تحت عنوان: الفشل الروسي في أوكرانيا.. ما هي التداعيات في الشرق الأوسط؟، حاولت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، في مقال لجورج ماليزيون، الرّد على التساؤلات التالية:
هل يمكن لتقارب وجهات النظر بين إسرائيل والدول العربية تسريع التقارب بينهما؟
رداً على السؤال، تقول الصحيفة إنه لأسباب مختلفة، تجتمع إسرائيل وجيرانها العرب لإظهار الحياد فيالحرب الروسية في أوكرانيا، حتى لو كان ذلك يعني استياء حلفائهم الأوروبيين أو الأمريكيين. هذا التقارب في وجهات النظر الاقتصادية لا ينبغي، مع ذلك، أن يسرع التطبيع بين الدولة اليهودية والعالم العربي، الذي بدأ قبل عامين مع اتفاقات أبراهام. قبل كل شيء، تسعى إسرائيل إلى عدم عزل روسيا حتى يترك فلاديمير بوتين لها الحرية في قصف أهداف إيرانية أو موالية لإيران، عدوها اللدود، من سماء سوريا.
أما الدول الخليجية- تضيف الصحيفة- اعتقادًا منهما أن “هذه الحرب لا تخصها”، فإنها تحرص- ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- على إبقاء روسيا كشريك، لا سيما في أسواق الطاقة، وجعل الولايات المتحدة تدفع ثمن فك ارتباطها بالشرق الأوسط.
“في عالم متعدد الأقطاب حيث ارتقت هذه الدول إلى مرتبة القوة المتوسطة، أقامت روابط متنوعة مع العديد من الشركاء، وبالتالي ساهمت في تمكينها”، كما تحلل إيما سوبير، الباحثة في جامعة جورج واشنطن. وتتابع قائلة: “إنهم لا يقدرون الأوامر الزجرية باختيار الجانب الصحيح وفقًا لوجهات النظر الأمريكية لحرب باردة جديدة والتي لا تتماشى مع واقع العلاقات الدولية المعاصرة”.
وحرصاً منها على استعادة السيطرة، جمعت الولايات المتحدة في صحراء النقب رؤساء دبلوماسية المحور العربي الموالي لإسرائيل، لكن فكرة إنشاء “الناتو العربي” ما تزال بعيدة المنال. ووفقًا لعدة مصادر، كانت إسرائيل هي التي زودت أبو ظبي بالمعلومات الاستخباراتية لضرب أهداف في اليمن، ردًا على هجمات الطائرات بدون طيار على أبو ظبي في وقت سابق من هذا العام من قبل المتمردين الحوثيينالموالين لإيران.
هل الخلاف بين الخليج والولايات المتحدة لا يمكن علاجه؟
رداً على السؤال، قالت “لوفيغارو” إنه بفضل الصراع الأوكراني، قامت الإمارات، ولكن خاصة السعودية، بتحرير نفسها من الحامي الأمريكية. فقد رفض ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (الملقب بـMBS) إجراء مكالمة هاتفية مع جو بايدن، الذي أصر على جعل بن سلمان منبوذًا بعد اغتيال المعارض جمال خاشقجي. وفي يونيو/ حزيران 2021، أثار سحب صواريخ باتريوت الأمريكية المنتشرة للدفاع عن المملكة حيث تعرضت لهجوم من أعدائها الحوثيين اليمنيين غضب محمد بن سلمان بشدة.
في المقابل، يحافظ ولي العهد السعودي على علاقات جيدة مع بوتين، المستبد الذي لا يخذل حلفاءه، مثل بشار الأسد. وقد رفضت الرياض لتوها الاستسلام للمطلب الأمريكي لزيادة إنتاج النفط لخفض سعر البرميل. لذلك تنتظر المملكة العربية السعودية بصبر انتهاء ولاية جو بايدن.
من ناحية أخرى، هدأت أبو ظبي وواشنطن من القطيعة بينهما. فبعد الامتناع في تصويت أولي في مجلس الأمن الدولي لإدانة روسيا، حذت الإمارات حذو الولايات المتحدة في تصويت آخر في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ثم حصل ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، خلال لقاء في المغرب، من رئيس الدبلوماسية الأمريكية أنطوني بلينكين على اعتذار أمريكي عن عدم الرد السريع على هجمات طائرات الحوثي المسيرة ضد أبوظبي مطلع العام.
هل تستطيع فرنسا الاستفادة من خيبة الأمل بين الخليج وواشنطن؟
ردا على السؤال، أوضحت “لوفيغارو” أنه على مدى الخمسين عامًا الماضية، تمكنت فرنسا عمومًا من رفع نفسها إلى مرتبة “شريك التعويض” للسعودية، على خلفية غضب الأخيرة من الولايات المتحدة، وهو الموقف الذي مكّن باريس من جني نجاحات تجارية. لكن ليس من المؤكد على الإطلاق أن باريس ستنجح في الاستفادة من خيبة الأمل السعودية تجاه الأمريكيين. بالتأكيد، تقدر الرياض الموقف الفرنسي المتشدد تقليديًا في المفاوضات لمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية، لكن بين محمد بن سلمان وإيمانويل ماكرون، ليست هناك كيمياء في الوقت الحالي.
ويشير مارك مارتينيز، المتخصص في شؤون السعودية، إلى أنه “بعد الأزمة المرتبطة باغتيال خاشقجي، حاول إيمانويل ماكرون التدخل في اللعبة من خلال عرضه على محمد بن سلمان إعادة الاستثمار في لبنان للمساعدة في الإصلاحات في بيروت، لكن محاولته باءت بالفشل”. كما أن سوريا، التي أعادت بعض الأنظمة في الخليج الاتصال معها، هي سبب آخر للخلاف بين باريس ومحور الرياض – أبو ظبي.
هل الحياد الإسرائيلي مصدر توتر مع حليفتها الأمريكية؟
ردا على السؤال، ذكرت “لوفيغارو” أنه بينما انتقد أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي الدولة اليهودية بسبب “عدم تضامنها” في إدانتها للغزو الروسي لأوكرانيا، لم ينتقد أي مسؤول في إدارة جو بايدن علانية الحليف الرئيسي لواشنطن في الشرق الأوسط. لقد ردت إسرائيل مرة أخرى، وفقا لمصالحها الخاصة، تقول الصحيفة.
فهي “إسرائيل” تهدف إلى انسحاب إيراني من سوريا، وبالتالي استمرار الضوء الأخضر الروسي لغاراتها الجوية ضد أهداف إيرانية في سوريا. ومن الواضح أن الولايات المتحدة قد فهمت هذا الأمر، خاصة وأن الدولة اليهودية قد شددت موقفها فيما يتعلق بموسكو، حيث صوتت لصالح استبعاد روسيا من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. “فهمت الولايات المتحدة أيضًا سبب عدم تعليق إسرائيل لرحلاتها الجوية مع موسكو، لأنه منذ بداية الحرب كانت هناك زيادة في هجرة اليهود من روسيا، أكثر من أي مكان آخر من أوكرانيا”.
هل ستدفع موسكو الثمن في سوريا؟
رداً على السؤال، قالت “لوفيغارو” إن للفشل العسكري الروسي في أوكرانيا آثارا جانبية ليس من المفترض أن تقوض التفويض الذي تمارسه موسكو على سوريا. ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي مطلع على الصراع السوري قوله: “لقد لاحظنا انخفاضًا في تورط القوات الجوية الروسية في الهجمات ضد المعارضة المسلحة السورية”.
وأضاف الدبلوماسي القول إنه في ظل التطورات في أوكرانيا والأولويات الحالية لموسكو، بات الهجوم الروسي على إدلب، آخر معقل لمعارضي بشار الأسد، مستبعدا في الوقت الحالي، الأمر ويصب في مصلحة تركيا، لاسيما فيما يتعلق بالتدفق الهائل للاجئين السوريين من إدلب في حال تم هذا الهجوم.
فتركيا- بحسب الدبلوماسي دائما- التي تستضيف المفاوضات الروسية الأوكرانية، هي محل اهتمام أمريكي كامل. إذ تضغط عليها واشنطن لتبني المواقف الغربية في أوكرانيا. في المقابل، يمنحها الأمريكيون مساحة أكبر لضرب أعدائها الأكراد في شمال شرق سوريا. وكان أول مؤشر على إعادة تموضع تركيا هو تصويتها لصالح استبعاد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. والثاني إغلاق المجال الجوي التركي أمام الرحلات الجوية الروسية إلى سوريا.
أخيرًا، التأثير الجانبي النهائي للصراع الأوكراني: تم تعزيز الصلة بين سوريا وروسيا، توضح “لوفيغارو”، ناقلة عن الأكاديمي فابريس بالانش قوله: “إن آمال إعادة تموضع سوريا نحو الغرب، بينما كانت بعض الدول الأوروبية تتلاعب بفكرة العودة إلى سوريا، تبدو الآن وكأنها منسية نهائيًا”.
القدس العربي