القاهرة – توقعات متفائلة وأخبار سارة على الرغم من قلتها لكنها تمثل أملا للفلاح المصري، الذي يعاني العديد من التحديات والقوانين الجديدة التي تتضمن رسوما مرهقة، ويشكو ارتفاع الأسعار.
لكن أخيرا يبدو أن الحظ قد ابتسم للفلاح ولكن ليس لجميع الفلاحين، وإنما تحديدا لأولئك الذين زرعوا القطن أو ما كان يعرف بـ”الذهب الأبيض”، بعد ارتفاع أسعاره عالميا للعام الثاني نتيجة تقليص مساحة زراعته وبالتالي زيادة الطلب عليه.
وقفزت أسعار التعاقد على القطن وزاد السعر بأكثر من 75%، والبداية كانت بصعيد مصر في محافظة بني سويف حيث تم البيع بالمزايدة وفقا للآلية الجديدة التي حددتها الحكومة قبل عامين، حيث ارتفع سعر القطن في أول مزاد علني للبيع في الموسم الجديد 2021-2022، وبلغ نحو 3715 جنيها (الدولار أقل من 16 جنيها) للقنطار (القنطار يساوي 157.5 كغم)، وفق بيان وزارة قطاع الأعمال.
وكانت اللجنة الوزارية للقطن المشكّلة من وزراء قطاع الأعمال والتجارة والصناعة والزراعة، قد حددت أسعار فتح المزادات بهامش زيادة عن السعر العالمي للأقطان قصيرة التيلة، وبلغ الهامش 40% لأقطان الوجه البحري و20% لأقطان الوجه القبلي.
تأتي هذه الأسعار المشجعة بعد سلسلة أخبار سلبية استمرت لسنوات عن عائدات ومساحة وقيمة القطن المصري، الذي تدهورت وتراجعت مكانته من المحصول الأول إلى محصول في درجات متأخرة.
قفزة في الأسعار ونتائج محدودة
هذه الزيادة وإن كانت كبيرة، فإن نتائجها محدودة على الفلاحين، بحسب خبراء ومختصين تحدثوا للجزيرة نت، فحجم الأرض المزروعة بمحصول القطن يبلغ نحو 237 ألف فدان فقط، بعد أن كان نحو مليوني فدان في أزهى عصور زراعته وإنتاجه.
وهو ما يعني أن مساحة زراعة القطن المصري المعروف بجودته العالمية تراجعت 9 أمثالها، وتشكل أقل من 2.5% فقط من إجمالي مساحة الأراضي الزراعية في مصر البالغة نحو 10.3 ملايين فدان.
بل إن زراعة القطن كادت تختفي تقريبا عندما بلغ إجمالي المساحة المزروعة من القطن أقل من 135 ألف فدان عام 2014، ووصل سعر قنطار القطن حينها 700 جنيه فقط، وعانى الفلاح من تكبد خسائر مستمرة.
وطالما كان القطن هو المحصول الرئيسي في مصر، وقاطرة اقتصادية قوية للبلاد والفلاح على حد سواء، حيث كان يعتمد عليه في الزواج وسداد الديون وشراء احتياجاته، وتدبير أموره حتى العام المقبل، وكان يشار له بالبنان ولا تخلو البيوت من قناطير القطن سواء للبيع أو التخزين.
حظ أم تخطيط؟
يقول النقيب العام للفلاحين حسين أبو صدام إن الحظ ابتسم فعلا لمزارعي القطن هذا العام، وأرجع السبب في ذلك إلى “الحظ لا غير” لأن مساحة زراعة القطن وجودته والاهتمام به تراجعت، وتسويقه بسعر المزايدة والتقيد بالسعر العالمي جعل زراعته تتكبد خسائر حيث تم بيع القنطار العام الماضي بأقل من ألفي جنيه، أي أقل من سعر التكلفة.
وأرجع نقيب الفلاحين، في حديثه للجزيرة نت، زيادة المساحة المزروعة إلى نحو 50 ألف فدان إلى زيادة أسعار القطن عالميا العام الماضي، مما أعطى حافزا للفلاحين لزراعته، خاصة وأن معظم الأقطان المصرية تزرع للتصدير وهي الفائق الطول، وطويل التيلة، بالإضافة إلى متوسط الطول.
وانخفض إنتاج القطن عالميا هذا العام بنسبة 6.5% في المقابل ارتفع الطلب عليه بنسبة 12%، مما أدى إلى تقليص احتياطات القطن، وذلك إثر انخفاض الإنتاجية في دول مثل الصين والولايات المتحدة الأميركية، التي شهدت انخفاضا بنحو 25%.
ولكن أبو صدام توقّع ألا تشكل تلك الأخبار السارة تغيرا جوهريا في زراعة القطن، وأن يعود إلى عصوره الذهبية قبل عقود وحتى ثمانينيات القرن الماضي، لأنه لا يمكن الاعتماد على الحظ وحده.
ووصلت قمة الانخفاض في زراعة القطن بعد القانون رقم 210 لسنة 1994 وتحرير تجارة القطن، وإلغاء نظام التسويق التعاوني، مما أدى لظهور عدد كبير من المشاكل أهمها انخفاض إنتاج القطن، وتراجع المساحة المزروعة من 1.9 مليون فدان في منتصف الستينيات إلى 884 ألف فدان عام 1994، وظهور مشكلة الخلط في القطن، وفق مدير معهد بحوث القطن هشام مسعد في حديثه لصحيفة الأهرام الحكومية.
كيف خسر القطن عرشه؟
لا يوجد تفسير آخر لارتفاع أسعار تعاقدات القطن المصري سوى ارتفاع الأسعار عالميا بسبب انخفاض الإنتاج وزيادة الطلب، بحسب أستاذ الاقتصاد الزراعي جمال صيام، ولولا تلك الزيادة ما شهدنا أي ارتفاع في الأسعار.
واعتبر صيام في حديثه للجزيرة نت، أن هذا التحسن في أسعار القطن مرتبط فقط بالسوق العالمي وليس بسياسات أو آليات زراعية جديدة، فلا تزال إنتاجية فدان القطن قليلة نحو 7 قناطير مقابل 14 قنطارا في أميركا، نتيجة توقف برنامج بحوث القطن وتخلي الدولة عنه في تسعينيات القرن الماضي.
وأكد أن القطن المصري خسر مكانته لصالح القطن الأميركي إنتاجا وسعرا، وهذا ما يبرر توجه الفلاح المصري للحبوب لأنها أكثر ربحية، ودورتها الزراعية أقل، كما أن القطن هو محصول مجهد.
ويرهن صيام تحسن أوضاع محصول القطن باهتمام الحكومة بزراعته مجددا باعتباره البديل الأمثل للأرز، الذي قررت الحكومة تقليص مساحته بسبب مشاكل المياه، داعيا إلى دعم سعر القطن حتى لو انخفض عالميا، وعودة برنامج بحوث القطن مجددا.
وييبدأ موسم زراعة القطن بين شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان، بينما يُحصد بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول من كل عام.
من المتوقع أن تنتج مصر نحو 1.5 مليون قنطار قطن مقابل 1.2 مليون قنطار العام الماضي بعد زيادة مساحة زراعته بنحو 50 ألف فدان، وحققت صادرات العام الماضي نحو 237.1 مليون دولار فقط.
المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة