شهدت العلاقات الخليجية ـ الأمريكية تراجع الثقة منذ عهد الرئيس بوش الابن وحروبه الاستباقية تحت يافطة «الحرب على الإرهاب» وحربي أفغانستان والعراق، وبعدها حرب أوباما على تنظيم «الدولة» – داعش وتخلي أمريكا عن حلفائها التقليديين في مصر وتونس والمنطقة إبان انتفاضات الربيع العربي، ومفاوضات النووي الإيراني السرية بين أمريكا وإيران على حساب دول مجلس التعاون، ودون مراعاة مصالح حلفائها الخليجيين وتهديد أمنهم بمنح إيران ضوءاً أخضر لتفاخر بسيطرتها عبر أذرعها على أربع دول عربية.
وعدم تحرك ترامب لطمأنة الحلفاء في السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بعد الاعتداءات على منشآت أرامكو في ابقيق وخريص في سبتمبر/ايلول 2019 لأن «الاعتداء وقع في السعودية وليس في أمريكا» واغتياله قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني – ذراع مشروع إيران التوسعي في المنطقة، دون تنسيق وإحاطة الحلفاء الخليجيين – ما كاد يتسبب بحرب تطال تداعياتها القواعد العسكرية الأمريكية في دول المجلس.
موقف الرئيس جو بايدن هو تخفيض مكانة منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي استمرارا لاستراتيجية الرئيس أوباما عام 2012 «الاستدارة شرقا» لاحتواء الصين. أكد ذلك الرئيس بايدن نهاية هذا الشهر، بزيارته الأولى لكوريا الجنوبية واليابان والاصطفاف ضد الصين وعقد اجتماع لمجموعة الرباعية -QUAD – وهو تحالف يضم أمريكا واليابان وأستراليا والهند تشكل عام 2007. وتشكيل مجموعة تحالف AUKUS- الانغلوساكسوني بقيادة أمريكا مع بريطانيا وأستراليا في سبتمبر/ايلول 2021 دفع أستراليا لإلغاء صفقة غواصات فرنسية، وخسارة فرنسا مليارات اليورو. ذلك ما يؤكد استمرار النهج الأمريكي بتخفيض أولوية ومكانة منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي مقابل ترقية مكانة شرق آسيا والصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادي.
حتى قبل فوز بايدن بعامين بانتخابات الرئاسة ضد منافسه ترامب الجمهوري كان موقفه متشدداً من السعودية وخاصة تجاه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أعقاب اغتيال الصحافي السعودي وكاتب العمود في صحيفة «واشنطن بوست» جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018. أعلن بايدن، الذي لم يكن مسؤولاً حينها، بعد نصف قرن من عمله في الكونغرس وخاصة مجلس الشيوخ، وترؤس لجنة الشؤون الخارجية – وعمل ثمانية أعوام في منصب نائب الرئيس أوباما- تعهد بالحفاظ على موقفه المتشدد من السعودية، بسبب اغتيال خاشقجي.
وبعد فوز الرئيس بايدن بالرئاسة عمل على مناكفة السعودية بحذف جماعة الحوثيين من قائمة «منظمة إرهابية أجنبية» وقد كان الرئيس السابق ترامب وضع الحوثيين على القائمة في أيامه الأخيرة مع فيلق القدس الإيراني. وسحب بايدن أنظمة دفاع صاروخية باتريوت وثاد المتطورة وقوات عسكرية أمريكية من السعودية والكويت وقطر والأردن.
زيارة الرئيس بايدن المقبلة للسعودية ولقاء القادة الخليجيين مهمة لتصويب العلاقات الأمريكية – الخليجية وإعادتها لمسارها التقليدي وبناء الثقة المفقودة
وأعقب ذلك الانسحاب العسكري الأمريكي المرتبك من أفغانستان في آب/أغسطس2021 بعد أطول حرب في تاريخ أمريكا إذ استمرت 20 عاماً، وانتهت بهزيمة مدوية وعودة حركة طالبان لتحكم أفغانستان وسقوط نظام أشرف غني المدعوم أمريكيا وفراره خارج أفغانستان ما عمق هوة تراجع الثقة بالحليف الأمريكي المرتبك والمتردد وتخليه عن حلفائه. وبرغم ذلك ساهمت دول مجلس التعاون وعلى رأسها دولة قطر بعملية إجلاء واسعة للأمريكيين والمتعاونين الأفغان ما أكد موثوقية ودور الحلفاء الخليجيين البناء في دعم الحليف الأمريكي برغم تراجع مصداقيته وتخفيض مكانة الخليج والاستدارة شرقاً.
لكن حدثين قلبا المعايير وغيرا موقف الرئيس بايدن شخصياً وإدارته ودفعا للانفتاح على السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.
1 ـ تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا على أمن الطاقة من نفط وغاز، خاصة مع سعي أمريكا والاتحاد الأوروبي ودول الناتو لمقاطعة النفط والغاز الروسي وتعويضه، ولو جزئيا، وخفض أسعاره التي تؤثر سلباً على التضخم وارتفاع أسعار السلع، وارتفاع التضخم مدفوعاً بارتفاع أسعار النفط والغاز وتجاوز سعر برميل النفط 120 دولارا للبرميل الأسبوع الماضي، ومعه ارتفاع أسعار السلع. يرافق ذلك غضب شعبي في الداخل الأمريكي من ارتفاع أسعار السلع وخاصة الوقود، والانقسام الأمريكي السياسي وجرائم القتل المتنقل وآخره مجزرة مدرسة ابتدائية في تكساس، ما ولّد حالة إحباط شعبي أمريكي، ساهم بتراجع شعبية الرئيس بايدن بشكل كبير لحوالي 40٪ مع الخشية من انعكاس ذلك كله بخسارة حزب الرئيس بايدن الديمقراطي أغلبيته الضئيلة في مجلس النواب وربما مجلس الشيوخ قبل 5 أشهر من انتخابات التجديد النصفي لجميع أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ وحكام بعض الولايات، ما سيعرقل مشاريع القوانين التي تقدمها إدارته في العامين الأخيرين لها، وخشيته من عودة الحزب الجمهوري للبيت الأبيض في انتخابات الرئاسة عام 2024.
2 ـ كشف موقع أكسيوس Axios الإخباري الأمريكي عزم الرئيس
أقنعت هذه الوقائع الصعبة الرئيس بايدن ومجلس الأمن الوطني بإعادة الحسابات وتغيير المقاربة تجاه دول مجلس التعاون وخاصة السعودية والإمارات. تمثل ذلك بزيارة مدير الاستخبارات المركزية CIA للسعودية في أبريل/نيسان، وزيارة وفد رفيع المستوى بقيادة كاميلا هاريس نائبة الرئيس، ووزير الخارجية ومدير الاستخبارات CIA لتعزية القيادة في الإمارات بوفاة الشيخ خليفة بن زايد وتهنئة الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
زيارة الرئيس بايدن المقبلة للسعودية ولقاء القادة الخليجيين مهمة لتصويب العلاقات الأمريكية – الخليجية وإعادتها لمسارها التقليدي وبناء الثقة المفقودة إذ يعلم الطرفان أن لا بديل واقعيا عن تحالف يصل لثمانية عقود، وأنه يمكن لأمريكا حماية مصالحها وطمأنة حلفائها، واحتواء الصين ومواجهة روسيا مع حلفائها من أوروبا إلى آسيا مروراً بالحلفاء الخليجيين، والإبقاء على التزاماتها الأمنية تجاه حلفائها الخليجيين.
القدس العربي