أطلق الحرس الثوري الإسلامي الإيرانيمناورات عسكرية واسعة النطاق على طول حدود البلاد مع أذربيجان في 17 تشرين الأول/أكتوبر، في خطوة وُصفت بالاستفزازية، فما الرسائل التي تريدها طهران من وراء تلك المناورات؟
يقول الدكتور واسيف حسينوف، الباحث البارز في مركز تحليل العلاقات الدولية في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية إنه لم يتم الإعلان عن الموقع الدقيق للمناورات التي سُميت “إيران القوية”، ولكن المنطقة التي تشير إليها وسائل الإعلام الإيرانية باسم منطقة التمرين تقع على الحدود مع نخجوان والبر الرئيسي لجمهورية أذربيجان. واختبرت التدريبات العمليات المتكاملة، بما في ذلك تكتيكات الأمن والدفاع التي نفذتها الوحدات البرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، ولأول مرة، نشر جسور مؤقتة عائمة لتدريب القوات والمركبات العسكرية على التنقل عبر العقبات المائية.
وبالنظر إلى أن الحدود الطبيعية بين إيران وأذربيجان هي نهر آراس في العديد من الأقسام، فإن نشر الجسور العائمة المؤقتة أثار الدهشة بين مواطني أذربيجان. ووفقا لوسائل الإعلام الأذربيجانية، وعلى عكس التدريبات السابقة، غطت هذه المناورات كامل الحدود مع أذربيجان وشملت المزيد من الأسلحة والأفراد. ووفقا لبيان صادر عن السفارة الإيرانية في أذربيجان، أعطت طهران باكو إشعارا مسبقا بالتدريبات، وناقش القادة العسكريون من كلا البلدين هذه التدريبات.
ويقول حسينوف إن ذلك يأتي وسط توترات متزايدة بين باكو وطهران وسعي الأخيرة للتحالف مع أرمينيا. ومنذ حرب منطقة ناغورنو كاراباخ عام 2020، حذرت إيران من مشروع ممر زنجزور، الذي تخشى طهران أن يقطع اتصالها الجغرافي بأرمينيا. وقد تم توجيه مثل هذه الاتهامات ضد أذربيجان من قبل مسؤولين في مختلف مستويات الحكومة الإيرانية، بما في ذلك من قبل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
وفي تغريدة نشرت في 19 تموز/يوليو، قال خامنئي: “بالطبع، إذا كانت هناك سياسة تهدف إلى إغلاق الحدود بين إيران وأرمينيا، فإن الجمهورية الإسلامية ستعارضها، لأن هذه الحدود هي طريق ربط عمره ألف عام”، وذلك بعد أن قال “نحن سعداء لرؤية كاراباخ تعود إلى أذربيجان”.
علاوة على ذلك، وبعد يومين من بدء التدريبات العسكرية، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن “إيران لن تسمح بسد طريق اتصالها مع أرمينيا، ومن أجل تأمين هذا الهدف، أطلقت جمهورية إيران الإسلامية أيضا مناورة في تلك المنطقة”.
وتواصل إيران هذه الاتهامات على الرغم من تأكيدات من الحكومتين الروسية والأذربيجانية. فعلى سبيل المثال، أعلن الجانب الروسي مرارا أنه لن يتم تجاوز الحدود الإقليمية على طرق النقل المزمع فتحها بين أرمينيا وأذربيجان.
وقال نائب رئيس الوزراء الروسي أليكسي أوفرشوك في مقابلة في 30 أيلول/سبتمبر: “المبدأ هو أن السيادة على الطريق يمارسها البلد الذي يمر الطريق عبر أراضيه. هذا يعني أنه إذا كان الطريق يمر عبر الأراضي الأرمنية، فهذا طريق أرمني، وإذا كان على طول الأراضي الأذربيجانية، فهو أذربيجاني”.
وفي تأكيد آخر، أعلن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في 14 تشرين الأول/أكتوبر أن بلاده “ليس لديها نية لاحتلال أراضي أرمينيا، كما قد يفترض البعض”. ومع ذلك، تؤجج إيران التوترات في المنطقة من خلال التحذير من التغييرات الحدودية الوشيكة وغيرها من التهديدات الجيوسياسية.
وبعد أيام قلائل من مناورات إيران، التقى علييف والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على هامش مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا بالعاصمة الكازاخية أستانا في 13 تشرين الأول/أكتوبر.
وذكر الموقع الرسمي للرئيس الأذربيجاني أن علييف أبلغ رئيسي بأن أذربيجان تواصل جهودها لضمان السلام والأمن في بحر قزوين ومنطقة جنوب القوقاز، مؤكدا أن “أذربيجان تنتهج سياسة خارجية مستقلة”.
ويرى حسينوف أن التأكيد على “السياسة الخارجية المستقلة” جدير بالملاحظة، حيث غالبا ما تحذر إيران أذربيجان من العلاقات الوثيقة مع إسرائيل. ووفقا لبعض التقارير الإعلامية، لم يكن الاجتماع بين الرئيسين وديا، حسبما ذكرت مصادر رسمية. وتشير بعض التقارير إلى أن علييف انتقد نظيره الإيراني بسبب الحشد العسكري على الحدود الأذربيجانية وتسليح أرمينيا وتقديم المساعدة العسكرية لها لمواجهة أذربيجان، واصفا إياها بأنها تشكل تهديدا لبلاده. وردا على ذلك، تردد أن رئيسي نفى هذه الاتهامات وانتقد علييف لإطاعة “الصهاينة”، والتي يبدو أنه ألمح بها إلى إسرائيل، وكذلك بسبب زيارة وزير الجيش الإسرائيلي الأخيرة إلى باكو.
وتشير حقيقة تشاركها وسائل الإعلام الأذربيجانية إلى أن هذه التسريبات من الاجتماع قد تكون صحيحة. ووفقا لوكالات إعلامية مختلفة في أذربيجان، تبين أن إيران هي الدولة الوحيدة في قمة المؤتمر الدولي المعني بالتفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا التي عارضت رئاسة أذربيجان للفترة المقبلة، في حين دعمتها جميع الدول الأعضاء الأخرى.
وفي خطوة بدت وكأنها رسالة إلى أذربيجان ضد أي خطط مزعومة لتغيير الحدود وعزل إيران عن أرمينيا، قام أمير عبد اللهيان بزيارة استغرقت ثلاثة أيام إلى أرمينيا في 20 تشرين الأول/أكتوبر وافتتح قنصلية في كابان، عاصمة مقاطعة سيونيك في جنوب أرمينيا. وذكرت وسائل إعلامية أن أعمال تجديد مبنى القنصلية لم تنته بعد، وعلى هذا النحو، تم افتتاحها على عجل.
وقال أمير عبد اللهيان في كلمته خلال حفل افتتاح مكتب القنصلية: “لقد أعلنا بوضوح معارضتنا لأي تغيير جيوسياسي للحدود في منطقة القوقاز… ونحن نعتبر أمن أرمينيا من أمن جمهورية إيران الإسلامية وأمن المنطقة”.
ومن الواضح أن كلا الجانبين يعززان تعاونهما في مختلف المجالات، بما في ذلك الجيش والاقتصاد. وبصرف النظر عن السعي إلى زيادة حجم التجارة الثنائية من 700 مليون دولار إلى 3 مليارات دولار، تناقش إيران أيضا توريد طائرات قتالية بدون طيار إلى أرمينيا.
وتزامنت زيارة أمير عبد اللهيان إلى أرمينيا مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أراضي كاراباخ المحررة في أذربيجان، حيث انضم إلى علييف في حفل افتتاح مطار زانجيلان، ثاني مطار دولي تفتتحه أذربيجان في الأراضي المحررة، وفي مراسم مشاريع أخرى في المنطقة المتاخمة لإيران. وترى أذربيجان في تعاونها الوثيق مع تركيا ضمانة ضد التهديدات الأمنية التي يشكلها تحالف إيران وأرمينيا، الذي يأمل الجانبان في تطويره إلى كتلة ثلاثية مع الهند.
(د ب أ)