اخذت الأحداث الميدانية التي رافقت دخول عناصر التيار الصدري إلى المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد ثم الى مجلس النواب ابعادا عديدة وأظهرت حجم الصراع السياسي والاختلاف الفكري بين أوساط الأحزاب والكتل السياسية المشاركة في العملية السياسية وعدم وجود قاسم مشترك من الاتفاق بينهم على رؤية حقيقية لقيادة البلاد نحو الأمن والاستقرار والتغيير الشعبي المطلوب ، كانت الجموع البشرية التي اقتحمت المباني التابعة لمجلس النواب وحاولت الوصول إلى مقر مجلس القضاء الأعلى تعبر عن حاجة جماهيرية تتلخص في الخلاص و الانعتاق من الظلم الإجتماعي وسوء الحالة المعاشية وارتفاع حدة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ورفض التدخل الدولي والإقليمي في شؤون العراق ، ولا شك أن هناك صراعا سياسيا بين قطبين رئيسين ظهر واضحا بعد الانتخابات التي جرت في العاشر من تشرين الاول عام 2021 وهما تحالف إنقاذ وطن والإطار التنسيقي الذي احتدم أكثر بعد الانسحاب المفاجئ لأعضاء التيار الصدري من عضوية مجلس النواب ورفضهم التوجهات القائمة بتشكيل حكومة توافقية والابتعاد عن النهج الشعبي في اختيار طبيعة وصورة الحكومة القادمة بعد العديد من المطالبات الشعبية والحراك السياسي الجماهيري الذي ابتدأ منذ تشرين الاول عام 2019 ، واستمرت حالة الغليان الشعبي حتى قيام حكومة الكاظمي بإجراء انتخابات مبكرة في تشرين الاول 2021 والتي أسفرت عن نتائج فاجأت العديد من الأحزاب السياسية الدينية بخسارتها للعديد من مقاعدها بما زاد من حدة الخلاف السياسي ومستقبل تشكيل الحكومة المقبلة ، ثم كان التحالف الثلاثي بين التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني والسيادة الذين أجمعوا على تشكيل حكومة وطنية أغلبية وليست توافقية ولكن الابتعاد عن حالة التفاهم السياسي بين الأحزاب المشاركة أدى إلى ظهور ما يعرف بالثلث المعطل والانسداد السياسي.
بعد انسحاب التيار الصدري تصاعدت حدة التصريحات السياسية بين جميع الأطراف وزادها تأثيرا الاختيار الاخير للاطار التنسيقي لشخصية رئيس الحكومة القادمة، مما صعد من الاحتجاج الشعبي لدى عناصر التيار الصدري الذين رأوا أن عجلة التغيير قد ابتعدت عن أسس الإصلاح في مؤسسات الدولة بمحاربة الفاسدين والاقتصاص من سراق المال العام وتبيض الأموال وتهريبها والداعمين لهم ، وحاولت جميع الأوساط السياسية احتواء الأزمة القائمة ولكنها لم تتمكن من ذاك رغم سياسة التهدئة والتحلي بالحكمة التي اتبعتها الحكومة وقواتها الأمنية في التعامل مع الأفواج الشعبية التي دخلت المنطقة الخضراء والسماح لهم بالتواجد فيها ، ومع كل الدعوات التي انطلقت ولكنها لم تفلح في توحيد الرؤى بقواعد رصينة من التفاهم والعودة الحوار السليم بسبب عمق الخلافات التي صاحبت عقدين من الزمن بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وافتقار السياسين العراقيين لرؤية حقيقية وبرامج فعلية ومشتركات فكرية لقيادة العراق واستثمار ثرواته وموقعه الجغرافي وتأثيره السياسي في الساحة العربية والاقليمية والدولية واكتفت هذه الأحزاب بصراعاتها وعلاقاتها المتازمة بما انعكس سلبيا على على الواقع المأساوي الذي يعيشه أبناء الشعب العراقي.
العراق قد يذهب إلى مستقبل مظلم وبعيد عن حالة التفاؤل المنشود وقريب من الاحتدام والاحتراب بين أقطاب العملية السياسية والخاسر الوحيد هو الشعب العراقي الذي يصبو لمستقبل وغد افصل بعد أن ارتوت ارضه بدمائه وتضحياته عبر السنين الماضية، فالجميع اما يذهب إلى انتخابات مبكرة وحل لمجلس النواب وإبقاء حكومة الكاظمي او الاتفاق على شخصية مستقلة لرئاسة الحكومة العراقية المقبلة وحل الخلاف الكردي السياسي حول اختيار مرشح لرئاسة الجمهورية او أن يتدخل القضاء العراقي بقرارات حاسمة تنهي حالة الصراع السياسي بإعادة النظر بقانون الانتخابات وتعديل بعض الفقرات للخروج من الأزمة السياسة .
فهل سيمضي العراق إلى طريق مجهول او سيكون هناك انفراج سياسي ؟؟
هكذا ما ستؤول إليه الأيام القادمة.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية