المسيرات الإيرانية و الاتفاق النووي القادم

المسيرات الإيرانية و الاتفاق النووي القادم

تبقى مفاوضات البرنامج النووي الإيراني حاضرة في جميع الأزمات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وتأخذ أبعادها المؤثرة عندما تتغير الظروف والأحداث السياسية وتصاعد المواقف الأمريكية الإيرانية وتتسع دائرة الخلاف حول آليات توقيع الاتفاق القادم والإجراءات التي تتبعه، وهنا يبقى العامل الرئيسي المتحكم بطبيعة تحديد أوليات الاتفاق هو الرفض الذي يبدية أعضاء مجلس النواب الأمريكي من الحزب الجمهوري وانضم إليهم عددا من أعضاء الحزب الديمقراطي الذين يرون أن على الإدارة الأمريكية أن تتعامل بجدية أكثر ومواقف فعالة تجاه النظام الإيراني بعد أن تأكدت العديد من المؤشرات حول قيام طهران بتزويد روسيا بطائرات مسيرة دعما لها في نزاعها العسكري مع أوكرانيا وهو تطور ميداني في علاقة إيران الدول الاوربية الراعية للاتفاق النووي والذي تعتبره مشاركة فعلية في دعم الرئيس بوتين ضد التحالف الأمريكي الغربي ولهذا فقد سارعت بريطانيا إلى فرض عقوبات عديدة على الشركات الإيرانية والأفراد والمسؤولين عن تزويد روسيا بطائرات مسيرة وهي من نوع ( كاميكازي وشاهد) .
هذا التطور الميداني انعكس أيضا على الداخل الإيراني وتحديدا عند بعض المحافظين المتشددين حول العلاقة مع الإدارة الأمريكية والموقف من جولات التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني ويرون أن هناك العديد من الثغرات والمؤشرات التي يحاول الأوربيين والأمريكان فرضها على إيران والتي يعتبرها المحافظون انها تؤثر على مكانة النظام وسياسته الداخلية وعلاقاته الخارجية ،الاتفاق القادم يتطلب نقل معظم الكميات التي تم تخصيبها من اليورانيوم إلى خارج إيران والاحتفاظ بنسبة 3,67 من الكميات البالغة 202,8 كغم وهي المتفق عليها في اتفاق 2015 في حين أن ما وصلت إليه إيران وحسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في السابع من شهر أيلول 2022 في تخصيب اليورانيوم تعادل 3940,9 كغم حتى يوم 21 آب 2022 مع عودة إيران إلى استخدام جهاز الكرد المركزي نوع lR1 مع الاكتفاء بتخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز دون المنشآت الأخرى في أصفهان وفوردو ، وأن الجانب الإيراني المعارض يرى أن تنفيذ هذه الشروط تمثل تضحيات بشرية ومالية سبق وأن قدمها النظام الإيراني أسفرت عن اغتيال عدد من العلماء العاملين في مجال الطاقة الذرية وقيادات عسكرية وأمنية في الحرس الثوري الإيراني وتدمير وتعطيل عدد من المنشآت النووية والعسكرية وتحميل الخزانة الإيرانية أموال طائلة استخدمت في توسيع دائرة العمل بالبرنامج النووي ، كما أن ليس هناك ضمانات أكيدة على بقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن لولاية أخرى وليس هناك من ضمان بعدم انسحاب الإدارة الأمريكية من الاتفاق مجددا من الاتفاق القادم وضمانات يتدفق الأموال المجمدة التي يمكن أن تشهد إجراءات إدارية وقضائية كبيرة تؤخر من عملية رفع الحظر عن الأموال المجمدة كما وان عودة إيران للسوق العالمية لإنتاج وتصدير النفط قد تتأثر بعوامل العرض والطلب على الطاقة وهي عقبة أخرى في الحصول على الموارد المالية التي بحاجة إليها النظام حاليا وهو يواجه استمرار التظاهرات الشعبية المطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية ورفع المستوى المناسب وصرف المستحقات المالية للعاملين في المؤسسات الحكومية بل وصلت حدة التظاهرات إلى المطالبة بإسقاط النظام الحاكم، ويوجد أمر آخر يتعلق بكيفية قدوم الشركات العالمية للاستثمار داخل إيران والتي تتابع طبيعة العلاقة بين واشنطن وطهران ومدى تأثيراتها على استمرار عملها وتخشى التعامل في مشاريع تنموية واقتصادية قد تكون لشركات تابعة للحرس الثوري الإيراني مما يجعلها في دائرة العقوبات الاقتصادية الدولية ، والموقف الدولي القائم حول استمرار ملف التحقيقات التي أقرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا يزال حاجز كبير يخشاه النظام الإيراني الذي يرى فيها عائق وخطر محدث به وورقة ضغط عليه في أي مفاوضات قادمة أو اتفاق يرضي جميع الأطراف المتحاورة .
التطور الاخير الذي حدث في طبيعة العلاقة بين روسيا وإيران والإعلان عن الدعم العسكري بتزويد طهران لموسكو بطائرات مسيرة وتواجد عناصر من الحرس الثوري وعدد من المدربين العاملين في الدعم التقني لتشغيل المسيرات في شبه جزيرة القرم وإطلاق هجمات قتالية ضد أوكرانيا والمعلوم أن هذا النوع من الطائرات لا يتميز فقط بقدرته على الهجوم الدقيق بل يستخدم أيضا في التحسين النوعي والكمي لجمع المعلومات الاستخبارية والاستطلاع والمراقبة، وهذا ما يؤثر عل الحوار القادم حول الاتفاق النووي بعد أن رأت واشنطن انه يمثل تدخلا واضحا في المواجهة القائمة بين روسيا وأوكرانيا خاصة وأن هذه الطائرات قد استخدمت سابقا بتنفيذ هجمات على مواقع وقواعد عسكرية أمريكية في العراق وسوريا واستهداف مصالح اقتصادية أمريكية داخل الأراضي السعودية والاماراتية .
تتسارع الاحداث السياسية في منطقة الشرق الأوسط وتحاول واشنطن اللعب على إدانة مصالحها في المنطقة والحفاظ على دورها الدولي في مواجهة النزاعات القائمة مع الاهتمام بتوسيع عملية تدفق النفط والغاز ومن عدة جهات ودول إلى القارة الأوربية مع بداية فصل الشتاء ومحاولة التخفيف عن الأوربيين في مواجهتهم لنتائج العقوبات المفروضة على الاقتصاد الروسي.

وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية