لم يتوصل أعضاء الحركات والقوى المدنية التي فازت بالانتخابات العراقية التي أجريت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى جانب عدد من المستقلين، والذين يسعون إلى تشكيل “جبهة معارضة” لمواجهة “قوى السلاح والمحاصصة الحزبية” وفقاً لبيانات سابقة لهم، إلى أي اتفاقات واضحة في هذا الشأن بعد، على الرغم من اجتماعهم ثلاث مرات، في بابل والنجف والسليمانية بإقليم كردستان، وذلك بعدما كانت عُقدت آمال واسعة على هذه الجبهة الجديدة داخل البرلمان.
وأبرز مكونات هذه الجبهة حركة “امتداد” التي حصلت على 9 مقاعد برلمانية، وحركة “إشراقة كانون” التي نالت 6 مقاعد، إلى جانب نحو 15 نائباً مستقلاً حصلوا على أصوات أهلتهم للدخول إلى البرلمان الجديد، إضافة إلى حراك “الجيل الجديد” المدني في إقليم كردستان العراق، والذي تديره الناشطة المدنية والسياسية الكردية سروة عبد الواحد ولديه 9 مقاعد.
هناك نقاط لم يتم التفاهم عليها بين حركتي “امتداد” و”الجيل الجديد”
وعلمت “العربي الجديد”، من نائب مستقل فائز، مُطلع على سير التفاهمات بين الأطراف المدنية الرابحة في الانتخابات، أن قادة هذه الكيانات لم يتوصلوا لغاية الآن إلى أي تفاهمات يمكن أن يُقال عنها إنها رسمية أو نهائية، على الرغم من صدور تصريحات عدة عن قيادات مدنية حيال التكتل المعارض الجديد في البرلمان المقبل. وعزا المتحدث نفسه الأسباب إلى نقاط ثانوية لم يتم التفاهم عليها بين حركتي “امتداد” و”الجيل الجديد”، تتعلق بقيادة التحالف وعمله داخل البرلمان وبرنامجه، فيما تقف كتلة “إشراقة كانون” على الحياد، كون مقاعدها أقل من مقاعد هذين الطرفين. كما أن النواب المستقلين الذين فازوا بشكل منفرد بدون حركة أو حزب، وعددهم نحو 15 عضواً، لا يملكون أي خيارات حالية سوى البحث عن تكتل داخل البرلمان يشبه توجهاتهم، وبسبب ذلك يتلقون عروضاً واسعة وإغراءات كبيرة، مقابل الانضمام للأحزاب التقليدية التي تحاول الآن رفع عدد مقاعدها داخل البرلمان.
وتحدث المصدر نفسه عن اتهامات تُوجه لرئيس حركة “امتداد” علاء الركابي، بأنه “يعتمد طريقة شعبوية في التعاطي، ويسعى لتصدير نفسه كقائد للمعارضة الجديدة في البلاد، وهو ما قد يكون سبباً في نفور القوى المدنية الأخرى وتحديداً حركة الجيل الجديد”. كذلك، كشف أنّ من بين الخلافات الحالية، بين من يمكن وصفهم بمدنيي جنوب العراق ومدنيي إقليم كردستان، التي تحول دون الإعلان رسمياً عن التكتل المدني المنشود في البرلمان العراقي، الاختلاف حول برنامج المعارضة بالنسبة للطرفين. وترفض حركة “امتداد” الدخول بأي شكل من الأشكال في العمل الحكومي وتريد البقاء كمعارضة فاعلة داخل البرلمان من دون التورط بالدخول في حكومة محاصصة طائفية، فيما تذهب حركة “الجيل الجديد” إلى أن يتم التوغل بالوزارات وكشف حلقات الفساد فيها، والتصدي لها.
تقارير عربية
قصة حركة “امتداد” المدنية: من خيمة إلى قبة البرلمان العراقي
يشار إلى أن حركة “امتداد” حصلت على تسعة مقاعد نيابية عن أربع محافظات هي ذي قار بواقع خمسة مقاعد، بابل بواقع مقعدين، والنجف والقادسية بواقع مقعد نيابي لكل منهما. وأكدت الحركة عقب فوزها، أنها ستتجه لتشكيل معارضة برلمانية، موضحة في بيان أن “لديها تفاهمات مع مجموعة من المستقلين الوطنيين، إضافة إلى بعض القوائم الجديدة”. لكن الحوارات التي قادتها الحركة مع بقية الفائزين في الانتخابات من المدنيين والمستقلين، لم تتوج بأي اتفاقات نهائية بشأن الموقف من الحكومة والبرلمان المقبلين.
وعلى خلاف ما أشيع أخيراً، قال النائب المستقل الفائز في الانتخابات، باسم خشان، إنه “لم ينتمِ لغاية الآن إلى حركة امتداد أو أي تيار آخر”، مؤكداً، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الحركات السياسية المدنية الرافضة لشكل النظام الحالي، لم تتفق على صيغة عمل واضحة للمستقبل، ربما لأن الوقت ما زال مبكراً، كما أن هناك اختلافات بوجهات النظر بين معظم هذه الأطراف، لكنها متفقة على أهداف عامة”. وأوضح خشان أن “هناك اتجاهين للقوى المدنية الفائزة؛ إما اللجوء إلى المعارضة البرلمانية، أو تكوين قوة برلمانية لتتحول فيما بعد إلى بيضة القبان، لفرض إرادتها على الكتل التقليدية الأخرى. وهناك تباين في وجهات النظر بشأن الاتجاهين، وقد يسفر هذا التباين عن تشكيل تحالفين أو كتلتين؛ كل واحدة تؤمن بطريق معين، ويمكنهما الاتحاد في وقتٍ لاحق”.
خشان: الحركات السياسية المدنية لم تتفق على صيغة عمل واضحة للمستقبل
ولفت خشان إلى أن “هناك نحو 15 نائباً مستقلاً يدعمون الخطين، لكن اختلاف وجهات النظر والاتجاهات الفكرية هو السبب بإطالة أمد الحوار، ولكن مع ذلك يمكن القول إن النتيجة النهائية ستكون واحدة، لأن جميع هذه الأطراف متفاهمة ومتفقة على خطوط عامة وهي محاربة التحاصص الحزبي، وتشكيل قوة تقف بوجه قوى السلاح المنفلت والمليشيات التي تستهدف الناشطين والمدنيين والصحافيين”. واعتبر أن “جميع الآفاق السياسية الحالية جيدة لبدء العمل في إطار أي من الاتجاهين، وبالتالي فإن الحياة السياسية في العراق باتت تحتوي طرفاً معارضاً يستمد قوته من الشعب الرافض لكل القوى السياسية المسلحة، والتي تخدم أجندات خارجية”، مضيفاً: “حتى وإن اختلفت القوى المدنية في آليات عملها، لكنها متفقة حول البنود التي طرحتها ثورة تشرين (أكتوبر) والعراقيون المتضررون من السلاح والمليشيات”.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي عبد الله الركابي أن “التفاهم بين الكيانات السياسية المدنية أصعب من التفاهم بين القوى التقليدية، لأن المدنيين لا يمتلكون نواظم في علاقاتهم أو مرجعيات سياسية يعودون إليها في حال فشلوا في الاتفاق. كما أن التظاهرات الشعبية الأخيرة أسفرت عن ولادة تمرد على أساليب الحوارات السياسية الهادئة، وبالتالي فإن اتفاق القوى المدنية قد يشهد مصاعب كثيرة”. وأوضح الركابي في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هناك طموحات داخل معسكر المدنيين لتزعم حركة المعارضة والتحول لنقطة جذب شعبية، ويمكن اعتبار أن في ذلك شيئاً من الأنانية. لكن بكل الأحوال، يجب عدم القلق كثيراً، باعتبار أن الجميع في هذا المعسكر يتفقون على أهمية معارضة القوى الإسلامية التقليدية التي أوصلت البلاد إلى واقع مأساوي، ويمكن التعويل على الوقت والتجارب لإصلاح الأجواء الحالية بين المدنيين، خصوصاً أنهم يخوضون أول تجربة لهم في البرلمان، والشارع صار يراقبهم أكثر من غيرهم”.
العربي الجديد