعمل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على تحدي سلطة الميليشيات في أكثر من مناسبة، في محاولة لترسيخ رؤية أشمل لاستعادة هيبة الدولة أمام تغول تلك الميليشيات على شتى مناحي الحياة في العراق.

وأبدى المشاركون في الاستطلاع، الذي نظم في يونيو الماضي وشمل عينة تمثيلية من 1068 ناخبًا عراقيًا مؤهلاً للتصويت من المحافظات العراقية الثماني عشرة، استعدادهم للتصويت للمرشحين الإصلاحيين الذين لا ينتمون إلى أي من الأحزاب التقليدية.

وتواجه حركة احتجاجات تشرين بعض التحديات والتي تتمثل في ترجمة الدعم الشعبي إلى مكاسب انتخابية، ويرجع ذلك إلى القلق المنتشر حول شرعية العملية الانتخابية والعنف السياسي.

ويصادف شهر أكتوبر هذا العام الذكرى السنوية الثانية لـ”حراك تشرين” الاحتجاجي الذي هز أركان السلطة السياسية في البلاد، وأسقط حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، وأجبر بغداد على تحديد موعد لانتخابات نيابية مبكرة.

ويطالب الحراك الشبابي بالقيام بإصلاحات كاملة لكافة أجهزة الدولة العراقية من أجل مكافحة الفساد، ومعالجة تفاقم معدلات البطالة المتزايدة خصوصا بين فئة الشباب، والتي تشكل الأكثرية في العراق، بالإضافة إلى النقص المستمر في الخدمات الأساسية.

كما يحث الحراك على ضرورة محاسبة الجهات الحكومية والميليشيات الموالية لإيران لاستخدام القوة المفرطة والقاتلة في قمع التظاهرات منذ انطلاقها قبل نحو عامين.

ويقول واحد من كل أربعة عراقيين مشمولين في الاستطلاع إنه سيصوت للمرشحين الذين يمثلون المتظاهرين وحراك تشرين بشكل عام، حيث يعكس هذا الأمر تفوقا على مرشحي أحزاب السلطة الذين حصلوا على دعم 4.2 في المئة من المستطلعين، وأيضا على المرشحين المدعومين من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذين بلغت نسبة دعمهم 2.5 في المئة.

لكن 30.7 في المئة من المستطلَعين أفادوا أنهم لم يحسموا أمرهم بشأن اختيار مرشحيهم، فيما صرّح 34.1 في المئة أنهم لا ينوون التصويت.

وبالنسبة إلى النتيجة المتوقعة لانتخابات أكتوبر المقبل، أجاب 32.9 في المئة من المستطلعين أنهم يتوقعون حصول المرشحين عن أحزاب السلطة والميليشيات التابعة لها على العدد الأكبر من الأصوات وبالتالي الفوز بأكثرية المقاعد في البرلمان الجديد، وهذا الأمر مرده عدم الثقة في شرعية الانتخابات منذ البداية.

وعند طرح نفس السؤال بخصوص النتيجة في محافظات المشاركين ارتفعت هذه النسبة إلى 38.3 في المئة، في المقابل قال 13.3 في المئة إنهم يعتقدون أن المرشحين عن حراك تشرين سيفوزون بالعدد الأكبر من المقاعد على مستوى البلاد ككل.

وبالنسبة إلى التوقعات بشأن من سيفوز بالعدد الأكبر من المقاعد النيابية في الانتخابات المقبلة، فإنه من الممكن أن يحقق مرشحو الحراك أكثر من 38 في المئة من الأصوات الفعلية المدلى بها، وهذا يعني الفوز بما يصل إلى 120 مقعدا من المقاعد البالغة 329 في مجلس النواب العراقي.

استطلاع يظهر أن المرشحين المحتملين الذين ينالون تأييد المتظاهرين قد يتمتعون بأفضلية كبيرة على منافسيهم من الأحزاب التقليدية الأخرى

ويقول القائمون على الاستطلاع في مركز تمكين السلام بالعراق إن هذا السيناريو المحتمل لا يخلو من المحاذير، خاصة أن الأحزاب السياسية التي تم تأسيسها حديثا لتمثيل الحراك لم تجمع سوى 99 مرشحا بالإجمال.

وحسب الناشطين العراقيين الذين يراقبون الحملات الانتخابية، سيبقى مجموع المرشحين دون المئتين حتى مع إضافة مرشحي “تشرين” الذين سيترشحون بشكل فردي أو بدعمٍ من أحزاب تقليدية معتدلة. بالتالي، من أصل المرشحين الـ3243 المسجلين رسميًا لدى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، سيتنافس أقل من 200 منهم باسم حراك تشرين الشبابي.

ويقول مركز تمكين السلام إن نسبة إقبال الناخبين في الانتخابات المقبلة “ستكون عنصرا حاسما في تحديد شكل البرلمان المقبل ومسار الحكم في العراق”.

ويرى أنه “إذا امتنع مناصرو حراك تشرين عن التصويت يوم الانتخابات، فقد يؤمّنون لأحزاب السلطة فوزًا سهلاً، وهو ما سيشكل نكسة كبيرة للإصلاحات ويمهّد الطريق أمام تجدد الاشتباكات بين أبناء العراق المحرومين والطبقة السياسية المتحجرة والفاسدة”.

العرب