فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم مجددا بإصداره أمرا بوضع قوات الردع النووي الروسية في «حالة تأهب قتالية خاصة».
القرار، حسب بوتين، جاء ردا على مسؤولي حلف «الناتو» الذين أدلوا «بتصريحات عدوانية ضد روسيا» وذلك بعد أن اتخذ المسؤولون الغربيون «خطوات عدائية اقتصادية».
بالعودة إلى آخر التصريحات التي صدرت عن مسؤولي حلف شمال الأطلسي «الناتو» نجد تصريحا لأمينه العام، ينس ستولتنبرغ يقول إن الحلف يقوم بنشر وحدات قوة الرد أرضا وجوا وبحرا للرد بشكل سريع على أي حدث طارئ، وحسب وكالة الأنباء الألمانية، فإن رومانيا هي المرشحة لإرسال قوات برية إليها، كما ستتوجه بعض تلك القوات إلى النرويج «للمشاركة في تمرين».
هناك تصريح ثان، صدر في اليوم نفسه (25 شباط/فبراير) لستولتنبرغ يطالب الروس بعدم الانجذاب لدعاية الرئيس بوتين، وأن الحرب على أوكرانيا «لن تجعل روسيا أكثرا أمانا أو احتراما» وكذلك تصريح يقول فيه إن الوثيقة التأسيسية للعلاقات المشتركة والأمن بين الناتو وروسيا «قد عفا عليها الزمن في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا».
لقي قرار بوتين الخطير ردود فعل غربية تراوحت بين وضع الناطقة باسم «البيت الأبيض» جين ساكي، للقرار ضمن سياق «فبركة تهديدات غير موجودة من أجل تبرير مزيد من العدوان» وبين إدانة السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، التي رأت فيه «تصعيدا غير مقبول» وصولا إلى رد الأمين العام للناتو نفسه الذي قال إنه «بيان خطير» و«سلوك غير مسؤول».
التصعيد خطير فعلا، فهل يتناسب في القوة مع المبرّرات التي أدت إليه؟
من الصعب، بداية، أن نتخيل أن الرئيس الروسيّ يفترض أن أوروبا، والغرب، وكذلك المنظومة الديمقراطية في العالم، ستقف مكتوفة الأيدي أثناء «العملية الخاصة» التي يقوم بها جيشه، والتي ستؤدي إلى احتلال دولة أوروبية ذات سيادة (ناهيك عن كونها محسوبة على منظومتها السياسية).
يمثّل هجوم الجيش الروسي على أوكرانيا تطوّرا عسكريا وسياسيا هائلا بشكل يتجاوز التدخّلات العسكرية الروسية السابقة في جورجيا وكوسوفو وسوريا وأوكرانيا نفسها (مع احتلال شبه جزيرة القرم ومناطق شرق البلاد عام 2014) ويمكن القول إن بوتين قد اجتاز خطا أحمر بشكل يضطر أوروبا والغرب وحلف شمال الأطلسي (المتهمة أصلا بالتخلي عن أوكرانيا) للتحرك.
لا يمكن، مع ذلك، اعتبار التحرّكات العسكرية المحدودة التي قام بها حلف الأطلسي، أو تصريحات مسؤوليه، سببا كافيا لرفع درجة التأهب القتالي الروسي إلى درجة استخدام «الردع النووي».
الأغلب أن انزعاج سيّد الكرملين الأساسي ناتج عن عدم تمكّن جيوشه من حسم الحرب بسرعة، وعدم نجاح دعواته للجيش الأوكراني بالانشقاق على القيادة السياسية، إضافة إلى تشكّل مقاومة شعبيّة داخلية حتى في المناطق الشرقية التي كانت روسيا تفترض أنها تضم حاضنة شعبية مناصرة لها.
ترافقت هذه العناصر المعاكسة للاجتياح مع ازدياد التعاطف العالمي مع الأوكرانيين، وكذلك تنامي المظاهرات المناهضة للحرب داخل روسيا نفسها، وكذلك مع قرارات اقتصادية وسياسية (ورياضية) عالمية موجعة لإدارة بوتين، تدرّجت من العقوبات ضده شخصيا، وضد المسؤولين الروس الكبار، وبدأت تقترب الآن من إعلان «خيار نووي» اقتصادي وهو إخراج روسيا من نظام سويفت المالي، الذي سيكون ضربة كبرى للاقتصاد الروسي.
قرار بوتين، ضمن هذا السياق، هو علامة ضعف لا قوّة، فالسلاح النووي لا جدوى له فعليا في الصراعات الطرفية، وقد هزمت قوى نووية كبرى في أرض المعركة بحيث لم تستطع ترساناتها الضخمة تقديم العون لها، كما حصل مع أمريكا في فييتنام والاتحاد السوفييتي في أفغانستان.
الحروب النووية مستحيلة لأنها تعني انتحارا مشتركا بين أطرافها، والتلويح بها، على طريقة بوتين خلال محادثاته مع الرئيس الفرنسي، أو «ردا على تصريحات» هو تعبير عن الضعف وليس القوة.
القدس العربي