حلفاء الصدر وخصومه بين الربح والخسارة

حلفاء الصدر وخصومه بين الربح والخسارة

يعد رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر، من أكثر ساسة عراق اليوم تغييرا في المواقف والتحالفات ضمن العملية السياسية في عراق ما بعد 2003 مسببا إحراجا شديدا لأتباعه وحلفائه معا.

وعقب ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية في 2021 وبروز التيار الصدري باعتباره الكتلة الأكبر في البرلمان بـ 73 مقعدا من بين مقاعد البرلمان البالغة 329 مقعدا، عقد الصدر تحالفا ثلاثيا بين تياره والحزب الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني، والتحالف السني بقيادة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان وخميس الخنجر، حيث شكلوا الكتلة الأكبر التي يفترض ان تقود الحكومة المقبلة، إلا ان كتلة «الإطار التنسيقي» التي تضم الأحزاب والفصائل المسلحة الولائية، الذين رفضهم الناخبون، عرقلوا تشكيل الحكومة من التحالف الثلاثي بقيادة الصدر بعيدا عنهم، وحركوا القضاء لإفشال تحركهم، عبر لعبة الثلث المعطل، ما جعل الصدر، يتخذ «قرارا انفراديا» بالتراجع عن ذلك التحالف، وقام بتوجيه نوابه لتقديم استقالاتهم من البرلمان، من دون تقديم مبرر مقنع أو استشارة حلفائه، وليمنح بذلك خصمه «الإطار» الفرصة الذهبية لتشكيل الكتلة الأكبر التي تقود الحكومة الجديدة، ويترك حلفاءه في حيرة من أمرهم، ليعيدوا حساباتهم، مجبرين على التعامل مجددا مع الإطار للحصول على حصة من كعكة الوزارات.

تحالفات متذبذبة

والمتابع للعملية السياسية في العراق يؤشر على حالة فريدة لا مثيل لها في العالم، حيث ان جميع الأحزاب السياسية التي تخوض الانتخابات، تشارك في تشكيلة الحكومات، ضمن تحالفات «توافقية» يتم من خلالها تقاسم السلطة (الوزارات والمناصب العليا في الحكومة) حسب نسبة المقاعد التي حققتها الأحزاب في الانتخابات. ولا توجد معارضة في البرلمان العراقي، حيث يحرص الساسة على منح كل الأحزاب حصة من الحكومة لإرضاء الجميع وضمان عدم وجود معارضة قوية تعرقل هيمنة الأحزاب على الدولة ومواردها الهائلة.
والأمر نفسه ينطبق على حليفي الصدر ضمن التحالف الثلاثي، وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب مسعود بارزاني) والتحالف السني (محمد الحلبوسي رئيس البرلمان وخميس الخنجر) حيث يحرص هؤلاء على ان يكون لهما حصة في مناصب الحكومة المقبلة. ولذا فمجرد إعلان الصدر، انسحابه من تشكيل الحكومة، سارع حلفاؤه للتوجه إلى خصومه في الإطار التنسيقي، من أجل ضمان حصتهم الوزارية في الحكومة التوافقية المتوقعة.
ولعل الحليف الآخر للصدر، أي رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي، يعد أكثر المتمسكين بالتحالف مع الصدر للحصول على الحماية والدعم السياسي لحكومته. وخلال الصراع على تشكيل الحكومة الجديدة بين التيار الصدري وقوى الإطار، اتهم خصوم الصدر الكاظمي، بأنه سهل لأتباع التيار الصدري اقتحام المنطقة الخضراء واحتلال البرلمان من دون التصدي لهم، على أمل التجديد له في رئاسة الوزراء. ولذا جاء إعلان الصدر انسحابه من العملية السياسية بمثابة ضربة لآمال الكاظمي، كونه مرفوض كليا من الأحزاب والفصائل الولائية.
أما نشطاء حراك تشرين الإصلاحي، فقد اتسم موقفهم من الصدر بالحذر والشك، رغم إعلانه ما تسمى بـ «ثورة عاشوراء» ضد الفساد منذ نحو شهر. وظل التشرينيون يراقبون تحركات أتباع الصدر واعتصامهم في البرلمان ولم يعلنوا الانضمام إليهم رغم تشابه الشعارات، أي محاربة الفساد وإنهاء سطوة الميليشيات والتبعية، وذلك بسبب مواقف غير ودية سابقة لأتباع التيار الصدري في وأد حراك تشرين، لذا طلبوا من الصدر بيان موقف واضح وانتقاد وقوف بعض عناصر التيار ضد حراك تشرين، كشرط لانضمامهم للحراك الصدري، ولكنه لم يفعل ما زاد في ترددهم عن مناصرته. بل ان الصدر في خطابه الذي أنهى اعتصام جماعته، كرر انتقاد ثورة تشرين رافضا اعتبارها ثورة ومتهما إياها بارتكاب العنف! وهو الموقف الذي قطع شعرة معاوية بين الطرفين للأبد.

معارضو الصدر

والحقيقة ان حالة الانشقاق داخل البيت الشيعي سبقت الأزمة الأخيرة، حيث سبق ان وجه الصدر انتقادات لبعض الفصائل ووصفها بـ«الميليشيات الوقحة» والفاسدة، فيما يرى المراقبون أن الخلاف الشيعي يندرج ضمن الصراع على السلطة.
وبعد الانتخابات الأخيرة، اصيب تكتل «الإطار التنسيقي» الذي يضم الفصائل والأحزاب الموالية لإيران، بهزيمة منكرة عندما حصل على مقاعد قليلة، لذا رفض نتائج الانتخابات ودفع أتباعه لتنظيم اعتصام قرب المنطقة الخضراء بحجة وجود تزوير. إلا ان الإطار تمسك بتلك النتائج بعد استقالة الصدريين من البرلمان، حيث زجوا عناصرهم الخاسرة بدلا عن أتباع الصدر، ليجمعوا الكتلة الأكبر في البرلمان.
ويتهم خصوم التيار الصدر بانه مشارك فعال في العملية السياسية وإدارة البلد مثل باقي أحزاب السلطة التي ينتقدها، حيث أدار التيار الصدري العديد من الوزارات والمواقع المتقدمة في الحكومات المتعاقبة على حكم العراق منذ2003.
أما أخطر المعارضين للصدر الآن فهي إيران، التي ورغم إعلانها عدم تدخلها في العملية السياسية في العراق، إلا ان دورها المؤثر كان واضحا في الأزمة بين الصدر والإطار، من خلال وقوفها بقوة ضد محاولات الصدر إبعاد حلفائها «الإطار» عن السلطة.
وإضافة إلى زيارات عديدة قام بها قائد فيلق القدس اسماعيل قاآني إلى بغداد ولقاءاته بزعماء الأحزاب الموالية، للضغط على الصدر للإبقاء على «الحكومة التوافقية» فتصريحات المسؤولين الإيرانيين كلها كانت تصب في اتجاه دعم الأحزاب والفصائل الولائية وعدم السماح بإبعادها عن السلطة. فيما قامت السفارة الإيرانية في بغداد بإجراء سلسلة من الاتصالات بزعماء الكتل السياسية المقربة من إيران في نفس الاتجاه.
وفي هذا السياق، أكد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، عند استقباله وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أن «إحلال الأمن والاستقرار في العراق لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الحوار بين جميع التيارات السياسية» داعيا إلى «التوصل إلى تفاهم حول تشكيل حكومة جديدة» في إشارة إلى ضرورة إشراك حلفاء إيران في أي حكومة.
إلا ان الضربة الإيرانية الأخطر للصدر، جاءت من خلال قيام المرجع الديني الشيعي كاظم الحائري (مقيم في إيران) الذي يقلده الصدر وتياره في العراق، بإعلانه اعتزال العمل كمرجع شيعي ودعوة مقلديه (أتباع الصدر) إلى إتباع مرجعية المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. ففي بيانه الذي أعلن فيه اعتزال العمل المرجعي، وجه الحائري انتقادات إلى الصدر، واتهمه ضمنا «بالسعي لتفريق المذهب الشيعي باسم المرجعين الشيعيين محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر، والتصدّي للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشروط المطلوبة في القيادة الشرعية».
ولم يتردد الصدر في الرد على الحائري، وقال في تغريدة له على تويتر: «يظن الكثيرون بمن فيهم السيد الحائري أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم، كلا، إن ذلك بفضل ربي أولا ومن فضل والدي محمد صادق الصدر الذي لم يتخل عن العراق وشعبه». وأقر الصدر، بدور إيران في اعتزال الحائري، عندما قال «لم يكن بمحض إرادته». ويبدو أن الصدر يرى أن اعتزال الحائري في خضم حراك تياره الأخير، هو محاولة إيرانية لإنهاء مرجعية آل الصدر، إضافة إلى إفشال مساعي الصدر لتشكيل حكومة بعيدا عن حلفاء إيران.
وعموما يعتقد المراقبون وأغلب العراقيين، أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، قد ارتكب في حراكه الأخير، سلسلة من الأخطاء وسوء التقدير، سواء في إجباره أنصاره على الاستقالة من البرلمان، رغم كونهم الكتلة الأكبر، ما تسبب في خسارته أهم ورقة سياسية للتأثير في العملية السياسية، ثم اقتحام أتباعه البرلمان ومحاصرة المحكمة الاتحادية ومقر الحكومة، بهدف عرقلة عقد جلسة البرلمان لاختيار رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ثم تراجعه في النهاية عن حراكه قبل تحقيق الأهداف، إضافة إلى إضاعته فرصة كسب التشرينيين وشريحة كبيرة من الشعب الناقم على الأوضاع.
وكانت محصلة تحركاته فقدانه القدرة على التأثير السياسي في الحكومة المقبلة، مع إحباط كبير في أوساط قواعده الجماهيرية وزعزعة ثقتهم في قدراته السياسية، جراء تفرده في القرارات الحاسمة وتفوق خصومه عليه في اللعبة السياسية.
إلا أن الخسارة الأكبر للصدر، في هذه المعركة، هي فقدانه ثقة حلفائه والقوى السياسية الأخرى، في مدى التعويل على ثبات مواقفه أو التحالف معه مستقبلا، على ضوء مواقفه المتغيرة والمفاجئة والمنفردة، التي أوقعت حلفاءه في إحراج كبير أمام قواعدهم وأضعفتهم أمام خصومهم.

القدس العربي