يبدو أن حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تسير بخطوات بطيئة في خطتها لإصلاح الاقتصاد أمام العقبات والمشكلات التي تواجهها في المنهاج الحكومي، الأمر الذي قد يعرقل تطبيقها على أرض الواقع وتحقيق غايتها لتحسين الواقع الاقتصادي الذي يعيشه المواطن العراقي.
أكد السوداني في تصريح صحافي أن “أولويات الحكومة العراقية مبنية على الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، إضافة إلى عزمها تحويل الفئات الفقيرة من متلقين للرعاية الاجتماعية إلى أشخاص فاعلين في سوق العمل، عبر خطط مدروسة وواقعية”.
تركة ثقيلة
يقول الباحث الاقتصادي بسام رعد “جاءت الحكومة الحالية بخطة اقتصادية طموحة تتضمن محاور متعددة، في مقدمتها رفع شعار الإصلاح الاقتصادي في الجوانب المالية والمصرفية، ومكافحة الفساد المالي والإداري، ومعالجة الفقر والبطالة، والعمل على كبح جماح التضخم، وتنشيط قطاعات الصناعة والزراعة، إضافة إلى خلق فرص عمل جديدة”.
واعتبر رعد أنه “على الرغم من هذه الخطة الطموحة فإن الكل يعلم أن هذه الحكومة ورثت تركة ثقيلة عن سنوات سابقة ناتجة من فشل تحقيق التنمية الاقتصادية وتعطل أغلب المشاريع، إضافة إلى تقادم البنى التحتية، وعلى الرغم من الوفرة المالية الحالية بسبب ارتفاع أسعار النفط عالمياً فإن العمل لتحقيق التنمية الاقتصادية وإحداث تغييرات في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية يحتم اعتماد منهجية علمية في تحديد الأولويات وكيفية توجيه الموارد نحوها بشكل سليم من خلال توجيه هذه الوفرة نحو المشاريع الاستثمارية المدرة للدخل، التي تعظم القيمة المضافة”.
وشدد على أن “نجاح البرنامج الاقتصادي للحكومة الحالية سيتعمد بشكل أساس على مدى قدرتها على التحول نحو الحكومة الإلكترونية، حيث إن تسخير إمكانات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في جميع المجالات الاقتصادية يمكّننا الآن من الحصول على استجابات أفضل لقضايا حيوية قائمة منذ أمد طويل، مثل القضاء على الفساد ومنع الهدر في المال العام وخلق فرص عمل جديدة، إضافة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وزيادة الرضا المجتمعي”.
نجاحات ومعوقات
الباحث الاقتصادي صالح لفتة يشدد على أنه قد يحالف رئيس الوزراء النجاح في بعض بنود وفقرات خطته الاقتصادية، مع بعض إخفاقات في جوانب أخرى بالتأكيد، لكن مقدار النجاح بالنسبة للفشل وأيهما أكثر فهو أمر تحدده عوامل عدة في العراق، منها مقدار الدعم الذي يحصل عليه من مجلس الوزراء نفسه، وجدية الوزراء في تطبيق توجيهات رئيس الحكومة، وإلى أي مدى يمكنهم الثبات عليها إذا تعارضت الخطة مع مصالح كتلهم وأحزابهم.
وهناك عامل آخر بحسب لفتة، هو هل بالإمكان توفير الموارد الكافية والموازنة اللازمة لتطبيق الخطة؟ وهل يساند مجلس النواب رئيس الوزراء لتوفير الموارد الكافية التي تحتاج إليها الخطة؟ خصوصاً أن نجاحها سيحسب لشخص رئيس الوزراء لا لمجلس النواب ولا لكتل وأحزاب “الإطار التنسيقي” التي جاءت به في المنصب.
يكشف الباحث العراقي عن معوقات فنية تتمثل بالقوانين والتشريعات التي لا تساعد على نجاح أي خطة اقتصادية بسهولة، وكذلك نوعية الأشخاص الذين يعتمد عليهم في تنفيذ الخطة وإمكاناتهم وخبراتهم.
ويوضح أن رئيس الوزراء العراقي يراهن على نجاح خطته لأنها تمثل الفرصة الأخيرة بالنسبة للكتل السياسية لإثبات أنها مع مصالح العراق، ولا يمكن للكتل الاعتراض أو تعطيل الخطة وإلا أصبحت بمواجهة الشعب، وهذا بالتأكيد يجانب الصواب.
ويختم لفتة “لا ينبغي التشاؤم من الآن في شأن الخطة، وأيضاً لا ينبغي التفاؤل المفرط بنجاحها وتغيير أوضاع الناس للأفضل، والانتظار لحين تطبيقها والحكم عليها، هذا أفضل”.
إيجاد الحلول
يقول مستشار “رابطة المصارف الخاصة” سمير النصيري إن “جميع مشكلات العراق السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية تكمن في إيجاد الحلول الناجعة للمشكلات الاقتصادية، وهذا يعني سعي الحكومة إلى تبني أسس وسياسات وبرامج واضحة وجديدة يتم اعتبارها خريطة طريق للإصلاح الاقتصادي والتغيير الجذري والشامل للمنهجيات والسياسات السابقة”.
وطرح النصيري في تصريح صحافي خريطة الطريق لمنهجية الإصلاح الاقتصادي في المرحلة المقبلة للحكومة الجديدة باعتماد إشراك القطاع الخاص في تنفيذ المنهاج الوزاري، خصوصاً أنها في بداية مشوارها الإصلاحي والخدمي، وبما يحقق الهدف من كونها حكومة خدمات وإنجاز.
وأكد اعتماد منهجية جديدة لإدارة الاقتصاد وتحقيق الهدف المركزي المتمثل بخلق التنمية المستدامة وتحقيق التنوع في الموارد وتطوير البنى الاقتصادية والبشرية من أجل البناء السليم للاقتصاد الوطني وبناء مقدمات الانتقال إلى اقتصاد السوق الاجتماعي.
وشدد على ضرورة الاعتماد بشكل أساس على إدارة وتوزيع المال العام بشفافية ونزاهة على أن يكون المستفيد من النتائج والمخرجات هو المواطن وأن يتم ذلك تحت الرقابة المباشرة لديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة ومجلس النواب، وترفع التقارير الرقابية وموازين المراجعة ونسب التنفيذ للأموال المخصصة فصلياً، وتعرض في هيئات الرأي بالوزارات، على أن يكون هناك ممثل للقطاع الخاص فيها.
أفق الإصلاحات
وتابع “يجب أن تلتزم الوزارات بقرارات المجلس الوزاري للاقتصاد واللجنة العليا للإصلاح الاقتصادي والمالي بعد مصادقة مجلس الوزراء، كما ينبغي تشكيل لجنة متابعة مركزية ترتبط بالأمين العام لمجلس الوزراء ويمثل فيها القطاع الخاص لمتابعة تنفيذ القرارات”.
وأضاف أن تنفيذ مبدأ مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ يعني أن تتولى اللجنة العليا للإصلاح الاقتصادي والمالي رسم الخطط والسياسات مركزياً وإقرارها من مجلس الوزراء، وتوزيع تنفيذها على مجالس متخصصة للإعمار والاستثمار وتنفيذ المشاريع التنموية في المجال الاقتصادي والبشري.
ولفت إلى توفير القروض الميسرة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة من تخصيصات مبادرات البنك المركزي التمويلية والقروض التي تقدمها المصارف الحكومية والأهلية، وتأسيس منظومة قانونية ومؤسسية لإدارتها وتنميتها وتطويرها، وكذلك إصدار وتعديل قوانين البيئة القانونية لتنظيم العملية الاقتصادية بمعنى إصدار قوانين جديدة بدلاً من القوانين التي صدرت عام 2004 من الحاكم المدني الأميركي بول بريمر.
ورأى النصيري ضرورة تفعيل الاستثمار في القطاعات الزراعي والصناعي والطاقة المتجددة والسياحة والخدمات والإسكان، وكذلك العمل على إصلاح وتطوير وتنمية القطاع المصرفي من خلال تطبيقات السياسة النقدية وتنظيم العلاقة والقيود التي تحكم السياسات المالية والنقدية، فضلاً عن التوجه الجاد لإصلاح النظام المالي، ووضوح السياسات المالية، وميكنة القطاعين الجمركي والضريبي، ومعالجة حالات الإخفاق في تحقيق نسب النمو المطلوبة في الدخل القومي، وتجاوز الارتفاع في نسب التضخم والبطالة والفقر.
اندبندت عربي