أثارت تصريحات قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال فرانك ماكنزي بشأن بقاء قوات بلاده في العراق مع تغيير طفيف في المهام الموكولة إليها، جدلا واسعا، خصوصا وأن هذه التصريحات تأتي متناقضة مع ما أعلنته بغداد في وقت سابق بشأن انتهاء مهام القوات الأميركية القتالية وحصر الوجود الأميركي بتقديم الاستشارة والتدريب للجيش العراقي.
بغداد – بعثت الولايات المتحدة بإشارات متناقضة بشأن انسحاب قواتها المفترض أن يكون نهاية الشهر الجاري من العراق، وهو ما يعكس ترددا أميركيا حيال الخطوة لاسيما في ظل الأوضاع السياسية الراهنة في العراق وفي المنطقة، ومع الأجواء المتشائمة حيال إمكانية التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي.
وأعلن قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال فرانك ماكنزي الجمعة أن بلاده ستبقي على العدد الحالي لقواتها والبالغ 2500 جندي في العراق، مشيرا إلى تغير طفيف في المهام الموكولة إلى تلك القوات.
وقال ماكنزي في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس إنه “على الرغم من تحول دور القوات الأميركية في العراق إلى دور غير قتالي، فإنها ستبقي على تقديم الدعم الجوي والمساعدات العسكرية الأخرى في قتال العراق ضد تنظيم داعش”.
وتتناقض تصريحات ماكنزي مع ما أعلنه مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي الخميس بشأن “انتهاء المهام القتالية رسميا لقوات التحالف الدولي”، وحصر العلاقة مع التحالف “في مجال التدريب والاستشارة والتمكين” للجيش العراقي.
وترى أوساط سياسية عراقية أن تصريحات ماكنزي بشأن الإبقاء على نفس حجم القوات التي تم إرسالها إلى العراق في العام 2014 وقوامها 2500 جندي، وحديثه بشكل غير مباشر عن عدم حصر مهامها في تقديم المشورة والتدريب فقط، بل ستكون هناك استمرارية في دعم الجيش العراقي عبر الإسناد الجوي، هو رسالة لإيران بأنه لا نية لبلاده في تكرار سيناريو الانسحاب السابق حينما تم إخلاء الساحة للأخيرة وميليشياتها لإحكام نفوذها على البلاد.
جبار المشهداني: واشنطن ترسل رسالة مفادها أنها لن تتخلى عن العراق
وتلفت الأوساط السياسية إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن ربما كانت متحمسة في البداية للانسحاب من العراق، بيد أن تداعيات ما حصل في أفغانستان في أغسطس الماضي، فضلا عن التحديات التي فرضتها الانتخابات التشريعية العراقية وتهديدات الميليشيات بإعادة خلط الأوراق كلها عوامل تدفع واشنطن إلى إعادة النظر في الانسحاب.
وتشير الأوساط إلى أن الولايات المتحدة تأخذ بالاعتبار إمكانية فشل المحادثات الدائرة في فيينا بشأن الملف النووي الإيراني، وترى بأنه في حال تحقق فإن أي انسحاب من الساحة العراقية لن يخدمها مستقبلا في مواجهة طهران.
وحذر قائد القيادة المركزية الأميركية من أن “تصعيد العنف من قبل الميليشيات المدعومة من إيران على القوات الأميركية والعراقية قد يستمر خلال الشهر الجاري”.
وأوضح أن “هذه الميليشيات تريد مغادرة جميع القوات الأميركية من العراق.. لكننا لن نغادر، مما قد يثير ردا مع اقترابنا من نهاية الشهر”، مبينا أن قوات بلاده انسحبت من القواعد التي لم تكن بحاجة إليها، وجعلت الوصول إليها صعبا.
وشدد ماكنزي على أن “العراقيين ما زالوا يريدون منا أن نكون موجودين وأن نشارك.. وطالما أنهم يريدون ذلك، يمكننا أن نتفق بشكل متبادل، وسنكون هناك”.
وعلى مدار الأيام الماضية هددت الميليشيات الموالية لإيران بتصعيد عملياتها المسلحة ضد الوجود الأميركي، في حال لم يجر انسحاب كامل من العراق. وأمهلت تلك الميليشيات القوات الأميركية حتى نهاية الشهر الجاري الموعد المقرر لتنفيذ قرار الانسحاب.
في المقابل لا تريد الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي انسحاب القوات الأميركية لأن ذلك سيخلي المجال أكثر أمام إيران وميليشياتها، فضلا عن تهديدات داعش الذي رغم إعلان انتهاء الحرب عليه في العام 2019، إلا أنه لا يزال ينشط وبقوة على الساحة العراقية.
واعتبر قائد القيادة المركزية الأميركية في مقابلته مع أسوشيتد برس أن “مقاتلي تنظيم داعش سيظلون يمثلون تهديدا في العراق، وأن التنظيم سيواصل إعادة تكوين نفسه، ربما تحت اسم مختلف”، لافتا إلى أن “مفتاح الحل سيكون ضمان عدم قدرة التنظيم على الاندماج مع العناصر الأخرى في جميع أنحاء العالم، وألا يصبح أكثر قوة وخطورة”.
ويرى محللون أن استمرار بقاء الولايات المتحدة في العراق تحت عناوين مختلفة من بينها تمكين الجيش العراقي ومواصلة الحرب على داعش هو رسالة أيضا للحلفاء في المنطقة، حيث تسعى الولايات المتحدة لإظهار نوع من الالتزام تجاههم في مواجهة التحديات التي تفرضها إيران، والذي بات محل شك من قبلهم.
وأوضح المحلل السياسي العراقي جبار المشهداني في تصريحات لـ”العرب” أن الولايات المتحدة تريد التأكيد لحلفائها وللقوى الإقليمية بأنها ليست في وارد التخلي عن الساحة العراقية، “وإذا كان هناك ثمن مستحق للانسحاب فيجب أن تحصل عليه قبل ذلك”.
بقاء الولايات المتحدة في العراق تحت عناوين مختلفة رسالة للحلفاء في المنطقة، حيث تسعى واشنطن لإظهار نوع من الالتزام تجاههم في مواجهة التحديات التي تفرضها إيران
ولفت المشهداني إلى أن قرار البقاء في العراق هو أيضا في جانب منه رسالة للقوى الدولية المنافسة ولاسيما الصين، حيث توجد القوات الأميركية اليوم في مكان يعتبر الحد الفاصل بين طريق الحرير الصيني.
واعتبر المحلل السياسي العراقي بأنه لا يمكن تجاهل واقع أن الولايات المتحدة تريد سحب إيران من المحور الصيني مقابل أثمان سياسية من بينها الملف العراقي، لافتا إلى المفاوضات الجارية في فيينا حيث تريد ايران حصر الحديث في ملفها النووي، وفي المقابل تريد الولايات المتحدة أن يكون الحوار شاملا لأنشطتها في المنطقة ودعمها للميليشيات.
وأعلن ماكنزي أن “وجود القوات الأميركية في جميع أنحاء الشرق الأوسط قد انخفض بشكل كبير منذ العام الماضي”، موضحا أن “هذا التواجد بلغ ذروته وسط التوترات مع إيران عند 80 ألف عنصر”.
وشدد على أنه “من المهم العمل مع شركائنا في المنطقة”، معربا عن قلقه من “تطوير إيران للصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وكذلك الطائرات المسلحة دون طيار”.
وتوصلت بغداد وواشنطن، في السادس والعشرين من يوليو الماضي، إلى اتفاق يقضي بانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق بحلول نهاية العام الجاري، فيما سيبقى عدد غير معلوم من القوات الأميركية لتقديم المشورة وتدريب القوات العراقية، وفق نص الاتفاق.
وتشكّل التحالف الدولي بقيادة واشنطن، والذي يضم أكثر من 80 دولة، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا والعديد من الدول العربية، في عام 2014 لدعم الهجمات في العراق وسوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ويرى مراقبون أن عدم الانسحاب الأميركي قد ينتهي إلى تصعيد جديد من قبل الميليشيات الإيرانية، مشيرين إلى مسارعة حركة النجباء إلى التهديد باستهداف القوات الأميركية.
العرب