ما زالت التحقيقات المتعلقة بانفجار مرفأ بيروت تراوح مكانها بعد أكثر من سنة على الحادث المروع، وسط رفض البرلمان اللبناني رفع الحصانة عن عدد من الوزراء السابقين الذين يشغلون خططا نيابية للمثول أمام القضاء العدلي.
بيروت- لا تزال العقبات البرلمانية والأجندات السياسية تعيق تقدم التحقيقات المتعلقة بانفجار مرفأ بيروت قبل أكثر من سنة، فيما فشلت ضغوط أهالي الضحايا في تحقيق أي اختراق في الملف مع رفض البرلمان اللبناني رفع الحصانة عن نواب (3 وزراء سابقين) مطلوبين للمثول أمام القضاء العدلي وتمسكه بمثولهم أمام مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء الذي أخفق في عقد أي محاكمة منذ تأسيسه قبل 31 سنة.
وخضع الاثنين القائد السابق للجيش اللبناني جان قهوجي (2008 – 2017) لجلسة تحقيق أمام القضاء في قضية انفجار مرفأ بيروت، فيما لا يزال البرلمان اللبناني متريثًا ولم يرفع بعد الحصانة النيابية عن عدد من النواب المطلوب استجوابهم وسط اتهامات بمحاولة الالتفاف على التحقيق العدلي.
وقرر المحقق العدلي التريث في اتخاذ إجراءات بحق قائد الجيش السابق، وذلك لاستكمال التحقيقات، وحدد جلسة لهذه الغاية في الثامن والعشرين من سبتمبر الجاري.
عادل يمين: عريضة الاتهام النيابية مناورة للالتفاف على القضاء العدلي
ووفق تحقيقات أولية وقع الانفجار في العنبر رقم 12 من المرفأ، والذي تقول السلطات إنه كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة نترات الأمونيوم الشديدة الانفجار كانت مُصادرة من سفينة ومُخزنة منذ عام 2014.
وقهوجي هو واحد من بين ستة من كبار الضباط السابقين والحاليين الذين ادّعى عليهم المحقق العدلي في الثاني من يوليو الماضي، وطلب التحقيق معهم في القضية.
ومطلع يوليو الماضي طلب المحقق العدلي في القضية طارق البيطار رفع الحصانة عن 3 نواب (وزراء سابقين) للتحقيق معهم، وهم نهاد المشنوق وغازي زعيتر وعلي حسن خليل، إضافة إلى الوزير السابق يوسف فنيانوس.
إلا أن البرلمان لم يبتّ في الأمر، ورفع عدد من النواب عريضة اتّهام تطلب الإذن بملاحقة هؤلاء أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لا أمام القضاء العدلي، وهو ما يرفضه أهالي الضحايا.
ويتألف المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في لبنان من سبعة نواب (يتم انتخابهم بالاقتراع السري وبالغالبية المطلقة من مجموع أعضاء المجلس النيابي الـ128)، وثلاثة نواب آخرين احتياطيين، بالإضافة إلى ثمانية قضاة من أعلى القضاة رتبة بحسب درجات التسلسل القضائي أو باعتبار الأقدمية إذا تساوت درجاتهم وثلاثة قضاة احتياطيين، بحسب المادة 80 من الدستور اللبناني.
ويقول الخبير الدستوري عادل يمين إن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء منصوص عليه في الدستور اللبناني كمحكمة خاصة من أجل محاكمة الرؤساء والوزراء.
ويتولى المجلس الأعلى محاكمة رئيس الجمهورية على الجرائم العادية التي يرتكبها، أو على الخيانة العظمى أو على خرق الدستور، ويُتهَم أمامه رئيس الوزراء والوزراء بجرم الخيانة العظمى والإخلال بالواجبات المترتبة عليهم أو خرق الدستور. ويوضح يمين أن الاتهام يتمّ من جانب المجلس النيابي فقط وبثلثين من أعضائه.
ويلفت الخبير الدستوري إلى أنه لم يحصل أن شهد المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء أي محاكمة منذ تأسيسه قبل 31 سنة (1990)، لأن أي إحالة إليه من جانب المجلس النيابي لم تحصل بتاتاً. ويشير إلى أن طريقة الإحالة إلى المجلس الأعلى معقدة وتستغرق وقتا طويلا.
وتبدأ الإحالة بعريضة يوقعها خُمس أعضاء المجلس (أي 26 نائبا من أصل 128)، ويتم رفعها إلى رئيس البرلمان وتتبعها إجراءات طويلة ومعقدة.
وفي المقابل ذكرت المفكرة القانونية -وهي جمعية أهلية مقرّها بيروت وتضم قانونيين وباحثين- في دراسة على موقعها الإلكتروني أنها حصلت سابقة وحيدة دفعت المجلس النيابي إلى البتّ في طلبَي اتّهام عام 2003، وذلك بحق كل من الوزيرين السابقين فؤاد السنيورة وشاهي برصوميان.
وأشارت المفكّرة إلى أن النوّاب رفضوا التصويت على طلب اتّهام السنيورة، ما أدى إلى ردّه، فيما وافقت غالبية 70 نائباً على طلب اتّهام برصوميان بتهمة بيع رواسب نفطية.
ولكن في النهاية قرر البرلمان إغلاق ملف برصوميان وتبرئته بعد اعتبار أن الأفعال المنسوبة إليه غير ثابتة، ولا مبرّر قانونياً لاتهامه أو ملاحقته.
ويرفض عدد من نواب البرلمان اللبناني استجواب زملائهم من جانب القضاء العدلي، مطالبين باتهامهم أمام المجلس الأعلى. ويرى حقوقيون لبنانيون أن طلب الاتهام هو بمثابة مناورة احتيالية لتهريب المتهمين من قبضة المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ، لأن لا جديّة في الاتهام أمام هذا المجلس.
المحقق العدلي قرر التريث في اتخاذ إجراءات بحق قائد الجيش السابق، وذلك لاستكمال التحقيقات
ويتوافق كلام الحقوقيين مع يمين الذي يرى أن “هذه المحاولة (أي عريضة الاتهام) هي مسعى للالتفاف على التحقيقات التي يجريها قاضي التحقيق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، لأن الاتهام يتم بناء على آلية معقدة”.
ويضيف الخبير الدستوري أن “الآلية طويلة، خاصة أن لجنة التحقيق النيابية التي تنظر في الاتهام ليست مقيدة بأي مهلة زمنية، وهذا يقود إلى تمييع القضية”، معتبراً أن الأمر قد يعرقل عمل قاضي التحقيق.
وحتى اليوم أخفق المجلس النيابي في تحويل استجواب النواب المتهمين إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، في ظل إصرار شعبي على مثولهم أمام القضاء، باعتبار أن الحصانات تسقط أمام هول جريمة مرفأ بيروت.
العرب