يواصل كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين الأتراك اتصالات ولقاءات واسعة ومكثفة مع مسؤولين من روسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة على أمل التوصل قريباً إلى اتفاق حول آلية لتصدير الحبوب العالقة في أوكرانيا إلى العالم الذي تتزايد التحذيرات الدولية من أنه قد يواجه مخاطر مجاعة كارثية غير مسبوقة منذ عقود، وسط تكهنات بقرب تطبيق الآلية التي تشمل خطوطا ومناطق آمنة في البحر الأسود، ومنطقة مراقبة وتفتيش، ومركز تنسيق رباعي في إسطنبول.
وعلى الرغم من تحقيق تقدم لافت في المباحثات بين أطراف الأزمة بوساطة تركية ورعاية أممية، إلا أن شكوكاً واسعة لا تزال تحوم حول مدى جدية أوكرانيا وروسيا في التخلي عن ورقة الحبوب والأمن الغذائي العالمي كـ»ورقة ابتزاز سياسية» حيث تحاول روسيا الضغط على العالم بإطالة أمد أزمة الحبوب للمطالبة برفع العقوبات الغربية التي فرضت عليها وإثبات نظرية أن العقوبات هي السبب الرئيسي في أزمة الحبوب وخطر المجاعة وأرقام التضخم العالمية غير المسبوقة.
في المقابل، تُتهم أوكرانيا بانها تستخدم ورقة الحبوب من أجل الضغط على العالم للضغط بدوره على روسيا لوقف الحرب، وبشكل أدق من أجل الحصول على دعم سياسي وعسكري غربي أوسع، ويقول محللون إن أوكرانيا الواقعة تحت الضربات الروسية ليس من أولوياتها حالياً التفكير في إنقاذ العالم من أزمة الحبوب وخطر المجاعة، وعلى العكس من ذلك تريد أن يبقى العالم يشعر بآثار الحرب الروسية عليها للتحرك من أجل إيقافها.
وعلى مدى الأسابيع الماضية، لم تنجح الوساطة التركية في التوصل إلى آلية نهائية لتصدير الحبوب من أوكرانيا إلى العالم بسبب انعدام الثقة بين الجانبين الروسي والأوكراني، حيث تطالب روسيا بإزالة الألغام من البحر الأسود وتفتيش السفن قبيل وصولها إلى الموانئ الأوكرانية خشية نقلها أسلحة، في المقابل ترفض أوكرانيا إزالة الألغام خشية مهاجمة روسيا منطقة أوديسا الاستراتيجية بحراً.
وفي أحدث جولة من المباحثات، عقد وفدان عسكريان تركي وروسي اجتماعا «إيجابيا» في موسكو، الأربعاء، لبحث ملف شحن الحبوب من أوكرانيا، وذلك ضمن إطار «دبلوماسية الخط الأحمر» ونقلت وكالة «الأناضول» عن مصادر رسمية تركية قولها إن «الاجتماع كانت أجواؤه إيجابية وبناءة للغاية» موضحةً أن الاجتماع في موسكو آتى ثماره بمغادرة أول سفينة شحن تركية الميناء الأوكراني، وبذلك أصبحت السفينة التركية «آزوف كونكورد» أول سفينة أجنبية تغادر ميناء ماريوبول الأوكراني الخاضع لسيطرة الجيش الروسي والانفصاليين.
وبمبادرة من وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، تم إنشاء «خط أحمر» بين كل من تركيا وروسيا وأوكرانيا لحل أزمة خروج سفن الشحن الناقلة للحبوب من موانئ الأخيرة، والخميس أعلن وزير الدفاع التركي عن وجود توافق عام بين الأطراف المعنية حول إنشاء مركز عمليات بولاية إسطنبول للإشراف على إجلاء السفن المحملة بالحبوب من الموانئ الأوكرانية، قائلاً: «تم إحراز تقدم كبير في هذا الصدد، وهناك توافق عام في الآراء بشأن إنشاء مركز عمليات في إسطنبول».
وقال أكار إنه يواصل محادثاته في هذا الإطار مع نظيريه الروسي سيرغي شويغو، والأوكراني ألكسي ريزنيكوف، موضحاً أن المحادثات العسكرية بين تركيا وروسيا مؤخرًا جرت في أجواء إيجابية، وأن المسؤولين المعنيين يناقشون قضايا من شأنها أن تعود بالفائدة على المنطقة وأوكرانيا وروسيا في نفس الوقت، ولفت إلى أن اللقاءات مستمرة مع أوكرانيا وروسيا والأمم المتحدة، معرباً عن اعتقاده في أن «الأيام المقبلة قد تشهد خطوات ملموسة وتطورات إيجابية».
وبالتزامن مع ذلك، أشار وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو إلى وجود خطة أممية لتنفيذ إخراج الحبوب من أوكرانيا، وقال: «نرى خطة الأمم المتحدة واقعية وقابلة للتنفيذ، لذلك ندعمها بقوة، كما نعتقد أنها مهمة من حيث شرعية هذه العملية» لافتاً إلى أنه حال التوافق سيتم إنشاء مركز في إسطنبول بخصوص أزمة الحبوب الأوكرانية، إلى جانب تأسيس منطقة آمنة خارج المياه الإقليمية لأوكرانيا.
وأضاف: «سيتم هنا تفتيش السفن المتجهة إلى الموانئ الأوكرانية، وهذا مطلب روسيا للتأكد من أنها لا تحمل أسلحة أو شيئا آخر. يريد الجميع التأكد من أن السفن في طريق العودة تحمل المنتجات المحددة، يبدو حقيقة أنه أمر جيد، لكن على الأطراف أن تتفق. إضافة إلى جهود الأمم المتحدة، تواصل تركيا إجراء محادثات سواء مع أوكرانيا أو روسيا» مشيراً إلى أنه من المقرر عقد اجتماع على المستوى التقني مع روسيا في إسطنبول، مبينا أن موعده لم يحدد بعد، وأن أنقرة تتوقع ردا إيجابيا من موسكو بهذا الخصوص.
وخلال اتصال مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الاثنين، أكد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان استمرار الجهود المشتركة من أجل تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود للحيلولة دون أزمة غذاء عالمية، حيث يتوقع عقد لقاء رباعي تركي أوكراني روسي أممي في إسطنبول، تأمل خلاله تركيا أن يتم التوصل لآلية نهائية لتصدير الحبوب من أوكرانيا إلى العالم.
وتحظى الجهود التركية بدعم أمريكي عبر عنه البيت الأبيض الذي أشاد بجهود تركيا لإنهاء أزمة الحبوب العالمية، كما جرى اتصال بين المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ركز على بحث القضية، كما جرى اتصال هاتفي بين اردوغان ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لبحث المسألة التي تركزت عليها زيارة وزيري دفاع وخارجية بريطانيا إلى تركيا، كما رحب الأمين العام لحلف الناتو بالجهود التركية في هذا الإطار.
القدس العربي