غيبت الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي شهدها العراق خلال العقدين الماضيين التعداد السكاني للبلاد على رغم تواصل انفجار عدد المواليد الجدد.
وأجري آخر تعداد سكاني في العراق عام 1997، ويعتبر الأساس في توزيع الثروات في البلاد ورسم الخطط التنموية وتقويم نتائجها ووضع الخطط الصحيحة لإعادة الإعمار.
نهاية 2023
وأفصح صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق الخميس الماضي عن آخر مستجدات ملف التعداد في العراق، وأكد الصندوق بذل الحكومة جهوداً كبيرة لإجرائه في موعده عام 2023، لكنه أشار إلى أن تنفيذه سيتم إلكترونياً ويتوقف على توفير التخصيصات المالية في موازنة 2023.
وقال كبير مستشاري الصندوق مهدي العلاق في تصريح صحافي إن “الاستعدادات لتنفيذ التعداد السكاني بدأت منذ عام 2019، إذ كان من المؤمل أن يُنفذ عام 2020، لكن جائحة كورونا تسببت في تأجيله”.
وأضاف أن “الجهاز المركزي للإحصاء ووزارة التخطيط يبذلان جهوداً كبيرة من أجل الالتزام بالموعد الجديد عام 2023″، موضحاً أن “هذا الموضوع مرتبط بتهيئة الموازنة الكافية، ومع انطلاق الحكومة الجديدة والموازنة الجديدة لعام 2023 ربما تتوافر التخصيصات المناسبة لأغراض تنفيذ التعداد العام للسكان”.
وذكر أن “صندوق الأمم المتحدة للسكان من الجهات الداعمة لهذا المشروع الكبير، ونأمل في أن يتحقق خلال الموعد المذكور”، موضحاً أن “موازنة التعداد المخطط لها من قبل الجهاز المركزي للإحصاء في حدود 120 مليون دولار، وهناك بعض أوجه الصرف تمت خلال الأعوام الماضية لكنها لا تزال محدودة”.
وأكد أن “الموازنة الأكبر ستكون للوسائل التقنية لأن التعداد سينتقل من الأسلوب الورقي إلى اللوحي، وكذلك فإن مراكز البيانات ووسائل التواصل ستكون عبر الإنترنت”، لافتاً إلى أن “هذه المتطلبات ينبغي تأمينها قبل الشروع بتنفيذ التعداد”.
شروط وحلول
وكانت وزارة التخطيط حددت في وقت سابق شرطين رئيسين لإجراء التعداد العام للسكان والمساكن في موعده المقرر نهاية العام المقبل،
وقال المتحدث باسم الوزارة عبدالزهرة الهنداوي في بيان نشرته وسائل الإعلام المحلية، إنها “تعمل منذ أعوام على تنفيذ التعداد العام، بيد أن عقبات عدة حالت دون إجرائه، بدءاً بالظرف السياسي للبلاد عام 2010 وانتهاء بالوضع الصحي في 2020”.
وأضاف الهنداوي أن “اللجنة العليا للتعداد العام للسكان والمساكن خلال تشكيلها في الحكومة السابقة قررت أن يجرى التعداد في موعد أولي نهاية العام المقبل، بيد أن هذا الموعد مشروط بظروف العراق وتخصيص الأموال فـي الموازنة”، مؤكداً “إدراج تخصيصات التعداد ضمن موازنة العام المقبل”.
وأشار إلى “استعداد الجهاز المركزي للإحصاء لإجرائه، شرط أن تكون هناك مدة زمنية كافية لتنفيذ جميع متطلباته”، كاشفاً عن “وجود كثير من الفعاليات التي سيتضمنها التعداد، وكل واحدة منها تحتاج إلى توقيت زمني لإنجازها”.
وفي المقابل يشير أستاذ الاقتصاد الدولي ومدير مركز الأبحاث بجامعة جيهان في دهوك نوار السعدي إلى أن الأونة الأخيرة شهدت وتيرة متصاعدة في شأن الاستعدادات لإجراء التعداد العام للسكان، بعد أن وصل الموضوع إلى حد مخجل خلال 20 سنة، على رغم تعالي أصوات الخبراء والمستشارين حول أهمية إجراء التعداد، إذ إن جميع القرارت الاقتصادية والسياسية في البلد معتمدة عليه.
مشكلات وضوابط
لكن في كل مرة تروم فيها وزارة التخطيط إجراء تعداد سكاني تنتهض مشكلات تحول دون تنفيذه، وآخرها عام 2020 نتيجة مشكلة التخصيصات المالية وجائحة كورونا، بحسب السعدي الذي يكمل أن “هناك بعض المقترحات أتمنى أن تؤخذ بعين الاعتبار، إذ يجب أن يشمل التعداد العراقيين داخل البلاد وخارجها، وكذلك كل البشر الموجودين داخل حدود البلد سواء كانوا عراقيين أو أجانب، وأن تكون هناك معلومات دقيقة منها إدخال حقل المهنة ليستفيد منه الباحثون في الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية لرسم السياسات”.
وشدد السعدي على أنه “إذا حدث هذا التعداد فسيكون تسلسله التاسع منذ أربعينيات القرن الماضي، ولكوننا في زمن التكنولوجيا والبرامج المتقدمة فيجب أن يعتمد التقنيات الحديثة ليكون تعداداً إلكترونياً من دون استخدام الورقة والقلم لتوفير الوقت والجهد وتحقيق المضمونية والأمان”.
ورأى السعدي أن الأمر يحتاج إلى توفير الخرائط الجوية ودليل الوحدات الإدارية وتأمين متطلبات العمل الميداني، فضلاً عن الباحثيين والعدادين الذين يتوزعون في 18 محافظة تضم 171 قضاء و427 ناحية، مما يتطلب توفير مئات من المراك في عموم العراق، وتدريب هؤلاء العدادين على نحو جيد.
وشدد على أنه “من الضروري جداً إنشاء مركز متطور لمعالجة البيانات وتأمين شبكات التراسل الإلكترونية من الميدان إلى مركز البيانات، وهذه المراحل ينبغي استكمالها قبل الوصول إلى يوم التعداد”.
ويعتقد السعدي أنه “بعد نجاح هذا المشروع الوطني وإجراء التعداد المرتقب فإن العراق لن يحتاج إلى تعداد آخر، كوننا سنحصل على قاعدة بيانات مفصلة، وسيصل العراق مثل باقي الدول إلى ما يسمى التعداد السجلي الذي يقوم على أساس تحديث البيانات بشكل دوري في جميع الصعد، وبالتالي فإن البيانات ستكون محدثة بشكل مستمر، لكن في النهاية يبقى الأمر متروكاً للحكومة الجديدة ووزارة التخطيط لاتخاذ قرار نهائي ورسمي في هذا الشأن”
اندبندت عربي