وسط عدم ثقة متزايدة بين إيران والقوى الغربية بدأت بفيينا، أمس الاثنين، مفاوضات الملف النووي بين طهران والولايات المتحدة عبر وساطة 5 دول وهي، روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. وتهدف المفاوضات إلى “إحياء الاتفاق النووي”، ورفع العقوبات الاقتصادية عن طهران التي أعادت فرضها الإدارة الأميركية السابقة، بعد انسحابها من الاتفاق النووي على عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وتعد الجولة الجديدة من المفاوضات السابعة منذ أن انطلقت المفاوضات خلال إبريل/نيسان الماضي، كما أنها الجولة الأولى في عهد الحكومة الإيرانية المحافظة الحالية.
ويرى خبراء أن حكومة رئيسي تدخل هذه المفاوضات وهي تحت ضغوط اقتصادية متزايدة، حيث يرتفع معدل التضخم في البلاد إلى أكثر من 60%، وتتراجع العملة مقابل الدولار.
وحسب مركز الإحصاء الإيراني، فإن أسعار بعض المواد الغذائية، مثل الحليب والجبن والبيض، ارتفعت فوق 72 في المائة، وإن الزيوت والدهون ارتفعت بنحو 92 في المائة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ويقدر مركز “إيران إنترناشيونال” في تقريره الصادر يوم الجمعة الماضي، أن التضخم السنوي في إيران بلغ في المتوسط نحو 44.1 بالمائة.
كما تراجع سعر صرف الريال الإيراني إلى أكثر من 28 ألف تومان للدولار الواحد في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، كما تعاني البلاد من مجموعة أزمات في خدمات الكهرباء والماء وسط تراجع الإنتاج الزراعي، وبالتالي فإن هذه الضغوط ربما ستدفع طهران للمرونة في المفاوضات، وخفض سقف المطالبات على الرغم من أنها غير متيقنة حول مستقبل الاتفاق في حال أتت الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2025 برئيس جمهوري قد يمزق الاتفاق النووي الجديد في حال توقيعه كما فعل الرئيس ترامب.
لكن رغم هذه الاحتمالات فإن الخبير الإيراني، أصفانديار باتمانخليجي، يرى أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي سيمضي في توقيع الاتفاق مع الولايات المتحدة، وربما سينظر لأي اتفاق مع الولايات المتحدة على أساس أنه “اتفاق مرحلي” أو “هدنة مؤقتة” تسمح للبلاد برفع العقوبات، ومساعدة الاقتصاد الإيراني الذي يعاني من الأزمات المالية والمعيشية. يُذكر أن حكومة رئيسي شهدت احتجاجات في أصفهان بسبب أزمة المياه، كما شهدت البلاد من قبل مظاهرات حاشدة في طهران بسبب انقطاع التيار لكهربائي وانهيار سعر صرف الريال الإيراني.
ورغم أن حكومة رئيسي تلقي باللوم في الأزمات المالية على الحكومة السابقة، إلا أن هنالك سخطا شعبيا متصاعدا من أن النمط الإيراني الحالي من الحكم والعلاقات الخارجية لن يكون في مصلحة الاقتصاد الإيراني. يذكر أن حكومة رئيسي تسلمت الحكم والعجز المالي بلغ 14.2 مليار دولار. وكان رئيسي قد وعد في حملته الانتخابية بحل الأزمات المعيشية، كما تعهد في مارس/ آذار الماضي بتوفير 11 مليون وظيفة جديدة، لخفض معدل البطالة المرتفع في البلاد تقدر كلفتها بنحو 11 مليار دولار. وبالتالي يرى محللون أن حكومة رئيسي ربما لن تتمكن من حل أزمات الاقتصاد المتراكمة من دون المضي قدماً في “المفاوضات النووية” لرفع العقوبات. ويقول مسؤولون إيرانيون إن أية خيارات أخرى غير المضي في المفاوضات ورفع العقوبات سوف تضر بالاقتصاد الإيراني، وتدفع لهجرة الكوادر الإيرانية المؤهلة للخارج.
لكن ما هي سيناريوهات الاقتصاد الإيراني مع بدء مفاوضات فيينا؟
الرئيس بوتين يشرف شخصياً على تنفيذ استراتيجية الطاقة الروسية (getty)
طاقة
هل تعرقل موسكو مفاوضات الملف النووي الإيراني بسبب مخاوف الطاقة؟
رغم العقبات التي واجهت إيران بسبب العقوبات، فإن الاقتصاد الإيراني عاد للنمو بعد عامين من الانكماش الحاد، وذلك حسب تقديرات صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ويعود التحسن في نمو الاقتصاد الإيراني إلى عوامل ارتفاع أسعار النفط والمشتقات النفطية. وحسب تقديرات الصندوق، فإن الاقتصاد الإيراني ربما يتمكن من النمو بمعدل 2.1% في العام المالي الجاري الذي ينتهي في مارس/ آذار المقبل، وفقاً للسنة الإيرانية التي تحسب بالتقويم الفارسي وليس الميلادي. وحسب بيانات البنك المركزي الإيراني، فإن القطاع النفطي نما خلال الـ 12 شهراً المنتهية في يونيو/ حزيران الماضي بنسبة 23.3%، ولكن البلاد شهدت انكماشاً في نموه القطاع الزراعي بسبب أزمة المياه.
ويرصد خبراء 4 سيناريوهات للاقتصاد الإيراني وفقاً لنتائج مفاوضات “الملف النووي” الجاري حالياً، أبرزها السيناريو المتفائل بنجاح المفاوضات ورفع العقوبات الأميركية.
وفي حال تحقق هذا السيناريو، فإن حكومة رئيسي ستتمكن من استعادة أموالها المجمدة في الخارج، والمقدرة بنحو 100 مليار دولار. كما ستتمكن البلاد من رفع حجم صادراتها النفطية إلى مستويات ما قبل إلغاء ترامب للاتفاق النووي في العام 2017. وكانت إيران قد تمكنت من رفع حجم إنتاجها من النفط إلى 4 ملايين برميل يومياً، وزيادة حجم الصادرات إلى أكثر من مليوني برميل.
وفي حال تحقق هذا السيناريو المتفائل، فإن المصارف التجارية الإيرانية ستعود إلى النظام المالي العالمي، وستتمكن حكومة رئيسي من جذب الاستثمارات وتعزيز سعر صرف الريال المنهار. وحسب تحليل بمعهد “الشرق الأوسط” للدراسات في واشنطن، فإن نجاح المفاوضات النووية مع واشنطن سيسمح للاقتصاد الإيراني بالنمو بمعدل يراوح بين 5% إلى 7%، وخفض معدل التضخم من معدله الحالي فوق 45% إلى نحو 20%، وزيادة حصة الدخل من النفط ومشتقاته في مكونات الناتج المحلي. وتركز حكومة رئيسي على تكرير النفط وبيعه في شكل مشتقات بدلاً عن بيع الخامات الإيرانية.
ولدى إيران اتفاق طويل الأجل، ولمدة 25 عاماً، مع الحكومة الصينية لاستثمار 250 مليار دولار في تطوير الصناعة النفطية والبتروكيماوية.
ومن غير المعروف في حال نجاح المفاوضات كيف ستنظر لهذا الاتفاق الذي يرتبط بوجود حماية عسكرية مباشرة من الصين، عبر إقامة قواعد عسكرية لضمان هذه الاستثمارات الضخمة.
أما السيناريو الثاني، فهو أن تتوصل طهران إلى صفقة جزئية مع واشنطن في الملف النووي، يتم بموجبها توقف حكومة رئيسي عن التخصيب العالي لليورانيوم، في مقابل رفع الحظر بشكل تدريجي وجزئي. ويقول معهد “الشرق الأوسط” للدراسات بواشنطن، مثل هذا الاتفاق سيتيح لإيران الحصول على أموالها المجمدة في الخارج، والسماح لها بتصدير 500 ألف برميل يومياً من المشتقات المكررة. ويرى خبراء أن مثل هذا الاتفاق سيمنح حكومة رئيسي هدنة لإدارة الاقتصاد الإيراني بمرونة أكبر وخفض الضغوط السياسية عليه.
أما السيناريو الثالث فهو التخلي عن “الوسطاء”، أي مفاوضات “5+1″، وأن تجري واشنطن مفاوضات مباشرة مع طهران عبر القنوات الدبلوماسية، وهو ما ترغب فيه واشنطن وترفضه طهران. وفي هذه الحالة، فإن أميركا ستفرض شروطها دون ضمانات دولية.
أما السيناريو المتشائم فهو فشل المفاوضات الجارية، واستمرار العقوبات الأميركية والمعاناة الاقتصادية في إيران.
على الجانب الأميركي يبدو أن إدارة الرئيس جو بايدن ترغب في مفاوضات مباشرة مع طهران دون وسطاء، ولكن ربط مفاوضات النووي بملفات السياسة الخارجية لطهران والصواريخ البالستية. وهنالك شكوك في واشنطن من تداعيات نجاح المفاوضات ورفع الحظر على مستقبل تطوير إيران للسلاح الذري بعد الاتفاق.
ناقلة نفط ترسو في ميناء تصدير بإيران/ فرانس برس
طاقة
إيران تبيع النفط مقابل استثمارات وسلع
في هذا الشأن يقول رئيس معهد “مجلس العلاقات الخارجية” الأميركي، ريتشارد هاس، إن رفع الحظر الاقتصادي ربما لن يضمن أن إيران لن تطور السلاح النووي، ومواصلة التخصيب في مقرات سرية غير الحالية التي تخضع لفحص وكالة الطاقة الذرية. وبالتالي يرى هاس أن رفع العقوبات سيعزز من موارد إيران المالية، وسيسمح لها بمواصلة تخريب الاستقرار السياسي في اليمن وسورية والعراق ولبنان.
ويقول في تحليل على موقع “مجلس العلاقات الخارجية”، إن الاتفاق الذي رفع العقوبات في العام 2015 لم يحد من قدرة إيران على تدخلاتها في المنطقة العربية.
كما يشير هاس الذي سبق أن عمل مستشاراً في مجلس الأمن القومي الأميركي، “لا يوجد سبب يجعلنا نعتقد أن إيران ستوقع اتفاقية قوية وطويلة الأجل للحد من نشاطاتها النووية”. كما يضيف أن “العقيدة الإيرانية وتوجهاتها السياسية ستتغير في المستقبل”. كما يشير إلى أن هنالك مخاوف في واشنطن من أن إيران ستقوم بمواصلة التخصيب في أماكن سرية. وبالتالي يفضل هاس أن تواصل واشنطن التعامل الدبلوماسي مع طهران دون توقيع اتفاقية ملزمة.
العربي الجديد