واشنطن – في إطار الحملة التي يشنها الكونغرس على ما تمثله الصين من تحديات للولايات المتحدة، أقر مجلس النواب الأميركي، في خطوة نادرة، بالإجماع (435 صوتا مقابل صفر) مشروع قانون يطالب وزير الخارجية أنتوني بلينكن بتجريد الصين من صفة “دولة نامية” في المنظمات الدولية، في وقت تعهد فيه سيناتوران -وهما الجمهوري ميت رومني والديمقراطي كريس فان هولين- بتقديم مشروع قانون مماثل في مجلس الشيوخ “لإنهاء المزايا الدولية” غير العادلة التي تتمتع بها بكين.
يذكر أن مجلس النواب قد شكّل في يناير/كانون الثاني الماضي لجنة خاصة من الحزبين، تركز على المنافسة الأميركية مع الصين، والتهديدات التي تمثلها سياسات الحزب الشيوعي الصيني على المصالح الأميركية.
ويهدف مجلس الكونغرس إلى إنهاء معاملة الصين على أنها “دولة نامية” في المعاهدات والمنظمات الدولية، لتصبح “دولة متقدمة”.
وتمتلك الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث تمثل 18.6% من الاقتصاد العالمي بعد الولايات المتحدة، التي تتم معاملتها دولة متقدمة، ويرى الكونغرس أنه يجب أن تُعامل الصين أيضا بصفتها دولة متقدمة على قدم المساواة مع وضع الولايات المتحدة.
ماذا وراء الإصرار الأميركي؟
يتيح وضع الصين -صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم- كدولة نامية تمتعها بالمعاملة الخاصة نفسها في التجارة الدولية على شاكلة دول فقيرة مثل زامبيا والبيرو وبنغلاديش.
وتعتبر الصين دولة نامية من قبل بعض المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والبنك الدولي، ويمنح ذلك الوضع الصين ميزات متعددة منها تسهيلات تلقي قروض منخفضة الفائدة، وتسهيلات تجارية واسعة، أو مساعدة مالية لتمويل مشاريع بنى تحتية.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار خبير الشؤون الآسيوية بمجلس العلاقات الخارجية جوشوا كورلانتزيك، إلى أن الولايات المتحدة تدفع في هذا الاتجاه لأن الصين لا تتصرف بوصفها دولة نامية في المنظمات الدولية، ولا تحتاج إلى هذا الوضع بعد الآن.
فالصين -حسب قوله- قوية للغاية في وكالات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات، بل في بعضها أقوى من الولايات المتحدة، لذلك تعتقد واشنطن أنه يجب إسقاط تسمية الدولة النامية عن الصين، وربما تكون بكين في الواقع أقوى لاعب في العديد من وكالات الأمم المتحدة الآن، وبالطبع تقاوم الصين ذلك، لكنها في الوقت نفسه جمعت قوة كبيرة جدا في المنظمات الدولية بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة.
دولة نامية أم متقدمة؟
يستخدم البنك الدولي معيار نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي لتصنيف اقتصادات العالم إلى 4 فئات دخل:
الدخل المرتفع.
وعادة ما تعتبر البلدان ذات الدخل المرتفع، التي يكون فيها نصيب الشخص من إجمالي الدخل القومي أعلى من 13 ألفا و205 دولارات، بلدانا متقدمة.
في الوقت ذاته يراقب العالم صعود القوة الاقتصادية للصين خلال العقود الأخيرة مع ارتفاع ناتجها المحلي الإجمالي من أقل من 150 مليار دولار في ثمانينيات القرن الماضي إلى 18.3 تريليون دولار في عام 2022، حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج القومي العام الماضي ما يقرب من 12 ألفا و732 دولارا، وهكذا تصبح الصين دولة نامية بمعايير البنك الدولي.
وفي حين تسمح منظمة التجارة العالمية للدول بالإعلان الذاتي عما إذا كانت دولة نامية، وتؤكد الصين دائما أنها كذلك، يرى الكثير من المعلقين أن هذه التصنيفات في أساسها سياسية وليست اقتصادية.
وتسعى الصين لعدم تغيير وضعها دولة نامية لأنها تستفيد بشكل كبير من ظروف صادراتها ومستويات الرسوم الجمركية وغيرها من المزايا، ولم تتمكن الولايات المتحدة من التوصل إلى توافق في الآراء بين أعضاء منظمة التجارة العالمية لتغيير هذا الوضع.
من ناحية أخرى أنشأت الصين سلسلة من المنظمات الدولية التابعة لها، بما في ذلك البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومؤسسة شنغهاي للتعاون، وذاك بهدف تحدي نظام المنظمات الدولية الذي أنشأته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
ما الذي تربحه الصين من وضعها الحالي؟
رأت صون يون خبيرة العلاقات الأميركية مع دول شرق آسيا بمركز “ستيمسون” بواشنطن، في حديث للجزيرة نت، أن منح وضع الدولة النامية للصين يخدم هدفين:
أولهما المعاملة التفضيلية، فالبلدان النامية تحصل على معاملة تفضيلية في المنظمات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي من حيث الوصول إلى الأسواق والقروض والمساعدة التقنية وما إلى ذلك، وتتمتع البلدان النامية أيضا بمعاملة تفضيلية في قضايا معنية مثل المسؤولية عن تغير المناخ.
الثاني أن هذا الوضع يمنح الصين هيبة ومكانة كبيرة، حيث يمكن لها أن تدعي أنها أكبر دولة نامية، وتقود كتلة البلدان النامية.
من جانبه، اعتبر باتريك كرونين، رئيس برنامج أمن آسيا والمحيط الهادي بمعهد “هدسون” والمسؤول السابق بوزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين، أن هذا الأمر “يتحدى المنطق أن نطلق على أكبر اقتصاد في العالم من خلال معيار القوة الشرائية، والدولة التي لديها أكبر أسطول عسكري في العالم، دولة نامية”. وأضاف “نحن نأخذ الصين على محمل الجد فيما يتعلق بسعي الرئيس شي جين بينغ لقيادة العالم في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية”.
وعلى الجانب الآخر، ترى صحيفة “غلوبال تايمز” (Global Times) التابعة للحكومة الصينية أن “الولايات المتحدة ليس لها الحق في الحكم على وضع الصين كدولة نامية، وأن مثل هذه المحاولة تكشف عن نوايا واشنطن الشريرة لزيادة تكلفة التنمية في الصين وإجبارها على تحمل مسؤوليات دولية تتجاوز قدرتها”.
بيد أن كرونين قال في حديثه للجزيرة نت “نحن نتفهم رغبة الصين في الاستفادة مما يجلبه أن تكون دول نامية، في الوقت الذي تسعى فيه لفرض هيمنة عالمية، لكن بكين أكبر من أن تكون كليهما، إنها قوة صاعدة وليست دولة في طور الصعود”.
المصدر : الجزيرة