رغم توافق عدد من أحزاب المعارضة السياسية في لبنان وقوى الحراك الشعبي الذي انطلق في أكتوبر 2019 على وضع حد لهيمنة حزب الله وحلفائه على السلطة، إلا أن هذه القوى لا تزال مشتتة وضعيفة ما يضعها أمام اختبار تأسيس جبهة سياسية بديلة عن قوى السلطة.
بيروت – يريد اللبنانيون الرازحون تحت وطأة الأزمات تغيير أوضاعهم وبناء مؤسسات تؤمّن لهم العيش الكريم، لكن آمالهم في تحقيق ما يصبون إليه عبر الانتخابات النيابية المزمع عقدها في مارس المقبل تبدو ضعيفة مقارنة بقدرة الأحزاب السياسية التقليدية على تجييش القواعد الشعبية والإعلام والقدرات المادية مقابل معارضة تبدو هشة ومشتتة.
واعتبر رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل أنه “في هذه المرحلة المفصلية في تاريخ لبنان نحن أمام تحدٍّ مصيري لأنه سيحدّد ما سيكون عليه لبنان في السنوات المقبلة وبالتالي علينا أن نكون واعين لحجم المسؤولية الملقاة علينا كلبنانيين وكتائبيين”، لافتا إلى أن “تحالف المافيا والميليشيا يحاول وضع أسس لاستعادة سلطته على لبنان والإبقاء على ما هو عليه في السنوات الـ10 و20 المقبلة”، في إشارة إلى تحالف التيار الوطني الحر، حزب الله.
وشدد على أن “هذا التحالف ارتكب 3 جرائم كبرى بحق الشعب، أولها تسليم سيادة الدولة ليُدار لبنان من الخارج بوجود ميليشيا مسلّحة على أرضه مشرّعة من قبل المؤسسات من خلال المافيا التي تعطي الشرعية لمجلس النواب، وثانيها الجرائم المالية المتكرّرة من خلال هدر الأموال والموازنات وتواطؤ مصرف لبنان مع المافيا والميليشيا ما أدى إلى تدهور سعر الصرف والبنوك وأموال الشعب اللبناني، وثالث الجرائم الكبرى هو انفجار مرفأ بيروت”.
سامي الجميّل: تحالف المافيا والميليشيا يحاول الإبقاء على سلطته
وبعد عامين من اندلاع تظاهرات احتجاجية شعبية غير مسبوقة ضد الطبقة الحاكمة منذ عقود في لبنان، تنظر المعارضة إلى الانتخابات التشريعية المقبلة كمنازلة جديدة ضد النظام، مع إدراكها أن حظوظ إحداث تغيير ضئيلة في بلد أنهكته أزمات متراكمة.
وعلى وقع انهيار اقتصادي متسارع قلب حياة السكان رأسا على عقب وصنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، وجراء تداعيات تفشي فايروس كورونا، تراجع زخم الشارع تدريجيا. وفَقد كُثر الأمل بإمكانية إحداث تغيير ومحاسبة المرتكبين بعد انفجار مروّع في مرفأ بيروت حصد حياة أكثر من مئتي شخص وأصاب أكثر من 6500 ودمر أجزاء واسعة من العاصمة، ويرجح أن سببه أيضا إهمال وفساد.
وفي المقابل، حافظت المنظومة السياسية على تماسكها وصمودها، رغم التداعيات الكارثية للأزمات المتلاحقة والضغوط الدولية لإجراء إصلاحات من شأنها إنعاش الاقتصاد مقابل دعمها ماليا. وحافظت أيضا على قدرتها على تحريك الشارع.
وأفرز الحراك الشعبي مجموعات معارضة وأحزابا ناشئة، كما جذب أحزابا تقليدية وحركات انشقت عن المنظومة السياسية على غرار حزب الكتائب. ولئن كانت جميعها تطالب بتغيير سياسي، إلا أنها تتباين في رؤيتها وأساليب عملها لتحقيق هذا التغيير، كما في موقفها من قضايا خلافية رئيسية على غرار سلاح حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد.
وتقول الباحثة والأستاذة الجامعية ريما ماجد “واهم من يعتقد أن الدورة الانتخابية ستغير النظام” في بلد يتحكم بالسلطة فيه “من يملك السلاح والمال والميليشيات”.
وتعتبر الانتخابات النيابية الآلية الأساسية التي تضمن للمواطنين حرية اختيار من يمثلهم ويعبّر عن تطلّعاتهم.
ويرى بعض اللبنانيين أن الانتخابات النيابية التي ستحصل في الربيع المقبل هي مجال للتغيير، حيث يمكن أن يسمح خوضها بفوز أكثرية نيابية تنتج سلطة جديدة وتعمل على إنقاذ البلاد من براثن انهيار اقتصادي ومالي كاد يقضي عليها، فيما يتوقع آخرون أن تعيد القوى السياسية الحالية إنتاج نفسها عبر الانتخابات النيابية.
الانتخابات النيابية تعتبر الآلية الأساسية التي تضمن للمواطنين حرية اختيار من يمثلهم ويعبّر عن تطلّعاتهم
وستكون الانتخابات النيابيّة المقبلةُ الانتخابات الأولى بعد انطلاق الحراك الشعبي في السابع عشر من أكتوبر 2019، والذي طالب المشاركون فيه بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ومحاسبة الطبقة السياسية المتهمة بالفساد.
وأفرز هذا الحراك أكثر من 200 مجموعة، من بينها مجموعات حزبية وأخرى ذات طابع نقابي وأساتذة جامعيون وعسكريون متقاعدون وغيرهم. لكن هذه المجموعات فشلت في تأسيس جبهة سياسية معارضة بديلة عن قوى السلطة.
ومن المتوقع أن تشارك العشرات من المجموعات التي أفرزها الحراك الشعبي في الانتخابات النيابية المقبلة باعتبارها مجالا لتحقيق التغيير الذي ينشده اللبنانيون، بعد أن دمرت الأزمات المتلاحقة آمالهم فاندفع مئات الآلاف منهم إلى أصقاع العالم حاملين في حقائبهم وطنهم الجريح الذي لم يعرف أهله حتى الآن كيف يضعون إصبعهم على الجرح، ولم يتفقوا على الدواء المناسب لبلسمة جراحه.
وانتهت في العشرين من نوفمبر الماضي مهلة تسجيل اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية للاقتراع في الانتخابات النيابية المرتقبة في ربيع عام 2022، وبلغ عدد الناخبين المسجلين 244442 ناخبا مقارنة بـ92810 ناخبين في انتخابات عام 2018.
ورغم دخول الأحزاب اللبنانية في حملة انتخابية مبكرة استعدادا للاستحقاق الانتخابي القادم، لا يزال إجراء الانتخابات في موعدها غير مؤكد في ظل وجود سيناريوهات لتطييرها.
العرب