أنقرة – لوّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالقيام بعملية عسكرية كبيرة ضد المقاتلين الأكراد شمال سوريا ضمن خطته لإنشاء منطقة عازلة على الحدود، مستفيدا من انشغال العالم -وخاصة روسيا- بالحرب في أوكرانيا.
ولا يكاد يمر يوم دون تبادل إطلاق نار وقصف بين المقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة، والقوات التركية ومسلحي المعارضة السورية المدعومين من تركيا.
ويحذر مراقبون من أن توغل أنقرة يأتي بمخاطر وتعقيدات ويهدد بإفساد علاقات تركيا مع كل من الولايات المتحدة وروسيا. كما أنه يخاطر بخلق موجة نزوح جديدة في منطقة مزقتها الحرب.
آرون شتاين: الدلائل تقول إن أردوغان يخاطر كثيرا بالتوغل في سوريا
وحدد أردوغان في الشهر الماضي خططا لاستئناف جهود تركيا في إنشاء منطقة عازلة بعرض 30 كيلومترا على طول حدودها الجنوبية، لتفصلها عن الأراضي التي تقع تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية. وأراد الرئيس التركي إنشاء تلك المنطقة في 2019 لكن العملية العسكرية فشلت في تحقيق أهدافها.
وقال أردوغان إن قواته ستتحرك، دون أن يقدم جدولا زمنيا محددا، ما فتح الباب أمام تأويلات مختلفة يذهب بعضها إلى اعتبار كلام الرئيس التركي اختبارا بالدرجة الأولى لموقف روسيا المنشغلة بتدخلها في أوكرانيا، والتي لا تستطيع أن تخوض حربا على واجهتين متباعدتين.
وقامت تركيا منذ 2016 بثلاث عمليات عسكرية رئيسية داخل سوريا، مستهدفة الميليشيات الكردية الرئيسية في سوريا التي تعتبرها منظمة إرهابية وامتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور.
وسيطرت تركيا بالفعل، بعد العمليات العسكرية الثلاث السابقة، على جزء كبير من الأراضي السورية، بما في ذلك بلدات عفرين وتل أبيض وجرابلس. وتخطط لبناء الآلاف من الوحدات السكنية في تلك المناطق، لضمان ما تقول إنه سيكون “عودة طوعية” لمليون من أصل 3.7 مليون لاجئ سوري في تركيا حاليا.
وقال أردوغان الأربعاء إن القوات التركية تهدف الآن إلى السيطرة على مناطق جديدة، بما في ذلك بلدتا تل رفعت ومنبج التي تقع ضمن تقاطع طرق رئيسي على الطريق السريعة بين الغرب والشرق في سوريا.
وتقول تركيا إن المقاتلين الأكراد السوريين يستخدمون تل رفعت كقاعدة لمهاجمة المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة السورية المدعومون من تركيا.
وأفادت تقارير بأن القوات التركية قد تدخل بلدة كوباني الحدودية الاستراتيجية، حيث اتحد الجيش الأميركي والمقاتلون الأكراد لأول مرة من أجل هَزْم داعش سنة 2015. وتمثل المدينة رمزا قويا بالنسبة إلى الأكراد السوريين الذين يطمحون إلى الحكم الذاتي في هذا الجزء من سوريا.
ويتخوف الأكراد من أن يستغل أردوغان الظروف الدولية الحالية لشن هجوم عليهم، خاصة في ظل تردد الولايات المتحدة ورغبتها في عدم خوض معارك لحساب الغير حتى لو كان هذا الغير يحمي منطقة حيوية بالنسبة إليها مثلما يفعل الأكراد الذين يسيطرون على أكبر آبار النفط والغاز في سوريا.
ويقولون إنهم يأخذون التهديد التركي الأخير على محمل الجد ويستعدون لهجوم محتمل، ويحذرون من أن التوغل سيؤثر على قتالهم المستمر ضد داعش وقدرتهم على حماية السجون في شمال سوريا حيث يُحبس الآلاف من المتطرفين.
وناشد مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، كل الأطراف “منع أي مآس جديدة ودعم خفض التصعيد”، محذرا من أن هجوما جديدا من شأنه أن يؤدي إلى موجات نزوح جديدة في الصراع السوري المستمر منذ 11 عاما.
ويقول محللون إن أردوغان من المرجّح أنه يرى الظروف الدولية والمحلية مناسِبة للقيام بعملية عسكرية في سوريا؛ ذلك أن الروس منشغلون بالحرب في أوكرانيا، ويحتاج الأميركيون إلى أردوغان للتخلي عن اعتراضاته على توسع الناتو ليشمل فنلندا والسويد.
وقال رئيس الدراسات في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا آرون شتاين إن الأتراك “يشعرون بأن فرصة محاولة الحصول على تنازلات من الغرب متاحة”.
ويمكن استغلال هجوم على سوريا في عملية حشد الناخبين القوميين الأتراك في الوقت الذي يتدهور فيه اقتصادهم، حيث بلغ معدل التضخم 73.5 في المئة. ومن المقرر أن تجري تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية في العام المقبل، وقد عززت التوغلات السابقة في سوريا لطرد وحدات حماية الشعب دعم أردوغان في الاقتراع السابق.
ولا توجد مؤشرات على التعبئة تشير إلى غزو وشيك حتى الآن، على الرغم من إمكانية استدعاء الجيش التركي بسرعة إلى حد ما.
وأرسلت روسيا في الأيام الأخيرة طائرات مقاتلة وأخرى من نوع هليكوبتر حربية إلى قاعدة قريبة من الحدود مع تركيا، وفقا لنشطاء المعارضة السورية.
وأعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الخميس أن بلادها تأمل في أن “تحجم” تركيا عن شن هجوم في شمال سوريا “يمكن أن يؤدي إلى تدهور خطير للوضع الصعب أصلا في سوريا”.
وأضافت أن “إجراء مماثلا، مع عدم موافقة الحكومة الشرعية للجمهورية العربية السورية، سيشكل انتهاكا مباشرا لسيادة ووحدة أراضي سوريا وسيؤدي إلى تصعيد جديد للتوتر في هذا البلد”.
لكن مع تركيز موسكو على أوكرانيا، من غير المرجح أن يقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في طريق أردوغان فيما هو في الأساس مجرد شريط من الأرض على طول الحدود الجنوبية لتركيا.
وأوضحت واشنطن معارضتها للتوغل العسكري التركي قائلة إنه سيعرض للخطر المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس “نحن ندرك مخاوف تركيا الأمنية المشروعة على حدودها. مرة أخرى نتخوّف من أن أي هجوم جديد من شأنه أن يقوض الاستقرار الإقليمي بشكل أكبر”.
وقال المحلل شتاين إن أي عملية عسكرية ستكون معقدة بسبب الوجود الروسي في كل النقاط الساخنة المحتملة. وإذا كانت هناك عملية ما فإنها تحيل إلى التساؤل عن مدى استعداد أردوغان للتوغّل في سوريا، لاسيما في منطقة كوباني وحولها، وعما إذا كان بمنأى عن اعتراضات من موسكو وواشنطن.
وقال شتاين “ما مقدار المخاطرة التي يريد تحملها؟ الدليل المتوفر لدينا هو أنه يخاطر كثيرا”.
العرب