لم يكن لدى أوروبا حل سوى تسليح أوكرانيا بمختلف أنواع الأسلحة من أجل أن تقاوم الغزو الروسي. ذلك واقع فرضته الولايات المتحدة ولكنه لا يمثل الحقيقة التي كان في إمكان دول الاتحاد الأوروبي أن تتبعها وتقوم قياسا عليها بدور الوسيط الإيجابي لحل النزاع الروسي – الأوكراني من غير الوصول إلى حالة الحرب. لقد خسرت أوروبا دورها الإيجابي بسبب تبعيتها للولايات المتحدة. ومن الغريب فعلا أن تبدو القارة التي تقع على أراضيها الحرب طرفا سلبيا في حرب تهدد استقرارها أكثر من كل الأطراف العالمية التي ألحقت تلك الحرب الأضرار باقتصادها.
في حقيقة الأمر فإن أوروبا التي تعلن كل يوم عن تسليحها لأوكرانيا هي طرف هامشي في الصراع مع روسيا. فالولايات المتحدة هي الطرف المقابل لروسيا ولم يكن موقف أوروبا من الأزمة إلا انعكاسا لما قررته الإدارة الأميركية التي دفعت بالأمور إلى الهاوية حين اضطرت روسيا إلى تنفيذ تهديداتها جراء إصرار الرئيس الأوكراني على المضي في مشروع انضمام بلاده إلى الناتو.
◙ كانت حرب أوكرانيا مخططا لها أميركيا ولكن المخطط الأميركي ما كان له أن ينجح لو أن الاتحاد الأوروبي كان في أقوى حالاته
لقد تخلت أوروبا عن ممارسة دور الوسيط الإيجابي قبل نشوب الحرب وهو ما يؤكد ضعف قياداتها أمام التصلب الأميركي.
تسليح أوكرانيا هو مطلب أميركي، الغرض منه تشجيع الرئيس الأوكراني على أن يستمر في عناده وهو ما يعني استمرار الحرب من غير أن تكون المفاوضات ذات نفع يُذكر.
كل الأوراق على طاولة المفاوضات لا تتعلق بجوهر الخلاف إنما هي نوع من تبادل وجهات النظر حول بعض الإجراءات التي تتعلق بهوامش الصراع مثل فتح ممرات آمنة للمدنيين. أما الخلاف الجوهري فإنه باق على الأقل حتى الآن في انتظار أن يلين أحد الطرفين موقفه وبالطبع لن تكون روسيا هي ذلك الطرف لأسباب كثيرة.
روسيا هي الطرف الأقوى وهي إن لم تكن راغبة في إسقاط العاصمة كييف فلأنها لا تريد إنهاء الحرب بطريقة تكلفها الكثير. روسيا قادرة على حسم الحرب لصالحها بسبب تفوقها في كل شيء كما أن المجتمع الدولي لن يقوى على اتخاذ قرار ضدها. لذلك فإن تسليح أوكرانيا في حرب خاسرة هي فكرة أميركية، الغرض منها إظهار أوروبا العاجزة عن وضع حد لحرب تضر بها بالدرجة الأساس.
لقد استغلت الولايات المتحدة غياب السياسيين الأوروبيين الكبار فصارت تعبث بعقول السياسيين الهواة الذين لم ينجحوا في تخطي العقبة الأوكرانية في علاقتهم بروسيا التي يمكن أن تكون أفضل شريك استراتيجي مع أوروبا. أفسدوا مستقبلا مضمونا مراهنين على قوة غامضة لا تنظر إليهم باحترام باعتبارهم يمثلون القارة العجوز.
في الفكر السياسي الأميركي فإن اتحادا أوروبيا قويا هو أكثر خطورة على النفوذ الأميركي من روسيا القوية. فروسيا لا تنافس الولايات المتحدة على زعامة العالم الغربي. في إمكان الاتحاد الأوروبي إن كان قويا ومتماسكا أن يقوم بذلك. ولذلك وقفت الولايات المتحدة بكامل قوتها وأكاذيبها مع مشروع الانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي (بريكست). وهي اليوم تعمل على أن تكون كل الطرق مسدودة بين روسيا والاتحاد الأوروبي.
◙ أوروبا تخلت عن ممارسة دور الوسيط الإيجابي قبل نشوب الحرب وهو ما يؤكد ضعف قياداتها أمام التصلب الأميركي
إذاً ضربت الولايات المتحدة عصفورين بحجر واحد من خلال حرب أوكرانيا. فهي من جهة وجدت في تلك الحرب مناسبة لفرض كل أنواع العقوبات على روسيا بمشاركة الدول الأوروبية وفي مقدمتها بريطانيا. ومن جهة أخرى فإنها أوقعت الاتحاد الأوروبي في واحدة من أخطر الأزمات التي كشفت عن ضعفه ورداءة الأداء السياسي لزعمائه الذين لم يكونوا جادين في إنقاذ أوكرانيا بقدر ما كانوا يحاولون إرضاء الولايات المتحدة من غير أن يضمنوا أنها ستقف مع أوكرانيا وتدفع عن شعبها أضرار حرب مدمرة.
وبالنتيجة فقد تُركت أوكرانيا من دون غطاء في مواجهة عدو صعب المراس يؤمن بشكل مطلق أن أحلام الرئيس الأوكراني تشكل خطرا حقيقيا على مصيره. كما أن أحدا لن يستطيع الوقوف في مواجهته بالطريقة نفسها لأنه مسلح نوويا وليس من مصلحة أحد أن يعبث به.
أوكرانيا هي الضحية التي تعمل أوروبا على مستوى علني على إغراقها في جحيم روسي لا يبدو أن نهايته ستحل قريبا ما دام المسعى الأوروبي قائما على تسليح أوكرانيا وليس على دفعها إلى أن تكون إيجابية في المفاوضات وتتخلى عن أحلام زعيمها الذي يجب ألا يكون له مكان في مستقبلها.
سيكون من الصعب الحكم بأنها مسألة سوء حظ.
كانت حرب أوكرانيا مخططا لها أميركيا ولكن المخطط الأميركي ما كان له أن ينجح لو أن الاتحاد الأوروبي كان في أقوى حالاته.
العرب