في أول خطاب له كرئيس منتخب في مسقط رأسه مدينة ديلاوير، شكر جو بايدن، في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، الناخبين الذين أعطوه “فوزاً صريحاً، راسخاً”، متعهداً برأب الصدع ولم شمل الشعب الأميركي عن طريق “تجميع الولايات المتحدة لا تقسيمها”. كما تعهد بجعل بلاده “محترمة في العالم مجدداً”، وأن “تقود العالم”.
إلا أنه وبعد مرور عام على انتخابه رئيساً، لا تزال المشكلات تواجهه داخلياً، إذ أظهرت استطلاعات الرأي انخفاض شعبيته. ولم يف بايدن بوعوده بالقضاء السريع على وباء كورونا، ما دفع البيت الأبيض إلى اتّخاذ تدابير ملزمة ما زالت تُوسّع الانقسامات في البلاد بشأن التطعيم أو التدابير الصحية الأخرى. كما أن فوز المرشّح الجمهوري غلين يونغكين، الموالي للرئيس السابق دونالد ترامب، في الانتخابات التي أجريت لاختيار حاكم لولاية فرجينيا، قد تمثل معياراً لما قد يحصل في الانتخابات النصفية للكونغرس العام المقبل.
ويمكن اعتبار محاولة بايدن لجعل أميركا “تقود العالم” فاشلة، مع تزايد عدد الدول الحليفة التي تنتقد واشنطن، جراء الخروج الفوضوي للقوات الأميركية من أفغانستان، وسرعة سيطرة حركة “طالبان” على البلد، بالإضافة إلى الخلاف الذي تفجر مع فرنسا بشأن بيع بلاده غواصات النووية لأستراليا. يضاف إلى كل هذا ارتفاع “شراسة” الصين عسكرياً، خصوصاً مع تزايد تحرشها بتايوان.
54 % من الأميركيين لا يوافقون على سياسة بايدن
ويجد بايدن نفسه حالياً في موقع غير مشجع، إذ أظهر استطلاع للرأي نشرته شبكة “أن بي سي نيوز”، في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن 54 في المائة من الأميركيين لا يوافقون على سياسته، مقابل 42 في المائة يدعمونها. أكثر من ذلك، فقد وجد الاستطلاع أن 7 من كل 10 بالغين، بمن فيهم نحو نصف الديمقراطيين، يعتقدون أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، فضلاً عما يقرب من 60 في المائة ينظرون بسلبية إلى إشراف بايدن على الاقتصاد. وقال الخبير في استطلاعات الرأي الديمقراطي بيتر هارت: “ما صوت له الناس هو الاستقرار والهدوء، وما حصلوا عليه هو عدم الاستقرار والفوضى”.
وبعد أن كان الديمقراطيون يسيطرون، منذ عام 2009، على ولاية فرجينيا، التي أعطت بايدن 10 نقاط، متقدماً على ترامب في الانتخابات الرئاسية، عاد طيف الرئيس السابق ليخيم عليها، مع فوز الجمهوري غلين يونغكين، على الديمقراطي تيري مكوليف، في الانتخابات التي أُجريت لاختيار حاكم لولاية فرجينيا، أمس الأول. وأدى هذا الأمر إلى زيادة القلق في المعسكر الديمقراطي قبل نحو عام على الانتخابات النصفية للكونغرس. وعلى الرغم من أنه لم يكن مدعواً إلى الولاية لدعم يونغكين، فإن ترامب أشاد بنفسه، وانتقد الديمقراطيين. وقال: “يبدو أن حملة تيري مكوليف ضد شخص معين يدعى “ترامب” ساعدت غلين يونغكين إلى حد كبير”. وأضاف: “كل ما فعله مكوليف هو الحديث عن ترامب وترامب وترامب وخسر!”.
و”أكبر خطر بالنسبة للديمقراطيين هو سوء قراءة اللحظة السياسية والفشل في التكيف معها، قبل توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع العام المقبل”، بحسب عضو الكونغرس الجمهوري السابق ديفيد جولي. وأوضح، في تغريدة بحسب شبكة “أن بي سي”، أن “التضخم ارتفع، والديمقراطيين في الكونغرس في حالة من الفوضى، وأعداد كورونا تنخفض وترتفع وطالبان عادت (لحكم أفغانستان). ربما لم يكن هذا (انتخاب يونغكين) فقط بسبب رسالة الحزب الجمهوري حول نظرية العرق والحروب الثقافية”. يشار إلى يونغكين يعارض إلزامية وضع الكمامة والتلقيح للأطفال أو لبعض المهن ويخوض معركة المناهج الدراسية. ويحارب بقوة تعليم “نظرية العرق الناقدة”، وهي تيار فكري يحلل العنصرية على أنها منظومة بدلاً من اعتبارها أحكاماً شخصية مسبقة.
وكان الحزب الديمقراطي قد حاول استخدام “أسلحته الثقيلة” من أجل الفوز بالولاية، حيث أتت شخصيات لها ثقلها الكبير في الحزب من بايدن إلى نائبته كامالا هاريس، فضلاً عن الرئيس السابق باراك أوباما وآخرين، إلى فيرجينيا دعماً لحملة ماكوليف. ويعتبر الاقتراع اختباراً أيضاً لقدرة بايدن على استمالة الطبقة المتوسطة المستفيدة الرئيسية من خططه الكبيرة للاستثمار في البنى التحتية ومكافحة التغير المناخي، وزيادة النفقات الاجتماعية التي يطمح من خلالها إلى إحداث تحول في الولايات المتحدة. إلا أن هاتين الخطتين عالقتان في الكونغرس.
تحليلات
عوائق وأزمات داخلية وخارجية تحاصر إدارة بايدن
كذلك تستمر خلافات ترامب وبايدن، ومن خلفهما الجمهوريون والديمقراطيون، بشأن اقتحام أنصار الرئيس السابق الكونغرس في 6 يناير/ كانون الثاني الماضي، خصوصاً بعد اعتراف ترامب بتوجهه في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى إدارة الأرشيف الوطني بطلب عدم تقديم الوثائق حول ما قام به أنصاره إلى لجنة الكونغرس الخاصة التي تحقق في تلك الأحداث. ولم يكتفِ ترامب بذلك، بل رفع دعوى قضائية في 18 أكتوبر لمنع نشر الوثائق والمستندات المرتبطة بواقعة الاقتحام، تحت شعار “الامتياز التنفيذي” للرؤساء الأميركيين. لكن الإدارة الأميركية رفضت خطوته.
وفي الشق الخارجي، حاول بايدن، عبر مشاركته في قمتي العشرين في روما، والمناخ في غلاسكو، إعادة العلاقات بين حلفاء ضفتي الأطلسي إلى السكة الصحيحة، بعد تدهورها كثيراً في عهد ترامب، وتزايد هذا التدهور جراء الانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية من أفغانستان، وسيطرة “طالبان” على الحكم منتصف أغسطس/ آب الماضي، بالإضافة إلى تفجر الخلاف مع فرنسا بشأن بيع أميركا غواصات نووية إلى أستراليا.
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست”، أمس الأربعاء، أن الهدف الرئيسي لبايدن في رحلته الخارجية الثانية منذ توليه منصبه، كان إعادة تأكيد قدرة أميركا على قيادة العالم في مجال تغير المناخ قبل فوات الأوان، لكنه أراد أيضاً إعادة تأكيد قدرته على القيادة. واعتبرت أنه منذ اللحظة التي هبط فيها في روما يوم الجمعة الماضي لحضور اجتماع مجموعة العشرين، ثم سافر إلى قمة المناخ في غلاسكو، تولى بايدن دور بائع متجول، مبتهجاً بالسياسات الشخصية التي يعتقد أنها تجعله مفاوضاً قوياً، ويمكن ترجمتها إلى إبرام صفقات جوهرية. وقال، بايدن في مؤتمر صحافي في روما، “لا يتوقف الأمر عن إدهاشي عندما تنظر إلى شخص ما مباشرة في عينه عندما تحاول إنجاز شيء ما. إنهم يعرفونني. أنا أعرفهم. يمكننا إنجاز الأمور معاً”. وأوضحت الصحيفة أن بايدن حريص على ترسيخ نفسه كقائد عالمي للعمل الجماعي بشأن السياسة المناخية، وهذا مسار مختلف تماماً عن النهج الذي اتبعته إدارة ترامب، التي تراجعت عن أكثر من 100 قاعدة لحماية البيئة، وعجلت، كما يقول بعض الخبراء، بآثار تغير المناخ.
“واشنطن بوست”: بايدن حريص على ترسيخ نفسه كقائد عالمي
وكان بايدن قد حاول، في خطاب ألقاه أمام مؤتمر ميونخ السنوي للأمن في فبراير/شباط الماضي، الابتعاد عن سياسات ترامب الانعزالية في العالم، متعهداً بـ”عودة التحالف بين ضفتي الأطلسي” في خطاب سعى إلى إعادة ترسيخ موقع الولايات المتحدة في قيادة الغرب ضد ما وصفه بالهجوم العالمي على الديمقراطية. وبين قرار إلغاء الرسوم على الواردات الأوروبية من الصلب والألومنيوم والتودد للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والتعهّد بالتشاور مع شركاء بلاده عبر الأطلسي بشأن قضايا عدة، سعى بايدن هذه المرة للتقارب مع الحلفاء الأوروبيين خلال قمة مجموعة العشرين. وحرصاً على تهدئة الأمور مع باريس، بعد أزمة صفقة الغواصات لأستراليا التي انتزعها الأميركيون من الفرنسيين، لم يدخر بايدن أي جهد وتوجه إلى السفارة الفرنسية مصافحاً الجميع، ومؤكداً “حبه” لفرنسا. كما أقر بالذنب معترفاً بتصرف الولايات المتحدة “بشكل أخرق” في قضية الغواصات. وكان ماكرون قد استدعى على خلفية هذه الأزمة سفير فرنسا لدى واشنطن، كما شبّه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان النهج الأحادي لبايدن بممارسات ترامب، “إنما من دون تغريدات”. وقال مسؤول أميركي كبير إن حلفاء الولايات المتحدة الذين استاءوا بعد الانسحاب الفوضوي من أفغانستان الذي تم دون تشاور على حد قولهم “مقتنعون بأنه يتعين تحقيق أكبر قدر ممكن من التقدم طالما هناك رئيس (أميركي) في البيت الأبيض متمسك بقوة بالعلاقة عبر الأطلسي”.
وفي حين أن بايدن انتقد عدم مشاركة الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة المناخ، فإنه حاول في المقابل، وبعد أيام من إعلانه التزام بلاده بالدفاع عن تايوان ضد الصين، ترطيب الأجواء مع بكين، مؤكداً، الثلاثاء الماضي، أنه غير قلق من وقوع نزاع مسلح عرضاً بين واشنطن وبكين، وذلك على الرغم من أن تنامي القوة العسكرية للصين واتجاهها لإنهاء الهيمنة الأميركية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تثير قلق البنتاغون. ويُعتبر الملف الصيني من نقاط الالتقاء النادرة بين الإدارتين الأميركيتين السابقة والحالية، خصوصاً بعد الحرب التجارية التي احتدمت بين بكين وواشنطن.
العربي الجديد