يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكبر تحد خلال فترة حكمه الممتدة لأكثر من عشرين عاما. وستكون أصوات حزب الشعوب الديمقراطي عاملا حاسما بالنسبة إلى المعارضة لتأمين أغلبية في البرلمان خلال التصويت الذي سيجرى في نفس اليوم، ولتجاوز نسبة الخمسين في المئة المطلوبة لانتخاب الرئيس.
ديار بكر (تركيا) – قد يلعب الأكراد الذين يشعرون منذ فترة طويلة بالتهميش في السياسة التركية دورا حاسما في انتخابات مايو التي ستشهد تنافسا قويا، والتي ستحسم ما إذا كان الرئيس رجب طيب أردوغان سيستمر في الحكم بعد أكثر من عقدين في السلطة.
وتظهر استطلاعات للرأي توزانا دقيقا بين التحالف الحاكم لأردوغان وبين المعارضة، ومن ثم قد يلعب حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد دورا في تحديد شخصية الرئيس التالي، على الرغم من أن مسعى قضائيا لحظره قد يعني أنه قد يعيد تشكيل نفسه تحت مظلة حزبية جديدة.
منذ مغادرة شيمشك الحكومة استنزفت تركيا الكثير من احتياطياتها الرسمية، وشهدت انخفاض الليرة إلى أدنى مستوياتها القياسية
وأدى ارتفاع معدل التضخم وانتقاد الناس لطريقة تصدي الحكومة للزلزال المدمر الذي وقع في فبراير وأودى بحياة 48 ألف شخص على الأقل في تركيا، إلى جعل أردوغان وحزب العدالة والتنمية يواجهان أصعب تحد انتخابي منذ صعود أردوغان إلى السلطة لأول مرة.
وعكف أردوغان لسنوات على خطب ود الأكراد الذين يشكلون نحو 20 في المئة من سكان تركيا، وكسب تأييد جنوب شرق البلاد الذي تقطنه أغلبية كردية، باتخاذه إجراءات لدعم حقوق الأكراد والتقدم الاقتصادي ومحاولة إنهاء الصراع مع المسلحين الأكراد.
لكن الدعم الكردي تراجع بشكل مطرد بعد أن اتبعت حكومة أردوغان نهجا قوميا أشد صرامة، ومع تواصل خصوم الحكومة مع حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد لدعم كمال كليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي تدعمه أحزاب المعارضة كمرشحها لإلحاق الهزيمة بالرئيس.
في ظل استطلاعات رأي تظهر تمتع حزب الشعوب الديمقراطي بأكثر من عشرة في المئة، قد يلعب الحزب دورا رئيسيا في الانتخابات التي ستحدد الزعيم التالي لتركيا واحتمالات المضي قدما في نهج أردوغان الاقتصادي الذي حقق نموا وطفرة في الإنشاءات في السابق، لكنه جعل الأتراك يواجهون الآن تضخما بلغ 55 في المئة.
وقالت برفين بولدان، الرئيسة المشاركة لحزب الشعوب الديمقراطي التركي، الأربعاء إن الحزب المؤيد للأكراد وحلفاءه لن يدفعوا بمرشح في الانتخابات الرئاسية، مما يزيد من احتمال اتحاد المعارضة في مواجهة مساعي الرئيس رجب طيب أردوغان للفوز بفترة جديدة.
وفي تصريحاتها خلال مؤتمر صحافي، لم تذكر بولدان صراحة إن كان التحالف سيدعم مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو.
وكان صلاح الدين دمرداش، الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي والمسجون منذ عام 2016 بسبب ما يقول الحزب إنه أسباب سياسية، عبر سابقا عن دعمه لكليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي.
ويرجح أن يضعف إعلان حزب الشعوب الديمقراطي قبل أقل من ثمانية أسابيع على الانتخابات الرئاسية، فرص إعادة انتخاب أردوغان عبر استفادته من انقسامات المعارضة.
ويريد حزب الشعوب الديمقراطي، ثالث أكبر حزب في البرلمان، أن تدعم المعارضة مطالب حقوق الأكراد وقضايا أخرى. وأجرى الحزب الكردي محادثات مع كليجدار أوغلو الاثنين ومن المتوقع أن يعلن هذا الأسبوع ما إذا كان سيدعمه.
وسجنت السلطات الآلاف من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي ومشرعيه ورؤساء البلديات أو تم تجريدهم من مناصبهم في السنوات القليلة الماضية.
وفي عام 2019، تعاون حزب الشعوب الديمقراطي مع المعارضة لإلحاق الهزيمة بمرشحي حزب العدالة والتنمية الحاكم في انتخابات رئاسة بلديات المدن الكبرى.
وقال فهاب كوشكون، أستاذ القانون في جامعة دجلة في ديار بكر، “لا أعتقد أن ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي سيجدون صعوبة في التصويت لصالح كليجدار أوغلو، نظرا إلى جهوده الأخيرة لبناء جسور مع كل من الناخبين الأكراد والمحافظين”.
وفي الوقت الذي أقامت فيه المعارضة جسورا مع الأكراد، تحالف حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان مع حزب الحركة القومية منذ عام 2015 حين انهارت عملية سلام استهدفت إنهاء التمرد في جنوب شرق تركيا. وحزب الحركة القومية معارض قوي للحركة الكردية ومطالبها بالحقوق الثقافية.
واتهم بعض سكان ديار بكر التي ضربها الزلزال، وإن يكن بدرجة أقل من مناطق أخرى، الحكومة بالتقصير.
لكن هناك التحديات القانونية التي قد تعرقل دور حزب الشعوب الديمقراطي، الذي فاز أيضا بنحو 12 في المئة من الأصوات في الانتخابات العامة عام 2018.
فهناك قضية أمام القضاء الآن قد تمنع الحزب من خوض انتخابات مايو بسبب اتهامه بوجود صلات له بمسلحين أكراد. وطلب الحزب الذي ينفي هذا الاتهام تأجيل جلسة المحكمة في الحادي عشر من أبريل، مستندا على أنها ستعرقل استعداداته للانتخابات.
ولم يعلن مسؤولو الحزب عما سيفعلونه إذا لم يتم إرجاء جلسة المحكمة، لكن تقارير صحافية قالت إنه سيوجه أنصاره للتصويت لحزب مستقبل الخضر واليسار الصغير الذي تبنى شعارا حزبيا شبيها بحزب الشعوب الديمقراطي.
وتعرض حزب الشعوب الديمقراطي لحملة قمع منذ 2015 عندما انهارت عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا وحلفاؤها الغربيون منظمة إرهابية. وسُجن الآلاف من أعضاء الحزب والمشرعين ورؤساء البلديات الذين ينتمون إليه أو أُقيلوا من مناصبهم في السنوات القليلة الماضية، بسبب صلات مزعومة بالإرهاب، وهو ما ينفيه الحزب.
انتكاسة لأردوغان
يمثل رفض وزير المالية السابق محمد شيمشك الانضمام إلى إدارة أردوغان، أحدث انتكاسة سياسية للرئيس التركي، الساعي إلى تقوية فريقه قبل دخول غمار انتخابات ستشهد منافسة قوية شهر مايو المقبل.
وبعد اجتماع استمر لأزيد من ساعة في مقر حزب العدالة والتنمية بأنقرة الثلاثاء، قال شيمشك، الذي يعد أحد أبرز الاقتصاديين التركيين، على تويتر، إنه لا يخطط للعودة إلى العمل السياسي بسبب انشغالاته مع المؤسسات المالية في الخارج، مبديا استعداده للمساعدة في مجال خبرته، إذا لزم الأمر.
وجاء قرار شيمشك بعد ساعات فقط على اختيار زعيم حزب إسلامي ناشئ عدم الانضمام إلى “تحالف الجمهور”، الذي يقوده حزب العدالة والتنمية، ويضم حزب الحركة القومية، وأحزابا هامشية أخرى.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيلجي بإسطنبول إلتر توران أن الرئيس “لم يكن ليحتاج إلى الحصول على دعم الأحزاب الهامشية لو رأى أن فرصه في الفوز كبيرة”، مضيفا “بالرغم من أن من السابق لأوانه تقديم استنتاجات، إلا أن الرئيس للمرة الأولى يواجه احتمالا جادا بالخسارة، إذا أجريت الانتخابات وفقا للقواعد”.
ويرى مراقبون أن هزيمة أردوغان في الانتخابات بعد أكثر من عقدين في السلطة، ستكون لها تداعيات قوية ليس على المشهد السياسي بمنطقة الشرق الأوسط فقط، بل أيضا في العالم بأسره.
ويقول الخبير الإستراتيجي في مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية في أنقرة نهاد علي أوزجان “إن هناك تقاطبا شديدا بين الناخبين”، مضيفا أن المصوتين إذا قرروا إنهاء حكم أردوغان، فقد يغير ذلك مسار علاقات تركيا مع حلفائها وسياساتها الخارجية عامة.
وفيما قلل حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان من أهمية رفض شيمشك للعودة إلى صفوف الحكومة، يوضح محللون أن وزير المالية السابق “لا يثق في إمكانية إقناع الرئيس بتغيير سياساته الاقتصادية غير التقليدية”.
ومنذ مغادرة شيمشك الحكومة في عام 2018، استنزفت تركيا الكثير من احتياطياتها الرسمية، وشهدت انخفاض الليرة إلى أدنى مستوياتها القياسية، وخرج التضخم عن السيطرة.
ومنذ أن تولى منصبه لأول مرة في عام 2007، ينظر المستثمرون إلى شيمشك، وهو محلل إستراتيجي سابق في ميريل لينش، على أنه شخص ضليع بالأسواق المالية.
وفي قراءته لقرار رفض شيمشك العودة إلى حكومة أردوغان، يرجح تيم آش، محلل الأسواق الناشئة في “بلوباي آسيت”، “أن الرئيس التركي رفض إعطاء شيمشك التفويض برفع أسعار الفائدة كما هو مطلوب”، مضيفا أن “أردوغان غير مستعد للتنازل عن آرائه بشأن السياسة النقدية التي تتخذها بلاده”.
العرب