يبدو أن أبو فدك وأكرم الكعبي قد ورثا قسميْ «قوات الحشد الشعبي» و”المقاومة” اللذين كانا تابعيْن لقائد الميليشيا الراحل.
بعد عامين على مقتل أبو مهدي المهندس، أصبحت خطوط خلافة الميليشيات المدعومة من إيران في العراق أكثر وضوحاً. يُقال إن المهندس كان يضطلع بدورين رئيسيين: نائب الرئيس وقائد العمليات في «قوات الحشد الشعبي»، وكبير ممثلي «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني في العراق. لكن اليوم يبدو أن هذين الدورين قد انقسما، حيث يضطلع عضو “كتائب حزب الله” أبو فدك (عبد الكريم الزيرجاوي) بدور قائد عمليات «قوات الحشد الشعبي» منذ شباط/فبراير 2020، في حين يطمح أكرم الكعبي، مؤسس “حركة حزب الله النجباء“، لقيادة “المقاومة”.
العامان الأولان لأبو فدك كقائد لـ «قوات الحشد الشعبي»
إن أبو فدك ليس بطبيعته شخصاً ودوداً في المجالس العامة. فبعد مسيرة مهنية في الظل مع «كتائب حزب الله»، استغرقه بعض الوقت للتكيف مع دور الزعيم الفعلي لقوة شبه عسكرية كبيرة تدعمها الحكومة. ومع ذلك، لا يزال يمارس الجزء الأكبر من استعراض القوة في الظل، ويشبه ذلك على نحو متزايد استراتيجية التوحيد التي كان المهندس، أحد مرشديه، قد بدأ في فرضها على «قوات الحشد الشعبي» قبل مقتله.
لقد أنشأ المهندس «أمن الحشد» (“مديرية الأمن المركزي” التابعة لـ «قوات الحشد الشعبي») كآلية رقابة داخلية لتعزيز الانضباط وترسيخ قبضته على مختلف فصائل «قوات الحشد». وقد تولى أبو فدك السيطرة على الذراع الأمني نفسه إلى جانب مجموعة من القوات الخاصة التابعة لـ «قوات الحشد» المعزّزة بأفراد من «كتائب حزب الله» على غرار “الوحدة 101″ و”الوحدة 313”. كما أظهر نفسه كعميل سياسي حذق وفعال ضمن هذه «الكتائب»، مناوراً للحصول على الأصوات في المجلس الاستشاري الداخلي للجماعة من أجل تقويض الأفراد المنافسين مثل أبو حسين (أحمد محسن فرج الحميداوي)، قائد العمليات الخاصة في «كتائب حزب الله». وخلال جلسة 27 تموز/يوليو، تآمر أبو فدك لعزل أبو حسين رسمياً من منصب الأمين العام لـ «الكتائب»، على الرغم من أن القضيةلا تزال على ما يبدو غير واضحة المعالم.
وفي الآونة الأخيرة، وجّه أبو فدك أنظاره إلى “العتبات”، وهي “وحدات الأضرحة” التي عارضت تعيينه كقائد عمليات «قوات الحشد الشعبي»منذ شباط/فبراير 2020. ويتواطأ لتقسيم أكبر هذه الوحدات “فرقة العباس القتالية” (اللواء 26 التابع لـ «قوات الحشد الشعبي»)، والذي على غرار الوحدات الأخرى تابع لآية الله علي السيستاني.
مساعي الكعبي الهادئة لقيادة “المقاومة”
يتردد أن الدور الرئيسي الآخر الذي لعبه المهندس – بصفته كبير ممثلي «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» وبالتالي المصالح الإيرانية – يضطلع به أكرم الكعبي. وكما أشار فريق “الأضواء الكاشفة للميليشيات” في مقال تشرين الأول/أكتوبر 2021 الذي نشره “مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت”، فمن المحتمل أن «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» قد اختار الكعبي لهذا الدور خلال زيارته لإيران في وقت مبكر لا يتجاوز كانون الثاني/يناير 2020 بعد مقتل المهندس.
ومنذ ذلك الحين، اكتفى الكعبي بإرسال مساعدين (“مساعدون جهاديون”) إلى الاجتماعات التي كان نظراؤه السابقون – هادي العامري وقيس الخزعلي وغيرهما – يحضرونها شخصياً. ويبدو اختيار الكعبي منطقياً نظراً لخدمته المتفانية في «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» في العراق وسوريا، فضلاً عن ميله إلى إبقاء تركيز «حركة حزب الله النجباء»الصغيرة نسبياً التابعة له مُنْصَباً على أنشطة المقاومة بدلاً من السياسة والمصالح التجارية. وأياً تكن الأسباب، كانت ترقيته مهينة للغاية لرئيسه السابق الخزعلي، الذي كان يتطلع إلى التفوّق عليه. وتجلى مؤشر قوي آخر على دعم طهران عندما ألقى الكعبي خطاباً في 9 كانون الأول/ديسمبر 2021 بينما كان يقف أمام أعلام المقاومة باستثناء علميْ «كتائب حزب الله» و”عصائب أهل الحق“. وعلى ما يبدو، شارك قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» إسماعيل قاآني في الفعالية وأصغى بانتباه لملاحظات الكعبي.
مواضيع وأفكار تستوجب انتباه المحللين
لدى أبو فدك والكعبي خصوم مشتركون: أحدهم أبو حسين، الذي يطرح تحدياً أمام أبو فدك في فلك «كتائب حزب الله» وأمام الكعبي و«فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» في السيطرة على أنشطة المقاومة. ومن بين الخصوم المشتركين الآخرين، الشقيقين قيس وليث الخزعلي – فهما لا يرغبان في أن يكبحهما أبو فدك أو الكعبي، اللذان يحظيان على ما يبدو بدعم العناصر المدعومة من إيران في العراق. وعلى غرار أبو حسين، ربما يعتقدان أن محور فدك – الكعبي يولي الأهمية لأهدافهما (على سبيل المثال، توحيد «قوات الحشد الشعبي» والسياسة الخارجية الإيرانية) على حساب أجندة المقاومة.
كما تؤكّد سيطرة أبو فدك على «أمن الحشد» واقع عدم وجود خط فاصل واضح بين أنشطة «قوات الحشد الشعبي» وأنشطة المقاومة. ويبدو أن آليته القسرية بدأت تُطبق قواعد على مكان وزمان وكيفية تنفيذ بعضأنشطة المقاومة، بما في ذلك أنواع الطائرات المسيرة المستخدمة في عمليات محددة. وفي كثير من الحالات، تسلّط المساعي الرامية لإبعاد وحدات الميليشات بشكل علني عن عمليات المقاومة الضوء على التداخل الكبير بين شبكتيْ «قوات الحشد الشعبي» و”المقاومة” وتكشف في الوقت نفسه معرفتهما المسبقة بأنشطة بعضهما البعض. فضلاً عن ذلك، ربما تلعب بعض القوات التابعة لأبو فدك – مثل “الوحدة 101” – دوراً متكاملاً في تحديد أهداف ضربات “المقاومة” (وعلى وجه التحديد الهجمات على القوافل)، وفقاً لبعض المعايير. باختصار، تتعاون إمبراطوريتا أبو فدك والكعبي في أنشطة المقاومة، وإن كان ذلك لرسم معالم الحملة بطرق تستقطب قبول ورضا «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» وإلحاقضرر أقل بمزاعم «قوات الحشد الشعبي» بأنها مؤسسة حكومية شرعية.